المخلوق العجيب
المخلوق العجيب
مخلوق عجيب من مخلوقات الله و آية من آياته البديعة وصدق الله : {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِه } لقمان11
خلق الله هو الغاية في الحسن و الغاية في الإعجاز و الغاية في الإبداع و صدق الله : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }السجدة7 يقول سيد رحمه الله : [ اللهم إن هذا هو الحق الذي تراه الفطرة وتراه العين ويراه القلب ويراه العقل . الحق المتمثل في أشكال الأشياء , ووظائفها . وفي طبيعتها منفردة وفي تناسقها مجتمعة . وفي هيئاتها وأحوالها ونشاطها وحركاتها . وفي كل ما يتعلق بوصف الحسن والإحسان من قريب أو من بعيد .
سبحانه ! هذه صنعته في كل شيء . هذا كل شيء خلقه يتجلى فيه الإحسان والإتقان ; فلا تجاوز ولا قصور , ولا زيادة عن حد الإحسان ولا نقص , ولا إفراط ولا تفريط , في حجم أو شكل أو صنعة أو وظيفة . كل شيء مقدر لا يزيد عن حد التناسق الجميل الدقيق ولا ينقص ].
لله في الأفاق آيــات *** لعل أقلها هو ما إليه هداك
و الكون مشحون بأسرار *** إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
و لعل ما في الكون من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
المخلوق الذي أتحدث عنه عجيب في شدة صلابته وقسوته إلا أنه يتصدع من خشية الله فقد تكون قلوب بني آدم أحياناً أشد منه قسوة , لعلكم قد عرفتم هذا المخلوق العجيب إنه الحجر .
الحجر والحجارة خلق من خلق ذكره الله في غير موضع من القرآن و تكرر ذكره في السنة النبوية ومنه تكون الجبال التي أكثر الله من ذكرها على أنها آية عظيمة تبهر العقول و الألباب و تدل على عظمة خالقها و بديع صنعه ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (الغاشية: 17 ـ 19) فهي أوتاد الأرض حتى لا تميد بمن عليها فتعالوا معنا نتعرف على بعض صفات هذا المخلوق و نأخذ منه الدرس و العبرة :
أولاً : المخلوق العجيب يخشى الله عز وجل:
المخلوق العجيب رغم صلابة إلا أنه يتشقق و يتصدّع من خشية الله عز وجل قال تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه وأنه ليهبط من خشية الله
قال مجاهد كل حجر تفجر منه الماء أو تشقق عن ماء أو تردى من رأس جبل فهو من خشية الله تعالى نزل به القرآن.
بل أخبر الله جل و علا أن القرآن لو أنزل على جبل من جبال الدنيا لتشقق و تصدع خشية لله عز وجل قال تعالى : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21
الدرس و العبرة
1/ أذا كان الحجر الصلد يسقط من أعالي الجبال خوفاً من الله و الجبل الأشم لو نزل عليه القرآن لتصدع فرقاً من الله و خشية له سبحان فنحن أولى بخشية الله عز وجل كيف لا و قد أمرنا الله بها فقال : { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ }المائدة44 و مدح الله أهل خشيته فقال : { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61} ومن تأمل حياة النبي صلى الله عليه و سلم وجده أشد الناس خشية لله و هو مع ذلك يسأل الله خشيته فيقول: [ اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ...] رواه أحمد وابن حبان.
بل أخبر صلى الله عليه و سلم أن خشية الله أمان من دخول فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ لا يلج النار رجل يبكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ] رواه الترمذي وحسنه وصححه فحري بالمؤمن أن يخشى الله و يتقيه و يلهج بالدعاء أن يرزقه الله خشيته في الغيب و الشهادة .
2/ على المؤمن أن يقرأ القرآن و يتدبره و يخشع عند آياته و يتأثر به فيرق القلب و تدمع العين قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الانفال{2}
ثانياً :المخلوق العجيب يسبح الله و يذكره قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }سبأ10 و قال تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء79 قال تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ص 17ـ18 قال ابن كثير رحمه الله [ يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن والجنود ذوي العدد والعدد وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات ] .
قال الشوكاني رحمه الله : [ وفي هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه وكان يفقه تسبيح الجبال ].
قال السعدي رحمه الله : [أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها, مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه, أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده, وأن ذلك يكون منهضاً له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات, تتجاوب بتسبيح ربها, وتمجيده, وتكبيره, وتحميده, كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى ].
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( إني لشاهد عند رسول الله في حلقة وفي يده حصى فسبحن في يده وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فسمع تسبيحهن من في الحلقة ) أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع البحرين، والبزار واسناد الطبراني صحيح رجاله ثقات .
و تسبيح الحصى بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم ذكر لله جل و علا و حمد له سبحانه على أن مكّنه من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك نعمة بادر الحصى بشكرها
لئن سبحت صـم الجبال مجيبــه *** لداود أو لان الحديد المصفـح
فإن الصخور الصُـــمَّ لانت بكفه *** و إن الحصا في كفـه ليسبِّـح
وإن كان موسى أنبع الماء من العصـا *** فمن كفه قد أصبح الماء يطفـح
و قد بين النبي صلى الله عليه و سلم أن الحجر يسمع تلبية الملبي فيلهج بالتلبية فعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا ) رواه ابن ماجه و الطبراني والبيهقي وصححه الألباني و قال الألباني رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : [ فإن قيل ما فائدة تلبية الحجر و الشجر و غيرها ؟ قلت : إتباعها إياه في هذا الذكر دليل على فضله و شرفه و مكانته عند الله تعالى ، على أنه يجوز أن يكتب له أجر هذه الأشياء لأنها صدرت عنها تبعاً له فصار المؤمن بالذكر دال على الخير ] .
و بعد هذه النصوص فإن الدرس الذي نتعلمه من المخلوق العجيب في هذا الباب أن المسلم عليه أن يلهج بالذكر لله عز وجل و يستشعر أن الكون كله ذاكر لله عز وجل و كلما كان موافق له في ذكره لله رزق طمأنينة النفس و سعادة القلب قال تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
ثالثاً : المخلوق العجيب يتعبد لربه بالسجود :
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) الحج (18)
يقول سيد رحمه الله : [ ويتدبر القلب هذا النص ، فإذا حشد من الخلائق مما يدرك الإنسان ومما لا يدرك . وإذا حشد من الأفلاك والأجرام . مما يعلم الإنسان ومما لا يعلم . وإذا حشد من الجبال والشجر والدواب في هذه الأرض التي يعيش عليها الإنسان . . إذا بتلك الحشود كلها في موكب خاشع تسجد كلها لله ، وتتجه إليه وحده دون سواه ].
و الدرس الذي يتعلمه المسلم من المخلوق العجيب أن يكثر من السجود لله و يعلم أن العبد أقرب ما يكون من الله و هو ساجد فكلما مر بجبل أو أبصر حجراً ذكره بالصلاة و السجود و الصلة بالله عز وجل التي هي عنوان السعد و لذة الحياة و لذا قال صلى الله عليه و سلم : ( و جعلت قرة عيني في الصلاة ) و كان يقول : ( يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها ) فما تلذذ المتلذذون بمثل الصلاة قال عبد الله بن وهب : كل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة فإن لها ثلاث لذات إذا كنت فيها و إذا ذكرتها و إذا أعطيت ثوابها .
و الصلاة يرفع الله بها العبد درجات في الدنيا و الآخرة فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً
رابعاً : المخلوق العجيب يناصر الأنبياء عليهم الصلاة و السلام :
من تأمل خبر المخلوق العجيب في القرآن و السنة تبين له بجلاء نصرته لرسل الله و أنبيائه فها هو يقف نصيراً لنبي الله موسى عليه السلام قال تعالى : {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }البقرة60 قال ابن كثير رحمه الله : [قول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى عليه السلام حين استسقاني لكم وتيسيري لكم الماء وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينا لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد واعبدوا الذي سخر لكم ذلك ].
عن ابن عباس قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها.
