كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناءاً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
الحديث أخرجه الإمام مسلم ونصه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت افتقدت النبي ذات ليلة، فتحسست فإذا هو راكع أو ساجد يقول: ( سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت )، وفي رواية: فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءاً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ).
قال ابن القيم تعليقاً على هذا الحديث: " فاستعذ به منه، وفر منه إليه، واجعل لجأك منه إليه، فالأمر كله له، لا يملك أحد معه منه شيئا، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا يضر سم ولا سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه ومشيئته، يصيب بذلك من يشاء ويصرفه عمن يشاء.
فأعرفُ الخلقِ به وأقواهم بتوحيده من قال في دعائه: " وأعوذ بك منك " فليس للخلق معاذ سواه، ولا مستعاذ منه إلا وهو ربه وخالقه ومليكه وتحت قهره وسلطانه.
ثم ختم الدعاء بقوله: " لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " اعترافا بأن شأنه وعظمته ونعوت كماله وصفاته أعظم وأجل من أن يحصيها أحد من الخلق، أو بلغ أحد حقيقة الثناء عليه غيره سبحانه، فهو توحيد في الأسماء والصفات والنعوت، وذاك توحيد في العبودية والتأله وإفراده تعالى بالخوف والرجاء والاستعاذة ".
( اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ) "اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكْنُفْني بركنك الذي لا يُرام، لا أهْلِكُ وأنت رجائي، رب ! كم من نعمة أنعمت بها عليَّ قلَّ لك عندها شكري، ... "
" اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكْنُفْني بركنك الذي لا يُرام، لا أهْلِكُ وأنت رجائي، رب ! كم من نعمة أنعمت بها عليَّ قلَّ لك عندها شكري، وكم من بَليَّة ابتليتني بها قلَّ لك عندها صبري، فيا من قلَّ عند نعمته شكري ولم يحرمني، ويا من قلَّ عند بَليَّته صبري فلم يخذلني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبداً، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً، أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيماغبت عنه، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
ينسب هذا الدعاء إلى جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ، وهو جعفر الصادق، شيخ بني هاشم في زمنه، وكان يبغض الرافضة ـ قبحهم الله ـ وهو بريء من اختلاقاتهم ونسبتهم إليه براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب ـ عليهما السلام ـ، وكان ـ رحمه الله ـ من أوعية العلم وأهل الديانة والورع.
علامة الصادق: إذا نظر اعتبر، وإذا صَمَتَ تفكَّر، وإذا تكلم ذَكَر، وإذا مُنِعَ صبر، وإذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلى استرجع، وإذا جُهل عليه حلُم، وإذا عَلِم تواضع، وإذا علَّمَ رَفَق، وإذا سُئل بَذَل، يحسبه الجاهلُ صِمّيْتاً عَيِيا وحكمتُهُ أصمتتهُ، ويحسبُهُ الأحمقُ مِهذاراً والنصيحة لله أنطقته، ويحسبهُ الجاهل غنياً، والتعفَّف أغناه، ويحسبه فقيراً والتواضعُ أدناه، لا يتعرض لما لا يَعنيه، ولا يَتَكلف فوق ما لا يكفيه، ولا يأخذُ ما ليس بمُحتاج إليه، ولا يدعُ ما وكّل بحفظه الناس منه في راحة، وهو من نفسه في تعب، قد أمات بالورعِ حِرصهُ، وحسم بالتقى طَمَعَهُ وأمات بنور العلم شهواته.