العودة   ::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها > المجالس الأدبية > مجلس الألوان الشعبـيــــــة
 

مجلس الألوان الشعبـيــــــة " الرجز والزهم والحدايا و الألغاز "

 
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 02-10-2006, 11:50 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلطان الندوي
ضيف
 
إحصائية العضو





اخر مواضيعي
 


افتراضي بدايات الرجز

وفي محاولة منا لقص أثار البدايات الأدبية في اللغة العربية ، يبدو أن السجع كان الصورة الأولى من التعبير الفني ، ومن الطبيعي أن يظهر على أيدي الكهان في المعابد الكثيرة التي انتشرت هنا وهناك إرواءً لعطش الإنسان العربي إلى الاتصال بالسماء ونيل الأمان من القوة الرهيبة التي تغير الفصول وتحيي وتميت ، وتضر وتنفع .

من هنا تقرب الكهان إلى عالم الجبروت والملكوت بجمل نمقوها إجلالاً له وهيبة وخوفاً وطمعاً كما يلبس الإنسان أحسن ما عنده عند لقاء السلطان أو عند زيارة الأخذان ليعبر عن الاحترام والتقدير والمحبة أو المهابة وما إلى ذلك ..

وهكذا سمعنا واحداً من كهان العرب يسجع ويقول :

( إذا طلع السرطان

استوى الزمان

وحضرت الأوطان

وتهات الجيران ) (1)

وقال آخر :

إذا طلع الدبران
توقدت الحزان

وكرهت النيران

يبست الغدران

ورمت بأنفسها ، حيث شاءت ، الصبيان ) (2)

ثم تطور هذا السجع ، ذو الجمل القصيرة ، التي لا تعنى بالوزن ولا الإيقاع ، إلى جمل متساوية ذات أوزان متماثلة أطلق على وحداتها كلمة ( شطر ) ، نسبة إلى ضرع الناقة فيما يبدو وتشبهاً به ، وعلى مجموعها مصطلح ( رجز ) .

وقد استمد العربي رجزه هذا من ناقته أيضاً تشبهاً بها بحالها ( إذا أصابها داء في أعجازها فتضطرب رجل البعير أو فخذاه ، إذا أراد القيام ) (3)

ولهذا فالناقة الرجزاء هي : المريضة بداء الرجز عندهم ، وقد وصفت بأنها ( إذا نهضت من مبركها لم تستقل إلى بعد نهضين أو ثلاث ) كما في لسان العرب لابن منظور ( مادة رجز ) . وهكذا فالجهد الذي تبذله الناقة المريضة في النهوض مرتين وثلاثاً ، حتى تقوم ، هو الإيقاع الذي نسج على منواله أول شكل من أشكال الشعر العربي الذي قام على أساس من الشطر الواحد لا البيت ذي الشطرين كما تطور الأمر فيما بعد .

وقد بقى الرجز على ما كان عليه ، كما فعل سجع الكهان ، وسمي الشعر الجديد ذو الشطرين بالقريض ، استمداداً من فصله نصفين كما يفعل المقراض بالأشياء . وتعبيراً من هذه الظاهرة سمعنا ربيعة بن ثابت بن لجأ الأسدي الأنصاري الرقي ( ت بين 198 و303هـ / 813-818م ) يقول ( رجزاً ) :

أرجزاً تريد أم قريضاً

أم هكذا بينهما تعريضاً

كليهما أجيد مستريضاً (4)

ومن نماذج الرجز الأولى التي تصلح مثلاً له ، وتستغرق شروطه وقول الراجز :

دع المطايا تنسم الجنوبا

إن لها لنبأً عجيباً
حنينها ، وما اشتكت لغوبا

يشهد أن قد فارقت حبيبا (5)

وللاحتجاج على أن الرجز شعر شعبي ذكر ابن وهب الكاتب ( أبو الحسن إسحق بن إبراهيم ، ت بعد 335هـ/ 947م ) أن ( الراجز الساقي الذي يسقي الماء ) (6) وأن الأصل في الراجيز وهي القطعة الشعرية من الرجز ( أن يرتجز بها الساقي على دلوه ، إذا مدها . ثم أخذت الشعرا فيه ، فلحق بالقصيد ) (7) ، أو لحق به القصيد كما ينبغي أن يقال . وبهذا يتبين أن الرجز شعر شعبي يقترن ترديده أو إنشاده ، أو الغناء به على الصحيح ، شغلاً للنفس عن مشقة العمل وتسلية لها من الهموم وشحناً لها بمزيد من الطاقة للاستمرار في ما هو فيه من جهد . ولأن هذا الحكم صحيح ، رفض واضعو العروض العربي ، فيما بعد ، أن يعدوا الرجز شعراً وقرنوه بالسجع من جديد (8) لكن ، إذا كان العرب ( يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به ) (9) لابد من عده شعراً شعبياً ، وقد دخل الشر من أوسع أبوابه ، فيما بعد ، واعترف به ، ورد إليه اعتباره فكان منه وإن كان بدائياً تلقائياً جملياً .