فتأمل أخي كيف بادر الحجر إلى نصرت نبي الله و إغاثته و قومه بأمرٍ من الله جل و علا و تأمل القصة التالية يتبين لك نصرة هذا المخلوق لنبي الله موسى و كشف ادعاءات المبطلين و كيد الكائدين ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى عليه السلام فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عز وجل وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا قال فذلك قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) رواه البخاري0 و كما كان المخلوق العجيب نصيراً لنبي الله موسى فها هو يناصر نبي الله لوطاً عليه السلام عندما تمادى قومه في الكفر و الفساد قال تعالى : (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) هود (77 /83) و كذلك ناصر المخلوق العجيب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تعالى { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى }الأنفال17 عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ناولني كفا من حصباء فناوله فرمى به وجوه القوم فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } رواه الطبراني و في رواية قال رسول الله لعلي يوم بدر ...
وعن إياس بن سلمة حدثني أبي قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلى بردتان متزراً بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقد رأى ابن الأكوع فزعاً ) فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال ( شاهت الوجوه ) فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل ) رواه مسلم
تأمل كيف كان المخلوق العجيب نصيراً لرسول الله صلى الله عليه و سلم تعال نأخذ الدرس و العبرة من مناصرة المخلوق العجيب لهذين النبيين عليهما الصلاة و السلام :
1/ عناية الله برسله وأنبيائه و أوليائه و عباده الصالحين و تسخير مخلقاته لنصرتهم و إعانتهم .
2/ وجوب مناصرة الرسل و الأنبياء و الدفاع و الذب عنهم و فإذا كان الحجر الأصم بادر بمناصرة نبي الله موسى و الدفاع عنه فإن المؤمنين الأتقياء أولى بذلك منه .
3/ يتعين على الصالحين المصلحين أن يبادروا إلى كشف دعاوى المبطلين
4/ يجب علينا أن نحب رسل الله و أنبيائه و نتمنى اللحاق بهم و أن يهدينا الله سبيلهم و نسأل من كل قلوبنا قائلين :{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }
خامساً : المخلوق العجيب يحب النبي صلى الله عليه و سلم
عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أعرف حجر بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم و الترمذي و الإمام أحمد
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله ) رواه الترمذي و صححه الألباني .
عن أنس رضي الله عنه قال صعد النبي صلى الله عليه و سلم جبل أحد و معه أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم فرجف بهم الجبل ، فقال : ( اثبت أحد فإنما عليك نبي و صديق و شهيدان ) رواه البخاري
قال بعض الدعاة و إنما اهتز فرحاً و طرباً و شوقاً للقاء رسول صلى الله عليه و سلم و صحبه
لا تلوموا اُحداً لاضطراب *** إذ علاه النبي فالوجد داءُ
أُحد لا يلام فهـو محبٌ *** ولكم أطرب المحب لقاءُ
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال : ( هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها) رواه البخاري و في قصة رحلته صلى الله إلى الشام التي رواها الترمذي و صححها الألباني قال الراهب : ( هذا سيد العالمين بعثه الله رحمة للعالمين . فقال له أشياخ من قريش ما علمك ؟ فقال : إنكم حيث أشرفتم منم العقبة لم يبق شجر و لا حجر إلا خر ساجدا و لا يسجدون إلا لنبي و إني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ...الحديث
أكرم بَخَلق نبي زانه خُلُق *** بالحق مشتملٍ بالبشر مُتّسمِ
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ *** والبحر في كرم والدهر في هِمَمِ
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة *** تمشي إليه على ساقٍ بلا قدمِ
والصخر من فرط حبٍ خرِّ منكسراً *** سجود شكر بلقي سيد الأمم
ياربّ أزكى صلاةٍ منك دائمة *** على النبي بمنهَلًّ ومنسجمِ
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا *** وأطربت نغمات الآي من أُمم
و السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه القصص ما مقدار حبنا لرسوالله صلى الله عليه و سلم ؟ ما مقدار شوقنا له ؟ إن الدرس الأعظم الذي نستفيده من المخلوق العجيب هو وجوب محبة النبي و تحرك القلب شوقاً إليه و الإكثار من الصلاة و السلام علية و الحرص على اتباع سنته و اقتفاء آثاره وحسن التأسي به .
