قديم 09-19-2008, 09:37 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية مـسـك
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

مـسـك غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رمـــاد عــادت به ســاره




- أبو الولد .. زوجك موجود ..؟

- متوفى ..

- اذهبي .. واتركي تلفونك ، وأنا أتصل فيك .

غامت الدنيا في عينيها .. وشعرت باختناق . أطبقت كفها على يد أصغر الأطفال ، وسحبته متجهة نحو الباب ، دون أن تقول شيئاً .
.
- ما تبغين تتركين تلفونك ..؟

لم ترد عليه .. كانت مختنقة .. محبطة ،حزينة . قبل أن تضع قدمها خارج المكتب ، لمحت لوحة معلقة على الحائط المقابل ..

قد إزدانت بآية كريمة :

الذين آمنوا ، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .

لا تدري ما علاقة الآية بالسجن ..! ربما لشعور السجان أنه يحقق أمناً ،

باحتجازه مراهقاً خلف القضبان لعدة أشهر ، لأن ( فضيلة ) القاضي يؤجل موضوعه .. شهراً بعد آخر ..!

أجل الشيخ الجلسة .. لم يجلس الشيخ . عبارات كانت تنغرس في وجدانها ، كالحسك في عين عزلاء ..

ليس إلا الدمع ، ماء ينسكب .. ويستل النور والحياة .

لم تقف في تفكيرها طويلاً .. عند الهدف من كتابة هذه الآية ، وتعليقها في لوحة ، في مكتب سجان .

تذكرت أنها كانت قد رأت شيئاً ( مشابهاً ) ..

عبارة مكتوبة على مكتب أحد الجنود.. خَطّها هو ، أو ربما أحد زملائه .. تقول : ( العدل أساس الملك .. صدق الله العظيم ) .. !

حين اجتازت البوابة الرئيسية .. إلى الشارع ، كانت الشمس تقترب من وسط السماء . شديدة التوهج .. شديدة الحرارة .

حزم من أشعتها تقع على زجاج السيارات العابرة بســرعة ، فتحدث وميضاً ، يشل قدرتها على الإبصار للحظات .. فيزيدها توتراً .

مرّ وقت ، ولم تأت أي سيارة أجرة ، من سيارات ( الليموزين ) .. التي عادةً ما تمتليء بها الشوارع . موقع السجن ناء .. حتى عن أطراف المدينة ،

ومن النادر أن ترتاده سيارات الأجرة . صهرتها الشمس ، وانكمش الأطفال من الحر، فلاذ بعضهم بها . وهج الشمس أجبرهم أن يمدوا سواعدهم

الصغيرة النحيلة ، بمحاذاة أعينهم ، وأن يغمضوا إلى أقصى حد يستطيعوه، ليتقوا الضوء الشديد . أصحاب السيارات المارة ، توقف بعضهم ،

وعرضوا عليها المساعدة . لم تشأ أن تستجيب لأي عرض ، رغم وطأة حرارة الشمس . لا تستطيع أن تميز مَن مِن هؤلاء الرجال ،

يريد أن يساعدها حقاً .
تتذكر بكثير من الأسى حديث أمها عن قريتهم ، وحال الرجال والنساء ، يعملون جنباً إلى جنب .. في الحقول والمراعي .

كانت ليلة رعب حقيقية ، يوم عادت هي وإياها .. وزوجة جارهم ، من المسجد المجاور لمنزلهم ، بعد صلاة التراويح . في الشارع المعتم قليلاً ،

حاصرهن أحد الأشخاص ، وحاول التعرض لهن . عندما أفاقت الأم من صـــدمة الـمـــــوقف .. فيما بعد ،

ظلت تردد : لا .. ما هذي بديرتنا .. ما هذي بديرتنا .. !

ثم انطلقت تحكي قصصاً كالأحلام ، عن مجتمع كان .. تعطر بالبراءة ..!

الانتظار ممض ، تحت أشعة شمس ، تضج من حرّها الحجارة الصماء . لم تكن حرارة الشمس هو ما تشكو ،

بقدر ما يفت كبدها الغبن والظلم ، الذي تحس ناره تتسعر في أحشائها .. وهي تتسول حقاً لها ، وتتعرض من أجله .. للابتزاز .

