حدود جزيرة العرب والعراق ...
[align=right]أفرد البكري لحركة القبائل العربية في جزيرتهم مقدمة مطولة ذكر فيها حدود بلاد العرب ، وأقسامها الجغرافية ، تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن .
كما تحدث عن القبائل العربية التي استقرت في هذه الأقسام ، وأرخ تنقلاتها ووقائعها وأيامها وقد نوه عن ذلك بقوله : (وأنا أبتدئ الآن بذكر جزيرة العرب ،والأخبار عن نزولهم فيها وفي غيرها ، من محالهم ، ومنازلهم ، واقتطاعهم لها ، ومحل كل قبيلة منها ، وذكر ماأشترك في نزوله قبيلان فأزيد ، وذكر من غلب جيرانه منهم فأنفرد ) (1) .
واختلفت حدود أرض العرب فيمن نقل عن البكري وتشتت أقوالهم ، فهي وفق ماذكره أبن وهب ، اليمامة إلى قول مالك بن انس ، ولا يختلف عن ذلك قول المغيرة بن عبد الرحمن ويتطابق معه حيث يقول : جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن وقرياتها .
وقال الأصمعي : جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى أطرار (*) الشام ، هذا هو الطول ، والعرض من جده إلى ريف العراق .
وقال أبو عبيد عن الأصمعي وأن عرضها من جده وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام ، وقال الشعبي : جزيرة العرب مابين قادسية الكوفة إلى حضرموت . وقال أبو عبيد جزيرة العرب مابعد حفر أبي موسى بأطواره من أرض العراق ، إلى أقصى اليمن في الطول ، وأما في العرض فما بين رمل يبرين ، إلى منقطع السماوة . وحتى تكتمل الصورة لابد من تقصي أبعاد الجزيرة العربية وحدودها ومعرفة لماذا سميت أرض العرب جزيرة ، وفي هذا المجال ينقل البكري عن الآخرين قولهم أنما سميت جزيرة لإحاطة البحر بها والأنهار من أقطارها وأطرا رها ، وذلك أن الفرات أقبل من بلاد الروم فظهر بناحية قنسرين ثم أنحط عن الجزيرة ، وهي مابين دجلة والفرات ، وعن سواد العراق حتى دفع في البحر من ذلك الموضع مغربا مطيفا ببلاد العرب ، منعطفا عليها ، فأتى منها على صفوان وكاظمه ونفذ إلى القطيف وهجر وأسياف ( سواحل عمان والشحري ، وسال منه عنق إلى حضرموت ، وناحية أبين ودهلك واستطال ذلك العنق فطعن في تاهم اليمن ، بلاد حكم والاشعريين وعك ، ومضى إلى جده ساحل مكة ، والى الجار ساحل المدينة ، والى ساحل تيما وأيله حتى بلغ قلزم مصر ، وخالط بلادها ، وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلا بلاد السودان ، مستطيلا معارضا للبحر ، حتى دفع في بحر مصر والشام ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين ، ومر بعسقلان وسواحلها وأتى على صور وساحل الأردن وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق ثم ، نفذ إلى سواحل حمص وسواحل قنسرين ، حتى خالط الناحية التي اقبل منها الفرات ، منحطا على إطراف قنسرين والجزيرة إلى سواد العراق (2) .
ويذهب الهمداني إلى رسم حدودها بصورة موجزه على النحو الآتي ( أفضل البلاد المعمورة من شق الأرض الشمالي إلى الجزيرة الكبرى ، وهي الجزيرة التي سميها بطليموس ( ماوري ) تقطع على أربع أقاليم ، من عمران أيله ( العقبة ) وما طردته من سواحل إلى القلزم وفسطاط مصر ، وشرقها عمان والبحرين وكاظمة والبصرة ، وموسطها : الحجاز وارض نجد والعروض ، تسمى جزيرة العرب ، لأن اللسان العربي في كلها شائع وأن تفاضل ) (3) .
من هذه الأرض الكريمة انتقلت قبائل العرب وانتشرت في ربوعها قبل ظهور الإسلام وتزخر كتب التراث العربي بتفاصيل هذا الانتقال وترد مضامينه ، شعرا ونثرا في كتب الأنساب والتاريخ والجغرافية والأدب ، وكان الارتحال إلى العراق والنزوح إليه يحضى بنصيب وافر ، فالعراق ، كما يصفه أبو حوقل أعظم الأقاليم منزلة وأجلها صفه وأغزرها جباية وأكثرها دخلا (4) .
