رداد شبير الهذلي - مكة المكرمة
الأحد, 23 مايو 2010
ترى الود مخيما، والوجوه مبتسمة..
وفجأة تهب عاصفة على المجلس؛ فترتفع وتيرة الحوار تدريجيا..
ثم يتحول الحوار إلى جدال، فترى التوتر على كل طرف.
كل يصر على رأيه..
وكل يحاول أن يستجلب خيله ورجله لينتصر.
وكل يحاول أن يؤلب الحاضرين على خصمه،
وعادة تنتهي هذه المعركة الكلامية بالفرقة والتناحر.
كل هذه طبيعة أكثر الحوارات في مجالسنا؛
مما دفع البعض إلى عدم إبداء رأيه حتى لا يخسر الآخرين وأقرب المقربين إليه.
متى نتعلم ثقافة الحوار؟!..
فنحن في كل نقاش نردد: اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية،
ولكننا نرددها ولا نعمل بها.
أكثرنا يرى أنه يجب أن يكون الناس متفقين معه في كل شيء،
وآخر يرى أنه يجب أن يتفق الناس على كل شيء..
ألا يعلمون أن الاختلاف ظاهرة إيجابية،
فلو كان الناس كلهم نسخا مكررة لأصبح الفكر جامدا..
والحديث مكررا،
فبالاختلاف تتلاقح الأفكار،
ولكن مشكلتنا عدم معرفة ثقافة الاختلاف.
وإن البعض ليرى أن الفجور في الخصومة وعدم الرجوع عن رأيه من الرجولة، فلا يتخلى عن رأيه مهما كان خطؤه،
ومبدؤه : (رأيي صواب لا يحتمل الخطأ.. ورأي خصمي خطأ لا يحتمل الصواب)..
ولا أدري هل العرب الحاليين ليس لديهم ثقافة الحوار أم أن طبيعتهم النفسية لها دور في ذلك؛
لذلك ترى كثيرا من البرامج الحوارية تستمد وقودها من المصارعات الحوارية بين الضيوف.
وهذه البرامج قد رسخت الثقافة القتالية في الحوار عند بعض الناس، واتخذت هذه السمة مطية للجماهيرية.
ومن الطريف أن مذيع إحدى البرامج الحوارية المشهورة في إحدى القنوات وهو على قدر عالٍ من استثارة الضيفين ولديه عدة عبارات عندما يجد ضيفه هادئا مثل :
(الوقت يداهمنا) وقصده من ذلك أن يسرع التحاور في كلامه وبالتالي ترتفع حدة الحوار،
وكذلك المقاطعة بقوله (بس دقيقة) وهدفه من ذلك استثارة غضب الضيف وبالتالي تشتعل الحلقة،
فهذا الرجل استضاف مفكرين مختلفي التوجه وحاول أن يجعلهما مادة دسمة لحلقته،
ولكن الأمر كان عكس ما يتوقع فأخذ يمارس هوايته في ( رفع الضغط ) ولكنه فشل فشلا ذريعاً،
وكان الضيفان على قدر عال من احترام الرأي، فتخيلوا وجه ذلك المذيع وقد اجتمعت فيه ألوان الطيف وقد ظهر ندمه على اختيار هذين الضيفين .
لفتة: يقول الإمام الشافعي: «ما جادلت أحدا إلا وودت أن يظهر الله الحجة على لسانه».