الاثنين, 16 نوفمبر 2009
رداد شبير الهذلي - مكة المكرمة
هل الشعراء يستقون إبداعهم من الجن؟
وهل اختلاف قدرات الشعراء نتيجة اختلاف قدرات الشعر عند الجن؟
الحقيقة أن من الثوابت المسلَّم بها عند بعض الناس أن الجن هم السبب الرئيس في شعر الشعراء.
فدعونا نناقش هذه القضية.
من المعروف أن العرب هم أهل الفصاحة والبيان، والشعر هو أعلى درجات الفصاحة فقد بلغوا شأواً عظيما حتى قيل بأن العرب أمة شاعرة.
ومن المعلوم أن الإنس يمتلكون زمام البيان والفصاحة فهم أفضل من الجن في هذا الجانب،
فكيف يستقي الإنسان بيانا ممن هو أقل منه؟!
والله سبحانه وتعالى عندما تحدى بالقرآن قدم الإنس على الجن لأن الإنس أفصح منهم فقال تعالى: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )،
فقد قدم سبحانه في التحدي الإنس على الجن لفصاحتهم.
ولكن الجن في القدرة هم أكثر من الإنس لأن الله سبحانه حباهم قدرة خارقة، وعندما تحدى الله الجن والإنس في القدرة قدم الجن على الإنس فقال: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بسلطان)،
فقد قدم الجن لأنهم أكثر قدرة من الإنس والله أعلم.
وقد أوردت كتب الأدب بعض أشعار الجن - إن صحت الرواية - والملاحظ أنها أقل بكثير في مستواها الفني من شعر الإنس، ولا توجد مقارنة أصلاً ، والأبيات التي نسبت إلى الجن تتنافى مع البلاغة والبيان،
فمما نسب إلى الجن:
وقبر حربٍ بمكان قفرٍ .... وليس قرب قبر حرب قبرُ
فالبيت السابق به عيوب بلاغية كثيرة منها: تنافر الحروف فلا تستطيع أن تكرر البيت عدة مرات دون أن تتلعثم، والإطناب الذي لا طائل منه ؛ فقد لت وعجن - كما يقولون - مع أن المعنى يمكنك أن توجزه في كلمتين .
فالشعر هو ما تشعر به النفس معتمدة على ثقافتها ومخزونها الشعري، وهو هبة من الله سبحانه يدعمها الشاعر بالحفظ والاطلاع لينمي هذه الموهبة .
وقد تجد من الشعراء من يقول إن لي صاحب من الجن يلهمني الشعر، وهذه طريقة سخيفة يستخدمها بعض الشعراء لتخويف خصومهم ، ولم يعلم ذلك الشاعر المسكين أنه ذم نفسه من حيث لا يدري ، فهو مجرد ناقل لما يوحيه له قرينه الجني، وهذه قمة السفه حيث إنه ينسب عصارة فكره للجن بكل سهولة.
فالقول بأن الشعر من الجن قول خاطئ ، ولو كان القول صحيحاً لكان الكهان أفصح الناس، ومن المعروف أن للكهان سجع، ولكنه من أخس أنواع السجع فهو سجع متكلف وليس له قيمة أدبية، لذلك عندما تكلف رجل السجع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب عليه فقال: ( أسجع كسجع الكهان ؟!)
ومن الظلم والإجحاف أن إبداعنا العربي الذي حبانا الله إياه دون سائر الناس ننسبه إلى الجن والشياطين ، وننسى الله سبحانه وتعالى الواهب المنان . وهذا الرأي رغم شيوعه عند العامة وغرابته إلا أنه لا دليل عليه .
وختاما هذه بعض الأسئلة أوجهها لمن يعتقدون أن إبداع الشعراء مصدره الجن :
1- لماذا تفاوتت العصور الأدبية فالشعر الجاهلي أجود من غيره.... وهكذا، وأين ذهب جني امرئ القيس بعد وفاته ألم يستطع شاعر بعده شراءه أو استئجاره؟! وقس على ذلك بقية الشعراء الجاهليين .
2- لماذا إذا قلت ثقافة العصر وضعفت لغته يضعف الشعر ويأتي الشعر ضعيفاً كعصره؟ ومثال ذلك؛ عصر انحدار الأدب وانحطاطه (عصر الدول المتتابعة) كان الشعر رديئا هزيلا، وألم يكن هناك جن متطوعون يلقنون الناس أشعارا جيدة في ذلك العصر؟!
3- كما هو معروف أن هناك منظومات في النحو والعروض والعقيدة وغير ذلك، فهل ابن مالك في ألفيته النحوية استعان بجني عنده علم في النحو لينظم له الألفية؟
4- لماذا تظهر سمة الرجل على شعره فالرجل الحكيم يظهر في شعره الحكمة، والعالم الشرعي نجد سمة علمه في شعره، ولماذا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سمع بيتاً لزهير ابن أبي سلمى فيه تقسيم لمفارق الحق قال: (لو كان حياً لوليته القضاء) فلماذا يقول لوليته القضاء؟، والشعر كما يقول البعض من وحي الجني، فلماذا يوليه القضاء وهذا الشعر ليس من عنده؟!.