ومن تحصيل الحاصل الإشارة إلى أن الرجز كان ، فوق مصاحبته للإنسان العربي في خصوصيات حياته ، في بيته وعمله وسفره ، إطاراً للحماسة الحربية والفخر بالنفس أثناء القتال بخاصة والأمثلة على هذه الظاهرة مما لا داعي إلى إنفاق الوقت والحيز فيه .

وإذا استقر بنا هذا الوضع ، ساغ لنا أن نجعل الرجز منطلقاً للقول :

إن للأدب الشعبي فنوناً تختص به وتتضمن معانيه التي تتدفق بها شجون الحياة ، وينبض بها نبضها الذي يعد الدقائق والثواني والأيام ، ثم عد السنين والأجيال والقرون .

ومن هذه الفنون ما يصور الصلة الإنسانية بين الأم والطفل ، وهي صلة ، قد لا تعد من المواقف المهيبة الرهيبة ولا يوصف موضوعها بالجلالة والسمو ، لكنها ، بإنسانيتها وطبيعتها ، تعد بالمقياس الحاضر نفسه تجارب شعرية حقيقة لصدروها عن التجربة والإحساس لا عن الثقافة والتعلم والإنشاء .

من هنا فإن ترقيص الأطفال ، الذي يعبر عن هذه الصلة ويصورها شعراً ، إنما هو أدب شعبي أصيل يصدر من شغاف الأم وهي ترى ثمرة أحشائها بين يديها تخاطبها وتتمنى لها الأمنيات وتفخر بها وتدللها وترقصها حتى تطيب نومتها ولا عجب أن يكون الرجز هو الإيقاع الذي انصبت فيه هذه الأشعار ، أو فلنسمها الأغاني المرقصة ، فهو الوزن الأقدم للتعبير الشعري الذي يصلح للصلة القدمى بين الأم ووليدها ، وهو إيقاع أو وزن يحفل بالحركة والنشاط والسرعة والحماسة .

فمن هذه الأشعار ما يرقص بها الذكر ومنها ما ترقص بها الأنثى .

فمن نماذج الأولى قول أمنا التراثية :

يا حبذا ريح الولد
ريح الخزامي في البلد

أهكذا كل ولد
أم لوم يلد مثلي أحد (10)

وقالت أم أخرى ترقص بنتها :

ماذا علي أن تكون جارية

تمشط رأسي وتكون الفالية

وترفع الساقط من خماريه (11)

وما أجل هذا الرجز الصريح البسيط الصافي من الأكدار

ومن الأغراض التي تناولها الأدب الشعبي القديم ، ما رأينا من النصوص التي يرددها الكهان ، وكذا قصص الأبطال ووقائع الحروب وأحاديث السمار التي يراد بها ( الخرافات الموضوعة من حديث الليل ، أجروه على كل ما يكذبون من الأحاديث وعلى ما يستملح ويتعجب منه ) (12) ، وأطلقوا عليها اسم أحاديث خرافة (13) .

ومن الموضوعات التي طرقها الأدب الشعبي قصص المحبين العذريين الذين ماتوا حباً ، ومنهم ، المزقش الأكبر ( عوف ، أو عمرو ، بن سعد البكري ، ت نحو 75 ق.هـ / 550م ) ، وعمرو بن عجلان النهدي ( ت 46 ق.هـ / 566م ) . وتوبة بن الحمير العذري ( ت 30هـ / 650 ) ، وقيس بن ذريح الليثي ( ت 68هـ / 688م ) .

ومنهم المغناطيس الأكبر لجذب الأساطير والأشعار وتجميعها ، وخزانة المبالغة في العذاب ، ونعني به قيس بن الملوح العامري ( ت نحو 70 هـ / 690م ) وصاحبته ليلى اللذين عبرت أسطورتهما حدود الجنس العربي إلى الآداب الشرقية وحظيت بأكبر قالب جديد يسابق به الخيال ويضع لها تفصيلات تجوز المقدار لتثير العطف والعواطف ، وتجري بالدموع كالسيول على مثال العشق وإمام العاشقين قيس بن الملوح العلوي (14) .