أخي هل يحملك الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم و هل تحدث نفسك برؤيته هل أقبلت على سنته و اقتفيت آثاره طمعاً في الظفر بالورود على حوضه و شوق لرؤيته هل تردد ما قاله هذا المشتاق:
نسينا في ودادك كل غال --- فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم و يكفي --- لنا شرف نلام و ما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً --- يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا و إنّا --- لعمر الله بعدك ما سلونا
يقول ابن القيم رحمه الله : [ فإذا صدق في ذلك ـ أي العبد ـ رزق محبة الرسول واستولت روحانيته على قلبه فجعله إمامه ومعلمه وأستاذه وشيخه وقدوته كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديا إليه فيطالع سيرته ومبادئ أمره وكيفية نزول الوحي عليه ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه في حركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه ] مدارج السالكين جـ3صـ268
سادساً : المخلوق العجيب يبشر النبي صلى الله عليه و سلم بالنصر :
عن البراء بن عازب قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة قال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا قال ثم ضرب أخرى وقال بسم الله وكسر ثلثا آخر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن ثم ضرب ثالثة وقال بسم الله فقطع الحجر قال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء ) رواه النسائي و حسن اسناده ابن حجر في الفتح
سابعاً : المخلوق العجيب يدافع عن بيت الله الحرم :
قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) )
ثامناً : المخلوق العجيب ينتقم للأعراض المنتهكة :
عرض المسلم له حرمته في الإسلام و الزنا اعتداء على عرض المسلم و لذا كانت عقوبة الزاني المحصن الرجم بالحجارة فالمخلوق العجيب يغار على أعراض المسلمين و ينتصر لها عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا ) رواه البخاري و الدرس الذي يتعلمه المسلم من المخلوق العجيب هو الغيرة على أعراض المسلمين و الدفاع عنها و حمايتها من الفساد و الانحراف و الوقوف في وجه دعاة الفساد و الرذيلة الذين يريدون أن يوقعوا مجتمعات المسلمين في وحل الرذيلة كما وصفهم الله بقوله : { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }فهم يحبون أن تشيع الفاحشة في بلاد المسلمين كما قال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } سورة النور
تاسعاً : المخلوق العجيب سبب لكسب الأجور و الحسنات وتكفير السيئات :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول في ثواب رمي الجمار : ( وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات ) رواه الطبراني و حسنه الألباني و في رواية : (و أما رميك الجمار فإنه مدخور لك ) و في رواية : (وأما رميك الجمار قال الله عز وجل { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}
عاشراً : المخلوق العجيب ينتقم من الهاجر للقرآن و المفرط في الصلاة:
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه ( هل رأى أحد منكم من رؤيا ) . قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال ذات غداة ( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان ؟ قال قالا لي انطلق انطلق ... قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت ؟ قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ...) رواه البخاري
الحادي عشر : المخلوق العجيب ينتقم من آكل الربا :
في حدث سمرة السابق قال صلى الله عليه و سلم : (... قال : قالا لي : انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان ؟ ... وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا ...) رواه البخاري
الثاني عشر : المخلوق العجيب يناصر المسلمين بأرض فلسطين :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ) . رواه مسلم و نحن نبصر الآن المخلوق العجيب يلقي الرعب في قلب اليهودي فلا يزال مشهد الغلام الفلسطيني و هو يطارد الجندي اليهودي بجره فيهرب منه و هو مدجج بالسلاح يفر من الحجر و يختبأ بالدبابة فلله دره من سلاح
أنا ما ألقيت من كفي حجر --- إنما أرسلت سهماً ذا شرر
إنما ألقيت جمراً و لظى --- تقذف الرعب فلا تبقي أثر
إن أمت يا قوم هذي بغيتي --- ارتضي الموت لوعد منتظر
ابتغي الجنة جاراً للحبيب --- إن أنلها حزت فوزاً و ظفر
الثالث عشر : المخلوق العجيب ينتقم من الكفر و العصاة و الظالمين في النار :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما هذا ) قلنا الله ورسوله أعلم قال: ( هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا فالآن حين انتهى إلى قعرها )رواه مسلم
الرابع عشر : الحجر الأسود :
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ) رواه الترمذي وصححه الألباني عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أباه : يقول لابن عمر مالي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين الحجر الأسود و الركن اليماني ؟ فقال ابن عمر : إن أفعل فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن مسحهما يحط الخطايا حطا ) رواه ابن خزيمة و ابن حبان بسند حسن .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر والله ! ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق ) رواه الترمذي و صححه الألباني
منقول للفائدة
التوقيع |
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم |
|