ودراسة انتقال هذه القبائل إلى العراق واستقرارها فيه تكتسب أهمية لأسباب عده أهمها :
1- إن قبائل العراق حاليا تمثل استمرارا حيا وصورة واقعية لتلك التي انتقلت إليه في السنين الخوالي ، إذ أنها لاتزال تسمى بأسمائها وتنهل من ينابيعها الأولى .
2- أن هذه القبائل أصبحت حد السيف الذي قطع عدوان الفرس ودفع غائلة طغيانهم ، وأدرك الفرس الساسانيون خطر العلاقة المتصلة بين عرب الجزيرة وعرب العراق مما دفعهم إلى أنشاء حواجز بين أرض العراق ، بخيراتها وعطائها وبين أرض الجزيرة العربية ، حتى أن ( سابور ) الساساني عمد إلى حفر خندق يمتد من هيت إلى كاظمة على الخليج العربي للحيلولة دون استمرار هذه العلاقة وتناميها ، وأباح سابور لرجال الحاميات التي انتظمت جانب الخندق أقامه إلى بنية وزرع الأرض ,استثناهم من الضرائب دعما لسياسته (5) ، وكان العرب يسمون سكان سواد العراق العاملين في الزراعة النبط ، وأن النبط على حد قول الخطيب البغدادي هم الذين أستنبطو الأرض وعمروا السواد وحفروا الأنهار العظام (6)
3- أن القبائل العربية التي استقرت في العراق اتخذته موطنا لها ساهمت في نشر الإسلام في الأرض ورفع رايته بين الناس فقد توغلت ناقلة البصرة وناقلة البصرة في أعماق البر الأسيوي وأصبحت أماكنهم فيها مراكز عربية دينا وثقافة ، ويذكر ( النويري ) إن في جهت المشرق مما يلي بلاد الصين ست جزائر تسمى جزيرة ألسليلي ( سيليبس حاليا شرق أندنوسيا ) يقال أن ساكنيها من العرب هاجروا إليها من العراق ، وأن سفنهم كانت تصل ميناء لوقين ( هانوي ) أول مرافئ الصين ، وخانقوا ( كانتون ) فرضة الصين العظمى (7) .
وعمرت القبائل العربية ، تغلب وبكر بن وائل شمال شرق تونس كما أصبح أبناء بكر بن وائل أمراء أشبيلية في الأندلس ، وهكذا تكتسب حركة القبائل العربية في العرق أهمية خاصة في دراسة تاريخ العراق وتكتشف عن فعالية أبناءه على الصعديين العربي والإسلامي .
المراجـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــع
1- أبو عبيد البكري (ت487هـ) معجم ما أستعجم من أسماء المواضع والبلاد ، حققه وضبطه مصطفى السقا ، مطبعة لجنة التأليف والنشر ، القاهرة ، ط1 ،1945م ، ص5 .
الأطرار ، النواحي والأطراف .
2- المصدر نفسه ، ص6-7 .
3- الحسن بن احمد بن يعقوب الهمداني (ت 334هـ ) صفة جزيرة العرب ، تحقيق محمد علي الأكوع ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1989م ، ص39 .
4- أبن حوقل ( عاش في النصف الثاني من القرن الرابع اهجري ) صورة الأرض ، منشورات دار مكتبة الهلال ، بيروت 1979م ، ص210 .
5- جواد علي ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، دار العلم للملايين بيروت ، ط1 ، ج2 1978م ، ص64 .
6- الخطيب البغدادي ، (ت 346هـ ) تاريخ بغداد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، ج1 ، ص56-57 .
7- شهاب الدين محمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733هـ ) نهاية الأرب في فنون الأدب ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، السفر الأول ، ط2 ، 1929م ، ص220 .
ومن إرادة المزيد فليراجع وقائع ندوة الوطن العربي الامتدادات عبر التاريخ التي عقدتها دائرة التراث العربي والإسلامي في 19-20 شوال 1420هـ منشورات المجمع العلمي العراقي ، القبائل العربية في العراق قبل الإسلام أ.د علي محمد المياح ص67 وما بعدها .[/align]
|