امرأة يومًا شريك بن عبد الله قاضي الكوفة وهو في مجلس الحكم،
فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي! قال: من ظلمك؟ قالت:
الأمير (أمير الكوفة) موسى بن عيسى ابن عم أمير المؤمنين،
وقصت عليه شكاتها، في أنه انتزع منها بستانها بعد أن عرض
عليها بيعه فرفضت، فأرسل القاضي غلامه بكتاب منه يستدعيه
إلى مجلس القضاء، فاستدعى الأمير صاحب الشرطة وقال له:
امض إلى شريك وقل: يا سبحان الله ما رأيت أعجب من أمرك!
امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها عليَّ؟ فقال صاحب الشرطة
للأمير: إن رأى الأمير أن يعفيني من ذلك! فقال: امض ويلك!
فخرج وقال لغلمانه: اذهبوا وأدخلوا لي إلى حبس القاضي بساطًا وفراشًا
وما تدعو الحاجة إليه!! ثم مضى إلى شريك، فلما وقف بين يديه أدى
الرسالة فقال، القاضي لغلام المجلس:
خذ بيده (أي بيد رئيس الشرطة) فضعه
في الحبس! فقال صاحب الشرطة: والله قد علمت أنك
تحبسني فقدمت ما أحتاج
إليه إلى الحبس، وبلغ موسى بن عيسى الخبر، فوجه الحاجب إليه،
وقال له: رسول أدى رسالة، أي شيء عليه حتى تحبسه؟ فقال شريك: اذهبوا به إلى
رفيقه إلى الحبس فحبس! فلما صلى الأمير موسى العصر، بعث إلى جماعة من
وجوه الكوفة من أصدقاء القاضي وقال لهم: امضوا إلى القاضي وأبلغوه السلام
وأعلموه أنه استخف بي، وأني لست كالعامة، فمضوا إليه
وهو جالس في مسجده
بعد صلاة العصر، فأبلغه الرسالة، فلما انتهوا من كلامهم، قال: من ههنا
من فتيان الحي؟ فأجابه جماعة من الفتيان، فقال: ليأخذ كل واحد
منكم بيد رجل
فيذهب به إلى الحبس، ما أنتم إلا فتنة، وجزاؤكم الحبس! قالوا له: أجاد أنت؟
قال: حقًا حتى لا تعودوا برسالة ظالم، فحبسهم، فركب موسى
بن عيسى في الليل
إلى باب السجن، وفتح الباب وأخرجهم كلهم، فلما كان
الغد وجلس شريك للقضاء،
وجاءه السجان فأخبره، فكتب إلى الوالي كتابًا وقال لغلامه: الحق
بثقلي (متاعي) إلى بغداد،
والله ما طلبنا هذا الأمر منهم ولكن أكرهونا عليه، ولقد ضمنوا لنا
فيه الإعزاز إذا تقلدناه لهم! وخرج نحو قنطرة الكوفة إلى
بغداد، وبلغ الخبر
إلى موسى بن عيسى فركب في موكبه ولحقه وجعل يناشده الله ويقول:
يا أبا عبد الله! تثبت! انظر! إخوانك تحبسهم! دع أعواني!
قال: نعم لأنهم
مشو لك في امر لم يجز لهم المشي فيه، ولست ببارح أو يردوا
جميعًا إلى الحبس،
وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين المهدي فأستعفيه
مما قلدني، فأمر موسى بردهم جميعًا
إلى الحبس وهو واقف مكانه، حتى جاءه السجان فأخبره برجوعهم جميعًا إلى
السجن، فقال لأعوانه: خذوا بلجام دابته (أي الأمير) بين يدي إلى مجلس الحكم،
فمروا بين يديه حتى أدخل المسجد، وجلس في مجلس القضاء،
وجاءت المرأة المتظلمة وأجلسها مع الأمير بين يديه، فقال الأمير: أنا قد
حضرت، أولئك يخرجون من الحبس! فقال القاضي: أما الآن فنعم أخرجوهم من
الحبس ثم سأل عن شكوى المرأة فاعترف بها ورد إليها بستانها
وحقوقها، ثم قالت
للقاضي: بارك الله عليك وجزاك خيرًا، ثم قامت من مجلسه، فلما فرغ قام وأخذ
بيد الأمير وأجلسه في مجلسه وقال: السلام عليك أيها الأمير! أتأمر بشيء؟
فقال الأمير: أي شيء آخر؟ وضحك، فقال له شريك القاضي: أيها الأمير
ذاك الفعل حق الشرع، وهذا القول الآن حق الأدب!
فقام الأمير وانصرف إلى منزله وهو يقول: من عظم
أمر الله أذل الله له عظماء خلقه!
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغيناالعزة في غيره أذلنا الله