السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...تحية طيبة للجميع.
كما هو المعلوم لدى الكثير من أن العرب قبل الاسلام أقاموا ممالك كثيرة في نواح شتى داخل جزيرة العرب وخارجها، وهذا مقال مختصر عن تلك الممالك
منقول من عدة مصادر مختلفة عربية وعجمية على اختلاف أديانهم.
ممالك الجنوب
كان القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وبخاصة اليمن، أكثر بلاد العرب تحضرًا في العصر الجاهلي، فقامت فيه دول وممالك كانت على مستوى متقدم من الرقي والتمدن، وذلك على ثلاثة أسس: زراعية وتجارية وتوسعية. فقد وُجدت في العربية الجنوبية مساحات واسعة من الأراضي الخصبة وقدرًا وافيًا ومنتظمًا من الأمطار الموسمية ومساحات شاسعة من الغابات الطبيعية والنباتات التي تنتج الطيوب والتوابل، وهي سلعة لا غنى عنها للعالم القديم، الأمر الذي زاد من استقرار المورد الاقتصادي. كذلك كانت هذه المنطقة واليمن بخاصة مركزًا تجاريًا توسط التجارة العالمية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب لموقعها عند ملتقى البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما وضعها بالضرورة على نقطة الانطلاق من بداية أي طريق بري نحو الشمال، وأعطاها ميزة مضاعفة في مجال الخطوط التجارية. كما أنها كانت على قدر من التوافق، أو ما يُشبه التوافق الذي يقترب بها من وضعية التداخل بقدر ما يبعدها عن الصراعات التي كانت شائعة عند إمارات الشمال. أما الأساس التوسعي، فقد تمثّل بإقامة نقط توسّع خارج الحدود عن طريق المستوطنات، التي ابتدأت كمحطات تجارية لتجّار العربية الجنوبية، ثم نمت واستقرّت بعد ذلك لتتحول إلى مدن لها كيانها الخاص. أما أبرز ممالك الجنوب فهي:
مملكة معين (1300 - 650 ق.م)
تُعد مملكة معين أقدم الدول العربية، وقد وصلت أخبارها إلى المؤرخين عبر الكتابات المدونة بالمسند والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية، ولم يرد لها ذكر في المصادر العربية. قامت هذه الدولة في الجوف شرقي صنعاء بين نجران وحضرموت، وعاصمتها مدينة قرنا أو "قرنو"، وهي معين. وعلى الرغم من كثرة النقوش التي وُجدت عن هذه الدولة، فإن معظمها لا يحوي أكثر من أسماء ملوك وأشخاص، وتسجيل بعض الأحداث الشخصية أو الخاصة، ما ترتب عليه اختلاف الباحثين في تحديد تاريخ بداية هذه الدولة وتاريخ انتهائها، والتواريخ المقترحة تتراوح بين القرن الخامس عشر قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وحدد بعضهم تاريخ الدولة المعينية بين سنتيّ 1300 و 650 قبل الميلاد.
اشتغل أهل هذه المملكة بالزراعة والتجارة، وكان نظام الحكم فيها ملكيًا وراثيًا، وعرفت مدنها ما يُمكن أن يُسمّى بنظام الحكم المحلي، فكانت لهم مجالس تدير شؤونهم في السلم والحرب تُسمى "مزود". وكان لكل مدينة معبدها الخاص الذي يحوي إلهًا أو أكثر. امتد نفوذ المعينيين إبان قوة دولتهم إلى شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب، وتوسعوا شمالاً واحتكوا بآشور وفينيقيا ومصر، واقتبسوا الأبجدية الفينيقية ودوّنوا لغتهم بها. اندثرت هذه المملكة بعد أن قضى عليها السبئيون.
مملكة حضرموت (1020ق.م - 290م)
قامت مملكة حضرموت في جنوبي شبه الجزيرة العربية إلى الشرق من اليمن على ساحل بحر العرب، في منطقة واسعة تحيط بها رمال كثيفة تُعرف بالأحقاف، واشتهرت بوجود مدينتيّ تريم وشبوة، حيث أقيمت حولهما قرى وقلاع عديدة. ويرجع اسم حضرموت إما إلى اسم شخص هو حضرموت بن قحطان، الذي نزل في هذا المكان فسُمي باسمه، أو أنه لُقّب بهذا الاسم لأنه كان إذا حضر حربًا أكثر فيها من القتل، وإما إلى معناها اللغوي "دار الموت" أو "وادي الموت" المأخوذ من اللغة العبرية. عاصرت هذه المملكة ممالك معين وسبأ وقتبان، ودخلت عندما ضعفت، تحت حكم الدولة الحميرية الثانية. كانت عاصمتها القديمة "ميفعة"، ثم انتقلت إلى شبوة التي تأسست في القرن الثاني قبل الميلاد، وعاش أهلها على الزراعة والتجارة، حيث كانت تُصدّر اللبان والبخور والمر برًا وبحرًا. خضعت مملكة حضرموت للسبئيين، وقضى الحميريون عليها في منتصف القرن الرابع الميلادي.
