أبو ذؤيب... غواصا
كتب أبو المثلم قبل أسابيع موضوعا عن أبي ذؤيب بعنوان (أبو ذؤيب.. نحال) على ما أذكر وكنت أنوي التعقيب عليه بهذا الموضوع إلا أني بحثت عن الموضوع فلم أجده.
لم يلفت نظري أثناء قراءتي لديوان الهذليين كثرة وصفهم للطبيعة فمن عاش في ذات الأرض التي عاشوا فيها وتفاعل مع المكونات التي تفاعلوا معها لا يستغرب كثرة وصفهم للمطر مثلا ولا للسباع والنحل وطريقة اشتيار العسل من الجبال فهي أمور مألوفة لدينا ووعيناها منذ نعومة أظفارنا. ولكن ثلاثة أبيات لأبي ذؤيب في وصف الغوص واستخراج اللؤلؤ استوقفني كثيرا ولا زالت، فقبيلة هذيل لم تجاور البحر قط ولم تعمل به وحتى لو جاورت بحرا فلن يكون إلا البحر الأحمر ولم أسمع أن به لؤلؤا أصلا أو أن أيا من القبائل المجاورة له عملت في الغوص واستخراج اللؤلؤ. انظروا إلى دقة التصوير وبراعته في هذه الأبيات:
كأن ابنة السهمي درة قامس لها بعد تقطيع النبوح وهيج
أجاز إليها لجة بعد لجة أزل كغرنيق الضحول عموج
فجاء بها بعد الكلال كأنه من الأين محراس(مخراش) أقذ سحيج
والقامس الغواص والصورة في البيت الثاني تنقلنا تماما لمنظر الغواص وهو يتموج تحت الماء (كالغرنيق) منطلقا في عمق المياه باتجاه (المحارة) وتفسر أغلب كتب اللغة كلمة عموج بالملتوي إلا أنها حين تأتي على بيت أبي ذؤيب هذا تفسر الكلمة بالسابح رغم أني أرى أن أبا ذؤيب أراد أنه متموج في حركته وهذا يتطابق مع معنى الكلمة الأصلي ومع الصورة الجميلة في البيت. مثل هذا الوصف الدقيق والصور البليغة لا يصدر إلا من ممارس للمهنة أو معاين لها على أرض الواقع وهو أمر تنفيه المعلومات المتوفرة لدينا.
التوقيع |
عجبــت لمــن لــه قــد وحـــــد
وينبو نبــوة القضــم الكــهام
ومن يجد الطريق إلى المعـالي
فلا يــذر المطــي بـلا سنــام
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام |
|