كان التساؤل يتضخم في ذهنها ، ويتمدد مثل ورم سرطاني :

إذا كان قدر امرأة في مجتمعها ، أن تجد نفسها بلا ( رجل ) .. لماذا يلجئونها إلى أوضاع مهينة كهذه ؟ هل قدرها إذا فقدت الرجل ، أن تفقد

الاحساس بالأمان .. وأن تفقد الكرامة ، والتعامل الكريم ، الــــــــــــذي يحـــــــــمل عنـــــها بعض آلام ( الفـــــقد ) .. وما يخلفه من شعور بالعجز .. ؟ ! .

قررت أن تسير على قدميها . المسير .. حتى ولو طال ، يظل أرحم لامرأة .. من الانتظار تحت شمس حارة ، على قارعة طريق .. أمام سجن ..!

سارت غير بعيد ، فبدأ الأطفال يتعثرون تعباً.. وعطشاً ، وهي .. قد امتلأت قنوطاً ..

لا معنى للوقوف والانتظار .. كانت تصرخ فيهم .

توقفت إلى جانب الطريق سيارة ، ونزلت منها امرأة .. وقصدتها :

- نوصلكم .. يا أختي ..؟
اطمأنت لوجود المرأة ، لكنها لم ترد بسرعة على عرضها. الشمس .. والأطفال العطـــــشى ، الـــذين هدّهم الإعياء ، لم يدع لها مجالاً للرفض ..

فردّت بتردد :

- جزاك الله خيراً .. لكن بيتنا بعيد ..!

- لا يهم ..
- أخشى أن

- لا .. لا يوجد أي مشكلة .
.
جلست في المقعد الخلفي ، وتراص الأطفال حولها .

كانت حريصة ألا يقوموا بأي عبث في السيارة . فهي مرّة .. تسحب يد هذا من زر قفل الباب ،

وتارةً تمنع يدالآخر من أن تمتد لزر زجاج النافذة . بين سحب يــد هذا .. ومــنع ذاك ، كانــت كذلك ،

تسعى للسيطرة على أصواتهم وحركاتهم :

( اجلس .. لا ترفعي صوتك .. عيب .. أزعل عليك ) .

سلسلة من الأوامر والتوجيهات ، تتخللها ( قرصة ) أو ( ضربة ) ..!

الصمت الذي التزم به سائق السيارة ، والمرأة التي معه ، جعل مسموعاً .. ما يصدر منها ، من توجيهات وأوامر لأولادها .

. وكذلك احتجاجاتهم على العقوبات ، التي توقعها بهم ، بسبب حركتهم الزائدة . شعرت بالحرج بسبب ذلك، لكنها لم تكن قادرة ،

أن تترك الأطفال وشأنهم ، يزعجون الرجل ، وربما يتلفون شيئاً في سيارته .

كأنما بلغ بها التعب أشده .. أو أحست بالاحباط ، فانخرطت في بكاء .. يسمع له نشيج .

كانت قد نهضت هذا الصباح، وأيقظت الأطفال في ساعة

مبكرة . أوصلت البنت الكبرى ، التي تدرس في المرحلة المتوسطة ،إلى مدرستها ،

وأعطتها مفتاح المنزل .. تخشى أن تتأخر عن موعد خروجها من المدرسة

، فتضطر البنت للــــبقاء في الشارع . في كل مرّات قدومها إلى هذا المكان ، لم تحضرها إلا مرّة واحدة .

يومها .. انتهبتها الأعين الجائعة . لقد صادف في تلك المرّة أنها لم تلبس جوارب ، وحينما نزلت من السيارة ، انكشفت ساقها .

لاحظت أن عشرات الأعين لجنود ومراجعين ، كانت متسمرة على باب السيارة ، تنتظر لحظة نزولها ، وانكشاف ساقهــــــــــــــا ..

مثـــــل ( كاميرات ) ترصد حدثاً .. وتتأهب لوقوعه .

اتسعت الأحداق ،عند نزول البنت ، وارتفاع ثوبها .. لتستوعب المشهد . ثم حين استوت الفتاة على قدميها

، وأصلحت من وضعها ، وسارت لتلتحق بأمها وإخوانها .. استدارت العيون ، وتحركت الرؤوس .. لـ ( اصطياد ) مزيد من التفاصيل ..!

تلاحظ هذا السلوك كثيراً .. حيثما تذهب . فما أن تهم امرأة بالنزول من سيارة ، حتى تتجه نحوها الأنظار ..