مملكة قتبان (1000 - 25 ق.م)
قامت مملكة قتبان في الأقسام الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية، في النواحي الغربية من اليمن في حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد. امتدت أراضيها من تخوم حضرموت حتى بلغت باب المندب، وحجبتها عن البحر مملكة أوسان الصغيرة. عاصمتها مدينة منع أو "تمنا"، وهي كحلان الحالية في وادي بيجان، التي اشتهرت قديمًا بخصوبتها وكثرة مياهها وبساتينها، ولا تزال آثار الري القديمة ظاهرة فيها إلى اليوم. لم تذكر المصادر العربية أخبار ذات قيمة عن مملكة قتبان، وكل ما تضمنته لا يخرج عن ذكر موضع بهذا الاسم بالقرب من عدن، وأن قتبان بطن من رعين من حمير. حُكمت المملكة من قبل ثلاثة أسر ملكية، وعرفت أزهى عصورها في عهديّ الأسرتين الثانية والثالثة.
استغل القتبانيون موقع بلادهم الجغرافي، بجوار باب المندب، ومجاورتهم لحضرموت التي كانت تنتج أفضل أنواع الطيب والبخور، فاشتغلوا بالتجارة وجنوا أرباحًا طائلة، وأضحت لهم قوة عظيمة كان لها شأن في القضاء على نفوذ المعينيين. تعرّضت المملكة لغزو شعب غير معروف، قبل الميلاد بقليل، فأحرق عاصمتها تمنع، وأنهى وجودها.
مملكة سبأ (800 - 30 ق.م)
تُنسب مملكة سبأ إلى مؤسسها عبد شمس بن يشجب الذي يرتقي بنسبه إلى قحطان، أحد أجداد العرب، ولُقّب بسبأ نظرًا لكثرة حروبه وغزواته، وهو أوّل من سبى من العرب، وغلب الاسم على المملكة والشعب. ورد ذكر سبأ في بعض النقوش الآشورية وفي كتابات الكتّاب الإغريق والرومان، ومن الإشارات القديمة المكتوبة التي تحدثت عن سبأ أيضًا، تلك التي وردت في العهد القديم، وذكرت أن بني سبأ كانوا يزوّدون الشام ومصر بالطيب وبخاصة اللبان، ويصدّرون إليهما الذهب والأحجار الكريمة، وأن بلقيس ملكة سبأ زارت النبي سليمان ملك بني إسرائيل في القدس وحملت إليه الطيب والذهب الكثير والأحجار الكريمة: وأعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذهب وأطيابًا كثيرة جدًا وحجارةً كريمة. لم يأت بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة، الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان. مرّت الدولة السبئية، استنادًا إلى النقوش السبئية المكتشفة، بمرحلتين تاريخيتين متتاليتين تتميز كل منهما بألقاب ملوكها: مرحلة المكربين، حيث كان الحاكم يجمع بين منصب الكاهن والملك، ومرحلة الملوك. كان السبئيون يتعاطون تجارة البخور واللبان والعطور، والزراعة، وضربوا بسهم وافر في التقدم الزراعي وفي هندسة الري، كما كانوا متقدمين في الهندسة المعمارية. ونجح هؤلاء القوم في بناء سد مأرب في مملكتهم، لحفظ مياه الأمطار التي كانت تجري في أراضيهم دون الإفادة منها، وكانت قوافلهم التجارية تصل إلى مراكز الشرق الأوسط الثقافية الأخرى، مثل مصر وبلاد ما بين النهرين وفارس، وقد بلغوا من الثراء شيءًا كثيرًا تناقله الكتّاب الإغريق وورد ذكره في القرآن (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) . تسجّل الأيام الأخيرة من حياة الدولة السبئية قيام نزاع خطير حول العرش السبئي كان له أثر سيء فيما أصاب البلاد من خراب ودمار وتحوّل كثير من الأراضي الزراعية إلى أراضي جرداء قاحلة. وفي غمرة هذا الصراع احتل الريدانيون والحميريون البلاد وأسسوا أسرة ملكية جديدة.
