الوقت من ذهب
ول خصائص الوقت: أنه أنفس نعمة وأعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على الإنسان، فتراه أرخص ما يكون عند الجهال، وتراه أغلى ما يكون عند العلماء والعقلاء. وقيمة الوقت قضية تحتاج إلى أن ترضع للأطفال مع لبن الأمهات ..
فلو تأملنا قليلا لحظة الاحتضار حينما يحتضر الإنسان وتخرج روحه ..حينئذ ما من إنسان يأتيه ملك الموت إلا ويود لو أنه يمهل ولو قليلاً حتى يتزود من العمل الصالح، يقول الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9-11].
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: ( يا ابن آدم! إنما أنت أيام ... ) أي: لست جسداً قوياً، ولست مالاً، لكنك تساوي أيام، أي: تساوي زمناً وأوقاتاً.. إشارة إلى قصر العمر، وأنه سرعان ما يمر. (يا ابن آدم! إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك) كل يوم ينقص منك، ويقل حظك من الدنيا، ومن هنا فلنا أن نرثي لحال هؤلاء القوم الذين يحتفلون كلما مرت بهم سنة بما يسمى بدعة عيد الميلاد، لا يمكن لمؤمن يؤمن بالقضاء والقدر أن يسمي عيد الميلاد عيداً فضلاً عن أن يحتفل به بالطريقة المعهودة المشابهة لطريقة المشركين؛ لأن المؤمن يصدق بأنه حينما كان جنيناً في بطن أمه، وبعد أن مر عليه في بطن أمه عشرون ومائة يوم يأتيه الملك، فيؤمر بكتب أربع كلمات، منها رزقه و أجله. فلكل نفس أجل مقدور عند الله سبحانه وتعالى منذ الأزل، وكل إنسان له كمية من الأيام، وكمية من العمر، وكل إنسان له رزق مقسوم من هذه الحياة، وكلما امتد العمر كلما نقصت هذه الكمية التي أحصاها الله سبحانه وتعالى من الأنفاس، ولا ندري نحن بحقيقتها. فأنت بتقدم السنوات تزداد اقتراباً من القبر، فكلما مضى يوم كلما ذهب بعض منك، وكلما نقص عمرك كلما زاد اقترابك من حفرتك. سمعنا كلام الحسن البصري رحمه الله تعالى الذي عاصر كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم، وقد قال فيه بعض السلف: ذلك الرجل الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء! مع أنه من التابعين، لكنه آتاه الله الحكمة. قال الحسن : أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على درهمه! كانوا يبخلون بالوقت أكثر مما يبخلون بالدرهم والدينار؛ لأن العمر إذا ضاع فات ولن يعوض، والدرهم إذا ارتحل يوماً يمكن أن تعوضه في يوم آخر!! وكان الوزير ابن هبيرة -وهو شيخ الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى- يقول: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيعُ إذاً: أول خصيصة من خصائص الوقت: أنه من أعظم النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على الإنسان؛ لأن الوقت هو الحياة.
فيما يسمى بجلسات الدردشة أرى كثيرا من المسلمين اليوم يقضون وقت فراغهم في هذه الأشياء التي تسمى تسالي، هذه الأشياء عدوة الذكر وعدوة العلم، لكننا نستسهلها لأننا نعيش في فراغ، ولو أن الإنسان قرأ في جلوسه آية من القرآن لكان خيراً له، فالحرف الواحد بعشر حسنات. إذاً: هذا عمى في البصيرة، وقلة تفكر، ومن كان هذا حاله فإنه لا يفقه ولا يعقل، أو الذي يضيع الساعات الطوال في سهرات أمام التلفزيون، ويقول لك: نقتل الوقت؟! وكذلك: الولائم .. الدعوات .. السياحة .. السفر .. كل هذه الأشياء يقتلون بها الوقت!! وما يقتلون إلا أنفسهم وما يشعرون!
يقول بعض السلف: شتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوام أحياء تموت القلوب برؤيتهم. فهناك قوم موتى قد دفنوا في التراب: من الصحابة .. من العلماء .. من السلف رضي الله عنهم، إذا ذُكروا تحيا القلوب بذكرهم وهم أموات!! وقوم أحياء تموت القلوب بمخالطتهم. فمجالس الدردشة، والتسلية، والفكاهات، والنوادر، والمسرحيات، وغيرها؛ كل هذه الأشياء من الخسران، فما بالك إذا انضم إليها الفساد، والفسق، والعصيان؟!
|