وتتسمر عيون بعض الرجال على باب السيارة . يجري هذا مــعها هي .. ومع الأخريات .

لم يحدث في أي مشوار سارته بالسيارة ، أن نجت من نظرات فضولي يتلصص عليها ، أو على نساء غيرها .. في السيارات التي بجانبها .


في ثرثرة مع إحدى الزميلات .. كان التساؤل ملحاً :

لماذا بعض الرجال في مجتمعنا مهووسون .. جائعون جنسياً ؟ لماذا الافتراض أن ( كل ) امرأة ، تمشي في الشارع

، أو تقف على جانب الطريق ، أو حتى تتحدث على الهاتف .. لحاجة لها، هي هدف جنسي .. بالضرورة .. ؟ !

بكاؤها أثار انتباه الرجل والمرأة ، فتهامسا قليلاً . التفتت المرأة بعدها .. وقالت :

- فيه شيء .. يا أختي ..؟

أحست بالحرج ، وحاولت التوقف عن البكاء .. ولم ترد .

- نقدر نساعدك بشيء .. ؟

- ما تقصّرون .. !

- زوجي يقول أنه ثالث مرّة يشوفك هنا .. لحالك ، عند بوابة السجن .

- سلامات .. عسى ما شر ..؟!

- ولدي مسجون .. وصار لي مدة ما شفته ..!

- شدة .. وتزول ، إن شاء الله . لكن .. صعب المرأة تأتي لوحدها ، لمثل هــــــذه الأماكن ..!

- زوجي متوفى .. وجماعتي مشغولون..!

كأنما ذكر زوجها .. وحالة الإحباط التي تعيشها ، وانتقاد المرأة المبطن .. لحضورها لهذا المكان ، فتق جرحها وأيقظ حزنها .

. وأثار في ذهنها خاطر :

أكانت ستأتي .. لو كان هناك ( ترتيباً ) يصون حياءها ، ويحفظ كرامتها .. ؟ .. فعاودت البكاء ثانية .

عادت المرأة للتهامس مع الرجل مرّة أخرى ،ولمدة أطول، ثم التفتت إليها .. وقالت بلهجة لا تخلو من أسى :

- آسفة .. أنا لم أقصد .. لكني أشفقت عليك من التردد على هذا المكان ، وما يمكن أن تتعرض له امرأة مثلك ،

وكذلك .. رحمت هؤلاء الأطفال ..

- أنا أعيش ذلاً ، وأخضع لابتزاز .. في كل مـــرّة أجيء فيـها .. من أجـــــل أن أرى ابني .. !

- الله يكون في عونك .. سنحاول مساعدتك قدر استطاعتـنا ..

خيـــم صـمت على الجميع . بعد أن ساروا مسافة ، قطع الرجل الصمت ، بحـــــــديث خافت ،كان يتبادله مع المرأة..

توجهت المرأة بعده ، بالحديث إليها :

- زوجي ضابط في إدارة السجون ، وهو يسال إن كان بالإمكان أن تزودينا ببعض المعلومات .. لنستطيع مساعدتك .

- معلومات .. مثل ماذا .. ؟

- اسم الولد .. وقضيته .. ورقم هاتفك ليتم الاتصال بك ..

- من يتصل بي .. ؟ !

- زوجي .. أو أحد من الإدارة ..

- لا .. أرجوك . لا أريد أن يتصل بي أحد .. لقد أعطيت رقمي لأحدهم .. فكان يتصل في ساعات متأخرة من الليل .

. بدعوى أنه يريد أن يسهل لي زيارة ابني ..!

- زوجي رجل صالح وشريف .. ولا ..

- عفواً .. أنا لا أتهم زوجك . لكني لا أريد أن يتصل بي أحد .. وأفضل أن يكون الاتصال بيني وبينك ..!

- معك حق .. لا تلامين ..! هل يمكن أن نعرف اسم الولد .. وقضيته ؟

- الولد اسمه منصور الناجي .. قضيته مضاربة ..!

- أنا جواهر .. أم عمر . إذا اتصلت .. أقول أم منصور ..؟

- نعم .. سارة .. أم منصور . جزاكم الله خيرا .. وصلنا ، هذا البيت .. الثالث على اليمين .


بعد أن نزلت سارة وأطفالها ، استدارت السيارة متجهة نحو الطريق العام . عند الإشارة ..

