الأنموذج الأول :
حكي أن رجلاً كان أسيراً في بني بكر بن وائل وعزموا
على غزو قومه، فسألهم في رسول يرسله إلى قومه،
فقالوا: لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم،
فجاءوا بعبد أسود، فقال له: أتعقل ما أقوله لك،
قال: نعم إني لعاقل، فأشار بيده إلى الليل، فقال: ما هذا؟
قال: الليل. قال: ما أراك إلا عاقلاً، ثم ملأ كفيه من الرمل
وقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنه لكثير،
فقال: أيما أكثر النجوم أم النيران؟ قال: كل كثير،
فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم يكرموا فلاناً يعني
أسيراً كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه
لي مكرمون، وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء،
وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها،
وأن يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما أكلت معكم حيساً،
واسألوا عن خبري أخي الحرث. فلما أدى العبد الرسالة
إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء
ولا جملاً أصهب، ثم دعوا بأخيه الحرث فقصوا عليه
القصة، فقال: قد أنذركم، أما قوله: قد دنا العرفج، يريد
أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله: شكت
النساء أي أخذت الشكاء للسفر، وأما قوله: أعروا ناقتي
الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء، واركبوا الجمل الأصهب،
أي الجبل. وأما قوله: أكلت معكم حيساً، أي أن أخلاطاً
من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع
التمر والسمن والإقط، فامتثلوا أمره وعرفوا
لحن الكلام وعملوا به فنجوا.
الأنموذج الثاني :
ودخلت امرأة على هارون الرشيد وعنده جماعة من
وجوه أصحابه، فقالت: يا أمير المؤمنين: أقر الله عينك،
وفرحك بما آتاك، وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت، فقال
لها: من تكونين أيتها المرأة. فقالت: من آل برمك ممن
قتلت رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم.
فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، ونفذ فيهم قدره،
وأما المال فمردود إليك، ثم التفت إلى الحاضرين من
أصحابه، فقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة،
فقالوا: ما نراها قالت إلا خيراً. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك،
أما قولها أقر الله عينك، أي أسكنها عن الحركة،
وإذا سكنت العين عن الحركة عميت،
وأما قولها: وفرحك بما آتاك، فأخذته من قوله
تعالى: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة"
وأما قولها: وأتم الله سعدك، فأخذته من قول الشاعر:
إذا تم أمر بدا نقصه %% ترقب زوالا إذا قيل، تم
وأما قولها لقد حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى:
"وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" الجن: 15،،
فتعجبوا من ذلك.