مملكة حِمير (30 ق.م - 525م)
شهد اليمن عهدًا جديدًا، بدءًا من عام 30 ق.م، تمثّل بخلع ملوك سبأ لقبهم القديم، واستبدلوا به لقبًا آخر هو "ملك سبأ وذي ريدان"، إشارة إلى ضم ريدان، موطن الحميريون، إلى مُلك سبأ، وعرف هذا العهد عند بعض المؤرخين باسم مملكة الحِميريين. وتاريخ هذه المرحلة يتميز بالاضطرابات الشديدة نظرًا لما تخلله من صراع عنيف على السلطة بين سادات القبائل المختلفة، كما وُجد أكثر من شخص، من سبأ وحمير، حمل اللقب المشار إليه في الوقت نفسه. وقد أضعفت الحروب البلاد ومزقتها، وأتاحت للرومان والأحباش التدخّل في شؤونها. وفعلاً تعرضت بلاد العرب لحملة رومانية بهدف السيطرة على طرق التجارة الشرقية وانتزاع بعض الموانئ العربية الجنوبية، لكن هذه الحملة كان مصيرها الفشل التام بفعل شدّة الحرارة ووعورة الطريق وقلة الماء، فعدل الإمبراطور أغسطس قيصر عن غزو شبه الجزيرة العربية غزوًا بريًا مباشرًا، بل انكفأ إلى تقوية أسطوله في البحر الأحمر وتحسين علاقاته بسادة القبائل العربية، وعقد تحالفًا مع ملك ظفار واتفاقات صداقة مع مملكة أكسوم الحبشية، لزعزعة كيان مملكة سبأ التي كانت تسعى إلى إبقاء التجارة البرية في يدها ويد حلفائها.
تطلع الحميريون، بعد أن أضحوا ذي بأس، إلى التوسع على حساب جيرانهم، ففتحوا عدّة أقاليم مجاورة، وسيطروا على مملكة سبأ وتفردوا في حكمها تمامًا في عام 300م. عُرف ملوك حمير بالتبابعة، واحدهم تبع، وورد ذكرهم في مؤلفات مؤرخي اليونان والرومان وفي القرآن: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾. اجتاح الأحباش اليمن خلال القرن الرابع الميلادي، في عهد النجاشي "العلي إسكندي"، واكتملت سيطرتهم على البلاد في عام 345م في عهد النجاشي "العلي عميدة"، ومكثوا فيها أقل من أربعين عامًا، وغادروها في نهاية المطاف بعد أن نشبت ضدهم ثورة في جنوبها. استمر ملوك حمير يحكمون اليمن حتى عام 524م، حيث أنه في ذلك التاريخ احتل الأكسوميون جنوبي جزيرة العرب مرة أخرى، وبسطوا نفوذهم عليها، وضاع مُلك الحميريين. ويرجع السبب في هذا الهجوم إلى أن الحميريين كانوا يجدون خطرًا كبيرًا في انتشار المسيحية في اليمن، فقد كان مسيحيو نجران يجدون دعمًا من القسطنطينية في شكل منصّرين، وتعضيدًا ماديًا من جانب السلطات الأكسومية المسيحية، وإزاء هذا الموقف قام الملك الحميري "ذا نواس" بجمع النصارى النجرانيين في أحد الأخاديد، وأشعل فيهم النيران من كل جانب، وأحرقهم حتى قضى على الكثيرين منهم في نحو عام 523م. بناءً على ذلك هبّت القسطنطينية لتدافع عن المسيحيين العرب، فأوعزت إلى حليفتها الحبشة بالهجوم على اليمن، فخرج الأحباش من بلادهم، وغزوا الحميريين في اليمن واستولوا على البلاد، وبذلك انتهت المملكة الحميرية.
ممالك الشمال
أنشأ العرب بضعة ممالك ودول أخرى في شمال شبه الجزيرة العربية وفي بعض أنحاء بلاد الشام، التي انتقلوا إليها كقبائل مرتحلة في بادئ الأمر. وعاش قسم آخر من العرب في وسط شبه الجزيرة العربية حياة البداوة والترحال، وأسسوا مجتمعات مصغرة عُرفت باسم العشائر، وكل مجموعة منها أسست قبيلة. أما أبرز ممالك الشمال فكانت:
مملكة كنْــدة
تُعرف قبيلة كندة القحطانية كندة بكندة الملوك لأن ملوكها حكموا بادية الحجاز ونجد، و انتزعوا ملك البحرين من المناذرة في ماعٌرف بالعصر الجاهلي، يعود ذكرهم إلى القرن الثاني ق.م على أقل تقدير وكان لهم دورا مفصليا في تاريخ الجزيرة العربية وخاصة في اليمن ونجد . نزح الكنديّون من اليمن إلى وسط شبه الجزيرة العربية حيث سطّروا تاريخهم الفعلي. وتتعدد روايات الإخباريين حول سبب هذا النزوح، وأشهرها اثنتان: الأولى تُرجع النزوح إلى سبب سياسي هو حرب قامت بين كندة ومملكة حمير بسبب السيطرة على الطرق التجارية، هُزمت فيها كندة وغادرت اليمن بعد اضطراب الأوضاع فيها بفعل انهيار سد مأرب أو تحوّل الطريق التجاري. أما الثانية فترجع النزوح إلى سبب أسري، من واقع ربط تاريخ كندة بتاريخ حمير بفعل علاقة القرابة التي ربطت بين حسان بن تبع وبين حجر بن عمرو، المشهور بآكل المرار سيد كندة، الذي ساعد حسانًا في حروبه، فقابله بأن ولاّه على قبائل معد كلها.
لم يكن لكندة حضارة على مستوى حضارات ممالك الجنوب والشمال، إذ أنهم احتفظوا بعاداتهم ونظمهم القبلية، كما لم تكن لهم حواضر ثابتة وإنما كانوا في تنقل دائم بين الشمال والجنوب، غير أنهم أسسوا خلال اسقرارهم مراكز عمرانية مثل قرية الفاو المعروفة و دومة الجندل التي شيّدوا فيها القصور مثل قصر مارد، وكانوا ينعمون فيها متأثرين بالروم البيزنطيين والفرس الساسانيين، كما عاشوا في قباب من النسيج أو فساطيط على عادة أهل البدو. اتصف الكنديون بالبراعة في القتال، وظهر منهم شعراء كبار أمثال امرئ القيس بن حجر ومعديكرب بن الحارث، وللأول فضل كبير على تطور الشعر العربي بما أدخل فيه من الفنون الجديدة كانت مثالاً احتذاه الشعراء، فقد وقف على الأطلال واستوقف، وبكى في شعره، وذكر الحبيب والمنزل، وشبّه بدقة. واعتنق أغلب الكنديون الوثنية، وبعضهم اعتنق اليهودية، وبعضهم الآخر اعتنق المسيحية.
مملكة الأنباط
الأنباط أو النبط، هم قبائل عربية بدوية، نزحوا من شبه الجزيرة العربية منذ القرن السادس قبل الميلاد، وانتشروا في بادية شرقي الأردن، شمالي الحجاز، ونزلوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة الكنعانيين والآراميين عن طريق القوافل الذي يمتد بين الشام ومصر، وتوسعوا على حساب الأدوميين في شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين، ثم أنشأوا لهم دولة عربية امتدت من نهر الفرات شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا، يحدها من الغرب وادي عربة، ومن الجنوب بادية الحجاز، ومن الشرق بادية الشام، ومن الشمال فلسطين. يرى بعض المؤرخين الآخرين، مثل القديس جيروم، أن الأنباط من نسل "نبايوط" الابن الأكبر للنبي إسماعيل، وهناك من يرى أنهم من العراق جاء بهم نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد عند فتحه فلسطين ونزلوا البتراء واستقروا بها. وسّع الأنباط خلال ازدهار قوتهم أراضي دولتهم، فشملت: دمشق، وسهل البقاع، وجبل عامل، والأقسام الجنوبية والشرقية من فلسطين، وحوران، وأدوم، ومدين، وديدان، وسواحل البحر الأحمر. وبنى الأنباط المدن وأشأوا القرى، واتخذوا مدينة البتراء عاصمة لهم، وتقع في جنوب غربي وادي موسى في شرقي الأردن على الخط التجاري الذي يصل جنوبي شبه الجزيرة العربية بشمالها. تتميز بلاد الأنباط بأنها بلاد جبلية قفراء قليلة المياه تكثر فيها المرتفعات الصخرية الوعرة والشُعب، وقد انعكست هذه الطبيعة على النبط فطبعتهم بطابعها، لذلك عُرف الأنباط بشدة المراس، وساعدتهم هذه البيئة الصخرية على صدّ هجمات الأعداء، ومن أجل ذلك سمّى اليونان بلادهم باسم "بلاد العرب الصخرية" كما سُميت عاصمتهم بالبتراء (باليونانية: πέτρα)؛ أي الصخرة لأنها منحوتة في الصخور، وعُرفت في المصادر العربية باسم "الرقيم"، أي النقش القديم، كما أتاحت لهم هذه الطبيعة أن يمارسوا العمل التجاري، فنقلوا السلع بين مختلف الأقاليم، وسيطروا على طريق القوافل التجارية الموازي للبحر الأحمر، والذي يربط اليمن وشبه الجزيرة العربية الجنوبية بالشام ومصر عن طريق غزة، والمدن الفينيقية على البحر المتوسط. جاء انهيار مملكة الأنباط عندما قام الإمبراطور الروماني تراجان سنة 106 بمهاجمتها، وتحويل خط سير الطريق التجاري المار من العاصمة البتراء، إلى مدينة بصرى، فانهار اقتصادها، وتضعضع كيانها حتى سقطت.