ومن الموضوعات التي تدخل ضمن مصداق الأدب الشعبي القديم تلبيات مواكب الحجاج مواكب الحجاج إلى مكة والعابد الأخرى قبل الإسلام ، فلقد كانت ، كمواكب الاحتفال باستشهاد الحسين في العراق ، ومواكب الصوفية في مناسباتها في مصر وغيرها ، تعكس أدباً شعبياً فطرياً بسيطاً صافياً يعبر عن إيمان ساذج في إطار من السجع البسيط الذي يقترن بأشعار قصيرة من الرجز ، على العادة يومئذ . ومن قولهم :

قولهم :

لبيك اللهم لبيك
لبيك حقاً حقاً

تلبية ورقاً (15)

وقولهم :

عك إليك عانيه

عبادك اليمانيه

كيما تحج ثانية

على الشداد الضاحية (16)

وكان للزواج والطلاق آداب ونصوص ترسم العلاقات والتقاليد التي كانوا يرعونها ، كما يفعلون الآن ، ومن الآثار في هذا الشأن أن الخاطب إذا أتاهم قال ، كما تقتضي التقاليد نصاً :

( نحن أكفاؤكم ونظراؤكم ، فإن زوجتمونا فقد أصبنا رغبة وأصبتمونا ، وكنا لصهركم حامدين . وإن رددتمونا ، لعلة نعرفها ، رجعنا عاذرين ) (17) .

وإذا تم الزواج من قريب ، كان الأب والأخ يقولان للعروس ، بأمر العرف ونصه :

( أيسرت وأذكرت ولا آنثت ، جعل الله منك عدداً وعرا وجلداً ، أحسني خلقك ، وأكرمي زوجك ، وليكن طيبك الماء ) .

وإذا زوجت في غربة ، قيل لها :

( لا أيسرت ولا أذكرت فإنك تدنين البعداء ، وتلدين الأعداء ، أحسني خلقك ، وتحببي إلى أحمائك ، فإن لهم عليك عيناً ناظرة وأذناً سامعة ، وليكن طيبك الماء ) (18) .

وإذا بلغ بنا البحث هذا المدى ، نستحب أن نلفت الأنظار إلى ظاهرتين لغويتين أثارت فضولنا وحملتنا على أن نعدها إرثاً للأدب الشعبي ، ونعني بهما ظاهرتي الكناية والأمثال .

فالكناية هي ( أن تتكلم بالشيء وتريد به غيره ) (19) .

ويراد بها التعبير عن المعنى بألفاظه التي وضعت له أصلاً لسبب من الأسباب ، من تقريب به بالتشبيه ، ومن احترام ، وتحبب ، وتطير ، وتمن ومجاملة وما إلى ذلك . وهي طريقة لاشك لها شعبيتها خصوصاً وأن الأصل فيها فوق تقريب المعنى بالتشبيه عندنا ( عبارة ( = تعبير ) الإنسان عن الأفعال التي تستر عن العيون عادة .. تنزها عن إيرادها على جهتها ) (19) .

ويحدث ذلك طبيعة ، في بيت يجمع الأطفال والأضياف أو في مجلس يضم الكبير والصغير وأشتات الناس . من هنا عبروا عن الجمل بسفينة الصحراء ، اعتزازاً به ، وعبر القرآن عن الشرير بقوله : ( امرأ سوء ) ( 19 مريم 28 ) . ومنة الكنى التي لا شك في شعبيتها إطلاق ( أبي الأثقال ) على البغل ، و( أبي الأخبار ) على الهدهد ، و( إبن أيوب ) على الجمل وأم إحدى وعشرين ( فرخاً ) على الدجاجة و( أم الأموال ) على النعجة ، و( ابن الأتان ) على الجحش و( ابن أيام ) على الطفل الحديث الولادة ، وكذا على الناس وغيرهم ، و( أبي بصير ) على الأعمى ، و( أم البيت ) على الزوجة . (20) .

وقالوا ، من هذا القبيل أيضاً :

( الضلال بن التلال ) هو الذي لا يعرف هو ولا أبوه وقالوا في الخبز : ( بنات التنانير وأبو جابر ) ، والليل ( أبو جمع ) ، والجوع : ( أبو جهاد ) والسفينة : ( أم جامع ) والعقرب ( ابنة الجبل ) ، و( الطاووس ) : ( أبو الحسن ) ، والقلوب والأمعاء : ( بنات الحشا ) .

وكنوا عن الخمر بأم الخبائث ، وعن القلم بابن زنجية ، وعن النوم بأبي الراحة ، وعن الهموم والأفكار ببنات الصدر ، وعن الصائد بأبي العيال ، وعن الدموع ببنات العين ، وعن المسافرين والفقراء ببني غبراء ، وعن الأحلام ببنات الكرى ، وعن النساء ببنات النقرى لأنهن ينقرن أي يعبن ويفتشن عن العيوب .

وكنوا عن الثريد بأبي نافع وأبي رزين وعن الموت بأبي يحيى (22) . وقد استمرت هذه الظاهرة في المجتمع العربي حتى الآن .






رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل