فرقة ناجي عطا الله
بسم الله الرحمن الرحيم
(( فرقة ناجي عطا الله ))
يوسف معاطي
في بيت رافي دافيدوفيتش ، كان رافي وآياليت الظبية جالسين في حجرة الصالون ... كان رافي يشرب .. وهو في قمة الضيق ، وآياليت في قمة العصبية .
- نمشي نروح فين يارافي ... إنت تجننت ... نسيب إسرائيل ... دي أكبر خيانة ... إنت أكيد مش دريان إنت بتقول إيه؟! إحنا مولودين هنا ... ودي أرضنا اللي لازم نفضل موجودين فيها لغاية ما نموت.
قال رافي بضيق:
- موجودين آه ... إنما عايشين لا.... بلدنا قد كده يا آياليت راس دبوس عالخريطة إسرائيل دي كلها أصغر من ولاية (( نيوجرسي)) ، ومحاصرين بجيران بيكرهونا وما ببيطيقوناش ، ومش عاوزين يعترفوا بينا . عايشين في رعب مالوش أخر ، وأي حاجة تحصل حوالينا تخلينا نترعش من الخوف ... أي خطاب يقوله أي رئيس دولة من الدول المجاورة يرفع عندنا حالة الاستعداد القصوى والتوتر يزيد ... إسرائيل حتى معندهاش سيبيريا علشان الخبراء والسكان يتراجعوا ليها في مواجهة أي جيش بيجي.. حتى سيناء إتاخذت مننا ..عمالين ننكمش وننخنق ... صدقيني يا آياليت الحياة هنا مستحيلة ... لازم أي اسرائيلي يعيش سنة كل أربع سنين برة إسرائيل .. وإلآ كلنا ح يجيلنا انهيار عصبي .. ح نتجنن!!
قامت آياليت وأمسكت به، كأنها تحاول أن تفيقه من أثر الخمر ، وقالت له وهي تهزه بعنف:
- اسمع يا رافي .... الكلام اللي بتقوله ده كلام خطير ... أنا ح أعديهولك عشان إنت شارب ، ومش في وعيك .
قال رافي والدموع تملأ عينيه ، وبدا كطفل بلا حول ولا قوة :
- أنا عمري ما بابأة في وعيي غير وأنا شارب يا آياليت .. وعموماً ... اكتبي فيا تقرير للشاباك .. قوليلهم رافي بيقول إن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عدواني وفاشي وعنصري.. ومخنوق وفظ .. ومرتجف ومكتئب .. قوليلهم إن الديسكو لما وقع في الأوتيل .. وانهار المبنى ... محدش تصور غير إن دي ضربة من العرب .. إحنا عايشين في لعبة مالهاش نهاية ..
- يوسي كرمي لو سمعك بتقول كده يرميك في السجن!!
نظر رافي نحوها...ساخراً وقال بمرارة:
- لو سمعني!! هو مش سامعني دلوقت ؟ معقولة!! أنا متخيل إني في أخر كلامي ح الاقيه طالع لي من تحت السرير ، ولا من جوه الدولاب .
صرخت آياليت فيه قائلة:
- إنت وقح وسافل .
- عاوزاني أبأة جنتلمان يا آياليت؟
ثم أمسك بيدها .. وشدها بعنف ليرقص معها.. فدفعته بقوة.. فوقع على السرير ، وقال:
- شفتي بأة .. الجنتلمان ما يمشيش هنا... تعرفي يا آليت إن اللغة العبرية هي اللغة الوحيدة اللي ما فيهاش تعبير مرادف لكلمة جنتلمان .. عارفة ليه ؟ لأن المفهوم نفسه غريب على المجتمع الإسرائيلي ، واللي عاوز يبأة جنتلمان فعلاً.. لازم يخرج من هنا ... النموذج بره في أوروبا ... مش هنا يا ماما.
- إنت لما بتشرب بتبأة كئيب ولا تطاق .
- إحنا رضعنا الكآبة هنا ... قوليلي مناسبة واحدة بتفرحنا في إسرائيل .. كل احتفالاتنا .. حفلات تأبين على اللي اتقتلوا في حروب إسرائيل .. البلد كلها بتقف تلطم وتصوت ، والأخ يوسي كرمي يكتب تقارير في اللي ما بيلطموش.. عشان اللي ما يلطمش في اليوم ده يبأة خاين لدولة إسرائيل . وسق
وسقط رافي على الكرسي وأخذ يبكي بحرقة ... أما آياليت فقد نظرت نحوه باحتقار ، وتركت الغرفة.
في مقهى ومطعم كليوباترا ، كان التلفزيون الإسرائيلي يذيع الأخبار.. وناجي ومزراحي وعوفاديا يتابعون النشرة ، والمذيع يتكلم بأسى، وهو يعلن:
- اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي (( يائيل زئيف)) في حجرته بالفندق .. ويذكر أن أصابع الاتهام تشير نحو بعض الفصائل الإرهابية الفلسطينية ، التي لم تعلن إحداها حتى الآن مسئوليتها عن الحادث...
كان ناجي يكمل حديثه لمزراحي قائلاً:
- أنا قاعد يا مزراحي وصوت ضرب النار ح يخرم ودني مع إني إيه ؟ قاعد في شقتي... وشوف الأوتيل فين؟!!
دخلت (( هوني)) المقهى ، ومعها عدد من الشباب ، وهي تصرخ بمنتهى الثورة والغضب:
- لازم الحكومة ترد على اللي حصل ده .. رد عنيف قاسي . وإلا يمشوا ويسيبوا الحكم .. كفاية بأة فساد وفضايح وقرف .. الضرب وصل تل أبيب.
قال ناجي لها باسماً محاولا تهدئتها:
- إيه يا هوني يا حبيبتي .. ما تخليكي محضر خير وتهدي كده يا ماما !!
- أرجوك مستر ناجي .. اللي حصل ده كارثة ، ولو ما كانش الرد مناسب وقوي ... ح يتكرر بصورة أفظع وأبشع مليون مرة.
- ما هو من عمايلكوا يا ماما .. نازلين بنا في المستوطنات وإترا ع العالم ، عشان كده محدش طايقكو!!
- دي أرضنا مستر ناجي.. أرضنا اللي مكتوبة لشعبنا في التوراة .
- والجولان كانت مكتوبة روخرة في التوارة ؟ دي إنتوا حرامية.
هنا لم تتمالك هوني أعصابها ، وصرخت فيه:
- مستر ناجي ... أرجوك تحافظ على ألفاظك .. واتكلم كويس ..
ولم يتحمل ناجي صرختها ... وقام صارخاً فيها هو الآخر:
- إيه يابت إنتي .. إنتي ح تعلميني أتكلم إزاي ..
حاول مزراحي أن يهدىء الجو .. وأمسك بناجي قائلاً:
- أرجوكوا يا جماعة .. نهدا.. عيب ياهوني.. مستر ناجي زي والدك .. وبعدين التحقيق لسه شغال، ومحدش عارف مين اللي قتل الوزير .
قالت هوني مؤكدة :
- مفيش غيرهم .. الإرهابيين الفلسطينيينهما اللي عملوا كده .. ده أسلوبهم.
قال ناجي:
- ما ترميش بلاكي ع الناس.. ما يمكن الراجل كان معاه مزه .. جوزها عرف.. راح له ع الأوتيل وخلص عليه ... بتحصل .. بتحصل ولا مش بتحصل يا مزراحي!!
قالت هوني:
- إنت مستر ناجي مش يتضايق لو زير مصري اغتالوه!!
- لا ... وإحنا عندنا وزير يغتالوه برضه.. إنتي اتهبلتي.. الوزير المصري بيمشي وراه حراسة تحتل تل أبيب دي كلها.. إنتي فاكرة وزير مصري يمشي كده ، إي دورا وإيد قدام.. إنتوا خايبين هنا!!
وتركت هوني المقهى ، وهو في قمة الغيظ ، وناجي ينظر نحوها ساخراً..
وحاول مزراحي أن يحتوي الموقف ..فقال:
- عصبية كتير هوني... بس يحب إسرائيل كمان!!
قال ناجي:
- قولها بس تشيل مصر من دماغها .. طالعة في المظاهرات تشتم مصر، وأنا لعلمكساكت علشاتك يامزراحي ..أنا ممكن أهزأها.
- معلش ناجي بك ... لسه شباب صغير.. إسرائيل كله يحب مصر.. إنت عارف لما السادات جه هنا عشان سلام ، خرجنا كلنا نستقبله ، وأنا كنت يمسك علم مصر في إيدي وهو بص لي.. وضحك كده وعدل شنبه.. أنا يفتكره كويس.
