استغاثة عاصي .. بقلم أنا من تراب

[frame="5 80"]استغاثة عاصي

في مساء كل ليلة أضع رأسي على الوسادة وأبدأ في محاسبة نفسي .. حساب عسير عن ما فعلته طوال هذا اليوم الذي يوشك على الرحيل ... أوشك أن يذهب دون رجعة ولن يستطع أي مخلوق مهما توصلت البشرية من تقدم في العلوم أن يعيدوا ثانية واحدة تذهب ... حاسبت نفسي .. ويالهول ما اكتشفت .. اكتشفت أن كفة سيئاتي في الميزان زادت بطريقة لا توصف .. وكفة ميزان حسناتي بريقها واضح من كثرة اللمعان .. فهي خالية .. تنتظر .. بدأت حساب نفسي من بداية هذا اليوم الذي عزم على الرحيل بلا عودة.

قلقت من نومي في بدايات هذا اليوم بين الواحدة صباحاً والثانية .. وخاصمني النوم قليلاً حتى ذهب بلا رجعة ... فبدأ صراع عجيب في داخلي بين ثلاثة أمور .. الأمر الأول منهم ذهب بلا رجعة ، ألا وهو محاولة معاودة النوم ... ولم يتبقى إلا أمران دار حولهما صراع كل ليلة .. صراع الحق والباطل .. فكرت أن تكون تلك اللحظة بداية صفحة جديدة بيني وبين الخالق سبحانه وتعالى .. وأخذت أحث نفسي على الفرار إلى الله بكل خشوع وذل وبكاء العاصي التائب العائد إلى الله راجياً عفوه ومغفرته ... لعل الله يرحمني ويخفف جبل السيئات هذا .. وأبدأ أنا في ملئ كفة الحسنات .. ذكرت نفسي بآيات قرآنية عديدة أعرفها من كثرة سماعي لها (للأسف أسمع وأعرف وأعي .. ولا أعمل) ويالها من كارثة ... ذكرت نفسي بآيات العذاب والوعيد الرهيبة التي لو سمعها الجبل لخر صعقاً من خشية الله ... والغرابة أني لا أذكر آيات الجنة والنعيم المقيت (لماذا .. لا أدري) فيبدو أن نفسي الضعيفة بدت مقتنعة تمام الاقتناع أن مثل هذا النعيم ليس لمن هو شأنه كذلك .. وأنني مهما فعلت فلن يرضى الله عني ولن يقبل عودتي إليه ..

وأخذت أذكر نفسي بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم العديدة التي تحث على التوبة والرجوع إلى الله ... وحاله صلى الله عليه وسلم .. كيف كان يصلي طوال الليل حتى تتورم قدماه وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها سألته ألم يغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .. فقال لها بابي هو وأمي صلى الله عليه وسلم يا عائشة ، أفلا أكون عبداً شكوراً.

وأخذت أذكر نفسي .. وأذكرها .. وأذكرها بكل ما هو كفيل بتحريك الصخر والفرار إلى الله .. ليس بأقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. بل وبحال الصحابة الكرام أئمة الهدى ومصابيح الدجى البررة الأطهار .... يا الله ... أخذت أحث نفسي .. وأنادي عليها هيا .. قم .. استيقظ قبل فوات الأوان .. استيقظ عد إلى الله .. لعل تكون تلك الليلة بلا فجر ويكون صبحها في النار ... واستيقظت من نومي فزعا عازم على الفرار إلى الله وساداً لكل سبيل أمام الشيطان الملعون إلى نفسي .. ذهبت إلى الحمام لاغتسل وأطهرها من المعاصي ... وخرجت من الحمام .. وجاء دور الشيطان .. إبليس الملعون .. اخذ يثبط من همتي رويداً رويداً .. يقول لي .. هون عليك .. أنت أحسن بكثير من غيرك .. فانت لا تسرق ولا تزني ولا تؤذي أحدا .. أنت طيب القلب .. حنون .. لا تعصي الله .. فهل أنت مثل فولان الذي يعصي الله جهرا وبدون خوف منه .. هل أنت مثل فولان الذي يحارب الله بالمعاصي أو فولان الذي يعيش كل حياته على الربا وأكل أموال الناس بالباطل ... أو فولان الذي لا يعرف لباب المسجد طريقا ....

وتبدأ الهمة تثبط .. والعزم يقل .. وبدأ الشيطان يزين لنفسي اللعينة أعمالها وعصيانها وبعدها عن الله .. وبدأت أشغل نفسي بأي شئ يبعدني عما عزمت على فعله .. بل وأنساه رويدا رويدا ... وبدأت اقتنع بكلام أبليس اللعين .. أنا أحسن من كثير من خلق الله .. أنا لا أؤذي أحدا ... ولا أعرف أنني أؤذي شخص واحد لا يجب إيذائه ففي إيذائه ظلم بين .. لا أؤذي أي شخص .. ولا أظلم أي شخص .. ولكني أؤذي نفسي وأظلم نفسي وأزج بها إلى النار ... ولا أعرف أنه لا شأن لي بغيري .. فكل نفس بما كسبت رهينة ... وكل مسئول عن نفسه .. كل مسئول أمام الله سبحانه وتعالى فماذا يكون الجواب ... وجلست في فراشي أفكر وأفكر وأصارع نفسي اللعينة وشيطاني الملعون ... وفي النهاية .. يبدو أن شيطاني الملعون ينتصر .. وأجدني كمن هو مسلوب الإرادة أمسك ريموت التلفاز وافتحه وأجد فيلماً (ياللعجب .. أنه رائع ومثير) وانظر في ساعتي وأجد أن موعد صلاة الفجر يحين وكلما اقترب موعد الصلاة تبدأ عيني في النعاس الشديد.

وأنا في تلك الحالة أجدني أفتح عيني وأنظر إلى النافذة وأجد نور الصباح قد بزغ وأنظر إلى الساعة أجد أن النوم أخذني وسوف أتأخر عن عملي ... عمل الدنيا ... الذي أنا عليه أحرص وعلى بذله بإتقان أجد .. ونسيت تماماً العمل الأهم .. الذي خلق الله من أجله كل شئ .. ألا وهو عبادة الله ... فقد قال الله عز وجل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق ولا أريد منهم أن يطعمون .. حتى صلاة الفجر التي كنت أنوي أداءها جماعة زين لي الشيطان تركها وأبعدني عن السجود لله حتى في البيت .. لأنني سأتأخر عن موعد العمل .. وقال لي .. صليها وقت تاني .. مازالت الأيام أمامك كثيرة .. وما زال في العمر فسحة للتوبة .. إن الله غفور رحيم .. لا بد أن الله سيتوب عليك لا محالة وسوف تعود إليه إن آجلاً أو عاجلاً .. وهذا هو التسوف وطول الأمل ، والمصيبة أنني أعرف ذلك .. ولكن يبدو أنني أصبحت وياللأسف مسلوب الإرادة أمام وساوس الشيطان اللعين ...

وكما ضاعت صلاة الفجر مني .. تضيع غيرها من الصلوات .. حتى إن أديتها جماعة في المسجد أؤديها بجسدي فقط ... وكل عقلي وكل كياني في الدنيا .. ولا أتذكر أنني بين يدي الله إلا عندما أسلم أتذكر أنني بين يدي الله بعد انتهاء الصلاة لأجري مهرولاً إلى خارج المسجد وراء عمل الدنيا وملاهيها ومفاسدها وإغراءاتها الزائفة الزائلة ... أتذكر أن كل ثواني ودقائق وساعات وأيام ... وأسابيع وشهور وسنوات حياتي مرت على تلك الوتيرة التي لا تتغير ... حتى يأست من نفسي وكرهتها .. تباً لك .. إلى أين تقوديني .. هل ستقوين على نار جهنم والخلود فيها حية بلا موت .. أم أنك وقعتي عهداً مسبقاً مع الخالق سبحانه أن يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر انتي الأخرى .. ماذا تظنين نفسك .. هل الآيات والأحاديث موجهة لبقية العالم وأنتي بعيد عن ذلك .. هل أنتي مطهرة .. هل أنتي مقتنعة تمام الاقتناع أنك من أهل الجنة كما توهمين نفسك وتفكرين وتسرحين وترين نفسك تتجولين في جنات النعيم ... هل تظنين نفسك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة الأخيار .. أم هل تظنين نفسك أحسن من عباد الله الصالحين في كل زمان ومكان ..

