رد: شــعـــراء هـــذيــل ..و.. عــلـم الـنــفس
أخي العزيز وأديبنا المبدع شكرا من القلب على هذا المبحث الأدبي الممتع ، وشكرا على هذا الجهد الدءوب ، والهمة العالية ، وشكرا على الاهتمام والغوص في سِفر الهذليين التليد ؛ لتعود محملا بالدرر النفيسة ، واللآلي النادرة ، وما هذا المبحث الذي يتحدث عن البعد النفسي في الشعر الهذلي إلا جوهرة من جواهر كثيرة لدى فارس الصحراء والتي أعلم يقينا وبعد جلسة أدبية "مركزة" معه في منزله العامر ؛ بأن لديه الكثير والكثير لقبيلته من البحوث والأفكار التي أسال الله أن ييسر له الوقت ليقدمها لمحبيه غضة طرية ، وأن نرى شبابنا بهذ الهمة وبهذا الشموخ الهذلي الأصيل ..
وكما قدم أخي العزيز جوانبا مهمة للبعد النفسي الشعري الهذلي في نماذج شعرية منتقاة بعناية ، أتقن الشاعر
الهذلي فيها رسم اللوحة النفسية من عدة زوايا ، بعيدا عن التصوير التجسيمي للشخصيات والصور ..
ومن ذلك قول قيس بن العيزارة الهذلي :
يا حادِ إني يا ابن أم عميد :: كمد كأني في الفؤاد لهيد
والله يشفي ذات نفسي حاجم :: أبداً ولا هما إخال لدود
بأبيك صاحبك الذي لم تلقه :: بعد المواسم واللقاء بعيد
فهذه الأبيات بداية مرثية الشاعر لأخيه الحارث بن خويلد وبدأها بهذه المقدمة المريرة التي ذكر فيها حالته النفسية بعد فقد أخيه وأنه كمد حزين ، لا علاج له ، ولا مخرج من حزنه وأساه .. واستخدامه لكلمات ذات عمق نفسي مثل :
عميد : موجع ، لهيد : من اعتصره الحِمل حتى انفسخ لحمه ، لدود :الدواء في احدى شقي الغم.
وكذلك نجد البعد والجانب النفسي في قصيدة ساعدة بن جؤية في مقدمة إحدى قصائده وعلى مدى سبعة أبيات "المقدمة"
يا ليت شعري ألا منجى من الهرم :: أم هل على العيش بعد الشيب من ندم
والشيب داء نجيس لا دواء له :: للمرء كان صحيحاً صائب القحم
وسنان ليس بقاض نومة أبداً :: لولا غداة يسير الناس لم يقم
في منكبيه وفي الأصلاب واهنة :: وفي مفاصله غمز من العسم
إن تأته في نهار الصيف لا تره :: إلا يجمّع ما يصلى من الحجم
حتى يقال وراء البيت منتبذاً :: قم لا أبا لك سار الناس فاحتزم
فقد ترعد كفاه بمحجنه :: قد عاد رهبا رذيا طائش القدم
فالشاعر هنا وضح ما يعتمل نفسه من قلق وتفكير وتأمل وتخوف وحذر و ..... من مرحلة المشيب
والوهن والضعف ؛ وما يصاحب ذلك من أمراض وعلل ، والآم في العظام والمفاصل ، ويبدو أن النظرة السوداوية
قد غلبت على نفسية الشاعر ، واستشرافه للمستقبل ..
كما أود أن أشير إلى أن الصور الاجتماعية ، والقصص الواردة في ديوان الهذليين كقصص أبي ذؤيب : "جون السراة" ، "الثور" ، قصة الفارس" ، "قصة أم عمرو" ، وقصص ساعد بن جؤية ، وأسامة بن الحارث ، وأمية بن أبي عائذ ، وقصص أبي كبير .. تحتوي على جوانب نفسية متعددة تستحق الدراسة والتأمل ..
وفي الختام أود التنويه أن ما أوردته لنا أخي العزيز يحتوي على زوايا لم يتم التطرق إليها سابقا ،
مشيرا إلى أن ما أوردته في تعليقي على مبحثكم القيم بغرض تسليط الضوء على جوانب قد تكون لها علاقة بما طرحتموه من رؤى ؛ من زاوية ثانوية.
تقبل مروري وتقديري لشخصك النبيل ، وطرحك الهادف.
آخر تعديل حامد السالمي يوم 06-14-2009 في 09:10 AM.
|