- في فندق (( دانييل)) .. كان الاسرائيليون يحتفلون بثورة يوليو... كان الموقف يبدو غريباً وكوميدياً ... هل يحتفل الإسرائيليون بثورة ((عبدالناصر))!! هذه هي السياسة .. ولذا لا يصدق أحد رجال السياسة .. كان الإسرائيليون يدخلون إلى قاعة الحفل بابتسامة ، لا تحمل أي معنى .. وناجي عطا الله يستقبلهم واقفاً بجوار السفير .. وقيادات اسرائيل كلها جاءت إلى الحفل .. وطلع ناجي عطا الله على المنصة لكي يلقي كلمة ، وبدأ خطبته .. باللغة العبرية .. فانفجروا ضاحكين .. ثم قال:
- أنا بعرف اتكلم عبري كويس .. إنما عشان دي حفلة ثورة يوليو.. أنا ح اتكلم عربي.. ومتهيألي إنكوا بتفهموا اللهجة المصرية كويس .. السفارة المصرية وسعادة السفير بترحب بيكم وبتشكركم على حضوركم .. معلش أنا مش واخد ع الكلام الكبير بتاع الخطب والتصريحات .. إنما أنا اللي عامل الحفلة دي من الالف للياء.. عامل لكوا شوية فول بالقوطة .. ح تاكلوا صوابعكوا وراهم.. الأكلات مصرية والغنا مصري.. يعني باختصار هي ليلة مصرية .. أتمنى إنكوا تتبسطوا معنا.
ونل ناجي على المنصة ، وهم يصفقون له بحرارة .. كان الصحفي سراج واقفاً بالحفل.. فاقترب ناجي منه.. قال له سراج:
- إيه ده يا ناجي بيه .. إنت طلعت إعلامي جامد قوي !!
- عليا النعمة ما كنت عارف أنا بقول إيه؟ هما كانوا فاهمين حاجة؟
- آه طبعاً .. أمال كانوا بيسقفوا ليه؟!!
- هما ما سقفوش إلا لما قلت فول بالقوطة!!
وضحك سراج وانطلق في الحفل يلتقط صوراً لبعض الموجودين .. وذهب ناجي إلى اسحاق هلليفي ، مدير بنك (( بارليف)) وهو يقدم له كوباً من الخروب:
- مستر هلليفي .. امسك شوية خروب بأة يستاهلوا بقك!!
- إيه خروب ده؟!
- اشرب بس .. اشرب
أخذ هلليفي يتذوق الخروب باستمتاع.. وقد ساد الحفل جو ودي.. وبرغم ذلك.. كان شيئاً ما زائفاً ومصنوعاً يشعر به أي إنسان إذا حضر هذا الحفل.. وبينما كان ناجي عطا الله مندمجاً تماماً في نكاته وأحاديثه ونوادره ، التي لا تنتهي مع الإسرائيليين الموجودين بالحفل.. اقترب منه أحد رجال السفارة المصرية (( محسن)) ، وفي يده تليفون، وقال له:
- ناجي بيه.. التلفزيون المصري عاوزين يتكلموا مع سعادتك ع الهوا .
- بخصوص إيه؟!
- بخصوص موضوع جمال بيه.. والحفلة .
أخذ ناجي يتحدث في التليفون :
- آلو...آلو
سأله المذيع:
- ناجي بيه.. الشارع المصري ملتهب ورافض تماماً لفكرة إقامة حفل، يجمع بين المصريين والصهاينة.. في وقت تتكرر فيه الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.. إيه رأيك؟!!
رد عليه ناجي بسرعة:
- شوف يا أستاذ .. الشارع الإسرائيلي هو كمان ملتهب ورافض تماماً لإقامة الحفل.. بس أنا عاوز أأكد على حاجة مهمة .. احتفالنا بثورة يوليو هنا في قلب (( تل أبيب)) .. وعلم مصر مرفوع قدام الكل دليل على قوة مصر.. وأنا بكلمك أهوه من الحفل والأغاني الوطنية إنتوا سامعينها .. ناصر يا حرية.. ناصر ياوطنية.. إحنا بنعمل اللي إحنا عاوزينه هنا.. وبعدين السفارة بتاعتهم عندكوا في مصر ولا حد بيعبرهم ولا بيقولهم إنتوا فين؟ إحنا كبار قوي ... والإسرائيليين بيعملو لنا ألف حساب.
ويسأله المذيع:
- أستاذ ناجي.. هل ستحضر السفارة المصرية الحفل السنوي، الذي تقيمه إسرائيل والذي تسميه عيد الاستقلال ، بينما هو عيد النكبة وعيد الاغتصاب للأراضي الفلسطينية؟!!
- عيد الاستقلال إيه؟ هما دول بيعملوا حفلات .. دول كل حفلاتهم عياط ولطم على اللي ماتوا منهم في الحروب.. دول بيطلعوا القرافة.. إحنا ما جيناش هنا إلا بعد ما الجيش المصري إداهم على دماغهم في 6 أكتوبر، وارجو إن الرسالة تكون وصلت.
المصدر: فرقة ناجي عطا الله ، يوسف معاطي، ط1، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2012
سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك ربي وأتوب إليك
وصلى اللهم على سيدنا محمد على آله وصحبه وسلم تسليم كثير طيب مبارك فيه
|