:::: ؛ ~~~ الوالدان وأهازيج الطفولة ~~~ ؛ ::::

[align=center]الأم والأب كيانان مترعان بالحب والتضحية والعطاء ..
يمنحون بلا حدود .. وبسخاء منقطع النظير ..

والأم أعظم ما تكون لهفةً وتطلُّعاً لوليدها في طفولته ..
ما أعجب هذه الأم التي ترضى من وليدها بالحسن والقبيح ..
وتعجب بحركاته وسكناته .. وأصواته .. وإن لم يكن لها معنىً .. فهي شجية مطربة لديها ..
ومن أروع المشاهد الحافلة بالمشاعر منظر الأم التي تضم رضيعها، وتهدهده مترنمة بأعذب وأصدق الأهازيج ..
وقد قالت العرب قديماً : أجمل ما يكون الظبي، حين ينفرد عن القطيع، ويخلص لابنه الصغير، ويرنو إليه بالنظرات الحانية المُحـِبة ..
وحديثاً قال بعض العلماء : أنـْظَـرُ ما تكون المرأة وأجمل، عندما تشعر ببوادر الحمل الأولى ..
وسنستعرض هنا بعض هذه الأهازيج التي تترنم بها الأمهات والآباء ..

1) فاطمة بنت أسد تغني لابنها :
( إن عقيلاً كاسمه عقيل /// إذا تهب شمأل بليل /// يعطي رجال الحي أو ينيل )

2) الزبير بن عبدالمطلب يتغنى لابنته أم الحكم :
( يا حبذا أم الحكم /// كأنها ريمٌ أجم )

3) وهذه أعرابية تغرد لابنها فتقول :
( ياحبذا ريح الولد // ريح الخزامي في البلد // أهكذا كل ولد // أم لم يلد قبلي أحد )

4) وهذا الزبير يترنم لأحد أبنائه :
( أبيضُ من آل أبي عتيق // مباركٌ من ولد الصديق // ألذه كما ألذ ريقي )

5) أعرابي في ابنه :
( يا حبذا روحه وملمسه // الله يرعاه لي ويحرسه )

6) وقد يُتغنى بالصفات المنشودة :
( إن أخي عباس عفٌ ذو كرم // فيه عن العوراء إن قيلت صمم //
يرتاح للمجد ويوفي بالذمم // وينحر الكوماء في اليوم الشـَّبـَم //
أكرم بأعراقك من خال وعم )

7)هند بنت عتبه تغني لابنها معاوية بن أبي سفيان :
( إن بُنيّ معرقٌ كريمُ // محببٌ في أهله حليمُ // ليس بفحاش ولا لئيم //
ولا بطخرور ولا سئيم // صخرُ بني فهرٍ به زعيم // لا يخلف الظن ولا يـَخِيم )

8)غنى ابن السراج لابنه :
( أحبه حب الشحيح ماله // قد كان ذاق الفقر ثم ناله // إذا يريد بذله بداله )

9) وقد تكون الترانيم استشرافا لمستقبل حافل بالسيادة والمجد والسؤدد وقهر الأعداء :
( ظني بعمرو أن يفوق حلما // وأن يسود جمحاً وسهما //
ويُنْشِق الخصمَ الألد رُغما // وأن يقود الجيش مَجراً دَهُما // يلهمَ أحشاد الأعادي لهما )

10) وقد تكون المبالغة في التوقعات لدرجة الدعاء على النفس أو الطفل إذا لم يكن مقدراً له العز والسؤدد، قالت أم الفضل الهلالية لابنها عبدالله بن العباس :
( ثكلتُ نفسي وثكلتُ بِكْرِي // إن لم يسد فهراً وغير فهر //
بالحسب العدِّ وبذلِ الوَفْرِ // حتى يوارى في ضريح القبر )

11) ومن أظرف أغراض هذا التغني الشعري هو مداعبة ومعاكسة أهل الطفل، طلبت إحدى جواري الزبير بن عبدالمطلب إليه أن يتغنى لابنها كما تغنى لأبنائه، فقال:
( وإن ظني بمغيث أن كَبرْ // أن يسرق الحجاج إذا الحج كثُر //
ويُوقِر الأعيار من قِرفِ الشجر // ويأمر العَيْر بليل يعتذر //
ميراثُ شيخ عاش دهراً غير حُرْ )

ولعله اتضح لنا أن هذه الترانيم وثيقة اجتماعية هامة لأنها تبرز مكارم الأخلاق التي كان يمجدها المجتمع العربي، والصفات الجسدية والأماني .. إضافة إلى أنها تشير إلى أسلوب أدبي فريد يحاكي أنغام الطفولة، والصور الأدبية التي ترسمها الأبوة والأمومة ..
ما أجمل هذه الصور التي تبين مشاعر الوالدين .. فأنصح جميع إخواني في الختام أن يحسنوا إلى والديهما إن كانا حيين بحسن الصحبة والقيام بأمورهما واغتنام كل فرصة لبرهما قبل وفاتهما .. فقد حدثني من مات والداه بعد سؤاله عن الوالدين ومحضني نصيحة خرجت من سويداء قلبه .. قال يا فلان اغتنم فرصة حياتهما ,اكثر الجلوس معهما وقضاء حوائجهما فأنت في نعمة عظيمة .. ولن تجد من يحبك حباً حقيقياً مثل حبهما وشفقتهما .. وقال لي آخر لقد فقدت طعم الحب والعطف والشفقة منذ وفاة أمي وكان عند وفاتها في الستين من عمره. وأضيف لهما قائلاً الأم أولاً قبل الزوجة والوالد والولد .. ومن فضل زوجته على أمه أو ساواهما فهو في خسران مبين ..

قصة : كان صخر أخو الخنساء، في أشد ما يكون من المرض، وكانت أمه وزوجته سلمى تمرضانه، فضجرت زوجته منه فمرت بها امرأة فسألتها عن حاله فقالت: لا هو حي فيرجى ولا ميت فينسى.
فسمعها صخر فقال :
أرى أم صخر لا تمل عيــادتي .........وملت سليمى موضعي ومكاني
لعمري لقد نبهت من كان نائماً ..........وأسمعت من كانت له أذنـان
وأي امرئ ساوى بأمٍّ حليلــةً ........... فلا عاش إلا في شقا وهـوان [/align]