أتظنين يا مغرورة (يا من تسهرين طوال الليل أمام التلفاز والمعاصي) أنك تتساوي في المقام عند الله سبحانه وتعالى مع من هو ساجد في ذل وخشوع يقيم الليل وعيناه تذرفان من خشية الله .. والله لا تتساوون ابداً .. فشتان ما بين مشرق ومغرب ، أيستوي الأعمى والبصير .. أيستوي النور والظلمة ... والله لا يستويان أبدا ... يا ملعونة .. يا غبية .. يا واهمة لا يوجد خاسر غيرنا في تلك الحالة .. لن ينفعنا الشيطان .. بل سيتبرأ منا على الملأ ويقول لنا إني برئ منكم فيما اشركتموني من قبل ... إني أخاف الله رب العالمين .. لا تلوموني ولوموا أنفسكم .. ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ... استحلفك بالله لا تستجيبي لشيطانك أيتها الملعونة .. انتي تزجين بنا في نار جهنم ولا يؤدي ذلك الطريق إلى سواها .. انظري لحالك أيتها الملعونة ...

كذبتي كم كذبة في اليوم تحت شعار الكذب الأبيض والكذب الفوشيا ... .. نظرتي إلى محرم كم مرة ... استمعتي إلى محرم كم مرة .. نافقتي كم مرة ... خونتي العهد كم مرة سواء مع البشر أو مع الخالق .. رائيتي كم مرة ... كل تلك المهالك وتقولين لي وتخدعيني بتلك الشعارات الرنانة .. (إن الله غفور رحيم ونسيتي أنه شديد العقاب ... ساعة لقلبك وساعة لربك . الدين يسر وليس عسر .. بشر ولا تنفر) وفي النهاية تقولين لي شعارك الزائف (أنا عندي حسن ظن بالله) وأنتي كاذبة .. قولة حق تريدين بها باطل .. فلو أحسنتي الظن بالله لأحسنتي العمل ... دعك من فولان العاصي وفولان الفاجر وفولان الفاسق الذي تظنين انك احسن منهم عن الله سبحانه وتعالى .. فلا معصية فولان ولا توبته تفيدك أو تضرك في شئ .. يبدو أنك من الصم البكم الذين لا يسمعون .. سأفوض أمري فيكي إلى خالقك وخالق كل شئ سألجأ إليه واستغيثه لعله يعيني عليكي يا ملعونة.

ياااااااااااااااااااااااا ااااا رب ... إنك قولت وقولك الحق .. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. وتلك هي سعتي يا رب وهذا هو جدي وجهدي .. يا رب انك تعلم أني أعبدك وحدك ولا أشرك بك شيئا .. يا رب .. أنت أعلم ما في نفسي مني .. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك وعلمته أحداً من خلقك او احتفظت به في علم الغيب عندك .... أن تنجيني من شر نفسي ... أصبحت لا أجد عدو لي إلا نفسي ... أنا العاصي المثقل بالذنوب الضعيف أصرخ وأستغيث بك يا رب ... ياااااااااااااااااااااااا ااااا رب ... ياااااااااااااااااااااااا اااا رب ... يا من تجيب المضطر إذا دعاه ... لا تغرب شمس هذا اليوم إلا وأنت منعم علي بتوبة صادقة .. ياااااااااااااااا رب توبة صادقة ... فأنا استغفرك كثيرا .. ولكن الاستغفار مع عدم الإقلاع عن الذنب توب الكاذبين ... يا رب إن المفاسد حولي كثيرة والمغريات أكبر من نفسي الضعيفة .. أصبحت الفتن والملاحد في كل مكان ... اينما نظرت عيني وقعت على حرام وعلى مغريات ... ياااااااااااااااااااااااا ا رب ... أستغيث بك يا مغيث ... ارزقني توبة صادقة ... ارزقني توبة صادقة .. ارزقني توبة صادقة .. أعني على التوبة .. اللهم أعني على ذكر وشكرك وحسن عبادتك ... اللهم اقبلني من عبادك الصالحين .. يا رب ... هذه أكف الضراعة مدت إليك فلا تردني خائبا .. ولا من باب جودك وكرمك مطروداً ... آآآآآآآآآآآمين يا رب العالمين.
عائد إلى الله[/frame]

[frame="7 80"]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وتلك خواطر من كتابتي المتواضعة .. أرجو أن يكون فيها العبرة والعظة بإذن الله تعالى

وتحوز إعجابكم .... وتقبلوا تحياتي[/frame]

بارك الله فيك أخي الحبيب
ونفع بماتكتب
وجعلها خالصة لوجهه الكريم
جاء في صحيح مسلم :
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن مرة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا عبيدة ‏ ‏يحدث ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ‏
‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو داود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏نحوه

[frame="7 80"]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخي في الله وجزاك الله خير الجزاء
أحسنت الرد يا أخي وأبدعت .. واحسنت الإضافة للموضوع
ما حرمنا الله من إطلالتك الرائعة .. ودمت بكل ود
وتقبل تحياتي[/frame]