مملكة المناذرة والغساسنة
قامت في الحيرة، في العراق، خلال القرن الثاني الميلادي، إمارة المناذرة، أو بنو لخم. والمناذرة أسرة عربية قدمت من اليمن أساسًا واستقرت في العراق وحكمت جنوبه بتشجيع ودعم من الفرس، ذلك أن الإمبراطورية الفارسية كانت قد ضعفت بعض الشيء في ذلك الوقت ورغبت بإقامة حاجز بينها وبين شبه الجزيرة العربية يقيها هجمات البدو المتكررة، فدعموا بني لخم حتى جعلوا منهم إمارة حدودية فاصلة بين أراضي الفرس والعرب. اعتنق المناذرة المسيحية على المذهب النسطوري في عهد الملك النعمان بن المنذر، وكانوا يجمعون الضرائب من القبائل العربية القريبة منهم ويقدمونها إلى الفرس، وكان بلاط الحيرة مقصدًا للشعراء العرب.
أما الغساسنة فيرجع أصلهم إلى أزد اليمن، هاجروا من جنوبي شبه الجزيرة العربية إلى بادية الشام قبل أو بعد حادثة سيل العرم، بفعل تصدّع سد مأرب أو تهدمه، وقد ساروا في بادئ الأمر إلى تهامة بين بلاد الأشعريين وعك، ونزلوا على ماء يُقال له غسّان، فنسبوا إليه، وكانت هذه القبيلة بزعامة عمرو بن عامر مزيقاء، ثم انتقلوا إلى بلاد الشام، ونزلوا في حوران والجولان وغوطة دمشق وأعمالها، ونزل قسم منهم في الأردن. استطاع الغساسنة بعد اسقرارهم في الشام أن يزيحوا بني سليح القضّاعيين، وهم وكلاء البيزنطيين، ويبيدونهم، ويتولون مهمتهم، ألا وهي الدفاع عن حدود الإمبراطورية البيزنطية الجنوبية. اعتنق الغساسنة المسيحية، على المذهب اليعقوبي السائد في الشام، وأشهر ملوكهم الحارث بن جبلة الذي رضي الروم عنه فعينوه بطريركًا عام 529.
ممالك أخرى (مملكة ميسان، مملكة الحضر، مملكة الرها، مملكة تدمر)
استوطن العرب عدّة ممالك كبيرة أخرى قامت في شمال شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام خلال العصور القديمة، واختلطوا فيها مع الآراميين والفرس والإغريق، واعتنق قسم كبير منهم اللغة والهوية الآرامية بعد عقود عديدة. يعتبر قسم من المؤرخين هذه الممالك ممالكًا عربية، وحجتهم في ذلك هي أن أسماء سكانها تعتبر من الأسماء العربية الشائعة في ذلك الزمن مثل: معن، مذعور، أبجر، وائل، عبدو، بكر، وصخر. كما حكم بعض هذه الممالك ملوك من أصول عربية كما يتزح كذلك من اسمائهم. غير أن ملوكها اتخذوا لاحقا أسماءا آرامية وفارسية وأرمنية.
من أشهر الممالك التي قطنها العرب في الشام إلى جانب شعوب أخرى: ميسان التي قطنها العرب والفرس والإغريق، الحضر التي قطنها العرب إلى جانب الآراميين والإغريق، الرها التي استوطنها الآراميين والإغريق، ثم توافدت عليها قبائل عربية من اليمن، أبرزها قبيلة طيء، وسكنت بواديها. ولعلّ أشهر هذه الممالك هي مملكة تدمر، التي سكنها كل من الآراميين والعرب، ونسب بعض الإخباريون العرب بنائها إلى شخصية خرافية هي تدمر بنت حسان بن أذينة بن السميدع التي يرتفع نسبها إلى سام بن نوح، وذكر بعضهم أن الزباء، ملكة تدمر هي ابنة عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر من أهل بيت عاملة من العماليق.
منقول بتصرف
ودمتم بخير