كان هناك أطفال يبيعون مناديل وماء .. بعضهم حفاة ..

- مسكينة .. تكسر الخاطر ..!

- من .. ؟ !

- المرأة ..!

- صحيح ..

كان ساهياً .. ينظر إلى الأطفال ، الذين لفحت الشمس قسماتهم الغضة ، وتيبس العرق على أطراف جباههم .

في الجريدة .. اليوم ، قرأ لرئيس التحرير.. في عموده اليومي ، حملة ضد هؤلاء الأطفال ، الذين سماهم أطفال الشوارع ،

وذكر أنهم يشوهون الوجــــه ( الحضاري ) للمجتمع ، ويقدمون صورة سلبية عن الوطن .

قبل أسابيع زار مقر الصحيفة، ضمن وفد من الإدارة التي يعمل بها . استقبلهم رئيس التحرير ، وكان في وداعهم أيضاً . كان لطيفاً .

. حسب تعبير الزملاء ، فحينما صحبهم إلى الخارج ليودعهم ، قصد سيارته المرسيدس (600 ) ، فتحها وأحضر مجموعة هدايا ،

أطقم أقلام .. ووزعها عليهم . الزميل الذي بجانبه ، أسره المشهد الأخّاذ للسيارة الفارهة ..

والطريقة الباذخة ، التي تنفتح فيها الأبواب .. وتغلق ، فمال عليه هامساً :

- السيارة روعة .. تصدّق إن سعرها نصف مليون ريال .. فقط .. ؟!

مشهد رئيس التحرير ، بحذائه الإيطالي ذي الألف ريال ، يختال في الممرات الرخامية لمبنى صحيفتة

،وسيارته ذات النصف مليون ريال ، يقف صارخاً أمام منظر الطــــفل حافياً .. جفت شفتاه ،يمد ساعده النحيل ، بزجاجة ماء ، قيمتها ريال .

بين المشهدين يتمدد مقال عن الوطنية ، يشتمل على حملة ضد أطفال ، لم يأتوا من الفضاء .. وإنما ( نبتوا ) على أرصفة شوارع الوطن ..!

بين المشهدين ســـيارة بنصف ملـــيون ريال، وقدم صغيرة حافية .. وأفواه جائعة ، يتــــربص بهـــا رئيس تحرير ..

يرفل بــ ( وطـنية ) وطن .. لم يمش يوماً على أرصــــفته .. ولم تلفـحه شمسه .. !

يذكر أن الصحيفة ، أعدت العام الماضي ملحقاً جميلاً عن السياحة ( الوطنية ) ، وتعرضت إلى ما تؤدي إليه السياحة في الخارج ،

من هدر للمال الوطني ، يعد بمليارات الريالات . حينما صدر الملحق ، كان رئيس التحرير ، حسب خبر نشرته الصحيفة ،

يستقبل في مقر إقامته الصيفي في جنيف ، وفداً أوروبياً ، للتعريف بالــثقافة الوطنية .

- هذا المنافق ..!

قالها .. وهو يمد ورقة النقود للطفل ، ويتناول منه زجاجة الماء .. ثم يدفع الصحيفة جانباً .. بغيظ ، ليضع زجاجة الماء مكانها .

عرفت أنه يقصده . لأنه منذ عاد من زيارته تلك .. إلى الجريدة ، وهو لا يســميه إلاّ كذلك : كتب المنافق .. قال المنافق..! التقطت الصحيفة ،

وفتحتها على الصفحة التي ينــشر فيها عموده اليومي . وجدت المقال الذي استثاره : وطنٌ جميل بـــدون أطفـــال شوارع ..! .

حينما ناقشته مرّة .. عن سبب نقمته عليه ، قال : هذا وأمثاله ، هم أصل الـبلاء . لا ينشرون ، ولا يكتبون ..

إلاً ما يرضي المسؤول الفاسد .. الذي يضــــــمن لهم البقاء . يلمعون ( اللصوص ) ، ليأكلوا من فتات موائدهم .. ما علاقة هؤلاء بالوطن ..؟! .

حين فرغت من قراءة المقال .. أدارت رأسها تجاهه :

- صاحبك مرّة أخرى ..!

- هل يكتب هذا التافه .. عن حال هذه البائسة.. أو يحس بهؤلاء الجياع ،الذين يتناثرون على الأرصفة

يـــتـــبع









رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل