الحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .... أما بعد
لقد تباينت الآراء حول أمطار جدة
فمن قائل يقول هي عذاب أليم
ومن مجازف يقول هي ليست عذابا
و مجازف آخر يقول جدة هي أفسد البقاع
ومن رابع مسرف على نفسه يقول هي كوارث طبيعية ليس لها علاقة بالشرع
إلى غير ذلك من الآراء المتباينة
ولذلك رأيت أن أكتب هذا الموضوع وهو عبارة عن
وقفات شرعية مع ما حدث مؤخرا في جدة
أولا : ماحدث في جدة من أمطار وسيول هو بقضاء الله وقدره وحكمته
وليس في قضاء الله تعالى " شر محض"
قال تعالى (.... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ .... )
ولذلك نقول إن ماحدث في جدة وإن كان ظاهره الشر فإن في باطنه خير قد نعلمه وقد لانعلمه
ثانيا : لا نقول أن جدة هي أفسد بقاع الدنيا
ولا نقول أن الذين ماتوا أو أصيبوا أو خسروا ممتلكاتهم أنهم هم شرار خلق الله
ولانقول أن هذا عقوبة لهم
ولا نقول أن الأشخاص المنكوبين و الأحياء المنكوبة على وجه الخصوص هي بؤرة للفساد
فنحن نعلم أن منهم عبّاد وأتقياء بل وأطفال لم يجر عليهم التكليف
ثالثا : من قال أن هذا عذاب فقط فهو مخطئ
و من قال أنه ليس عذاب إطلاقا فهذا أيضا مخطئ ومجازف بقوله هذا
ولكن نقول : فيها عذاب وعظة وعبرة وتذكرة وبلاء وتمحيص وتكريم كل حسب حاله
رابعا : نقول : الكوارث في أي أرض كانت سواء في جدة أو غيرها
فيها عظة وعبرة لكل المسلمين وليس لأهل جدة فقط
خامسا : أمطار جدة الأخيرة هي ( آية من آيات الله )
و مثلها كمثل الزلازل والخسف والفيضانات والكسوف والخسوف والأعاصير وغيرها وهذه الآيات يرسلها الله تخويفا لعباده
قال تعالى ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا )
سادسا : في أمطار جدة تنبيه لقلوب الغافلين حتى يتوبوا ويعودوا إلى الله تعالى
قال تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
سابعا : في أمطار جدة أبلغ العبر والعظات لمن له قلب وسمع وبصر
ففي ساعات معدودة ذهبت أنفس وأموال وممتلكات بل كادت أن تذهب مدينة جدة بأكملها
ثامنا : قد يكون في أمطار جدة تكريم ورفعة لدرجة بعض المتوفين غرقا بالشهادة
وفيها ابتلاء واختبار ورفعة في الدرجات لمن أصيب بفقد قريب أو سيارة أو منزل فصبر لحكم الله ولم يسخط
تاسعا : في أمطار جدة ابتلاء واختبار وتمحيص أيضا لبعض الناس ليخرج مافي قلبه من طمع وجشع واستغلال لهذه المصيبة
فمنهم أصحاب الشقق المفروشة الذين رفعوا الإيجارات
ومنهم أصحاب الرافعات والساطحات وورش السيارات الذين رفعوا أسعارهم بعد المصيبة
ومنهم من سيتقدم للجهات الرسمية طالبا للتعويض عن خسائر لم تكن بسبب الأمطار الأخيرة
عاشرا : في أمطار جدة كشف لمن خان الأمانة من المسؤولين
وفيها تنبيه لنا لتصحيح أخطائنا من حيث مواقع المخططات وهندسة الطرق والأنفاق وتصريف السيول و غيرها من الأخطاء التي انكشفت لنا بسبب هذه الكارثة
أحدى عشر : في أمطار جدة تمحيص وكشف لمواقف الناس من هذا الحدث
فمنهم المؤمنين الذين يعلمون أن هذا الذي حصل هو بقضاء الله وقدره
ومنهم المنافقين الذين يرفضون ربط هذا الذي حصل بالشرع و إنما يعلقون ماحدث بأنها كوارث طبيعية ليس للشرع فيها دخل
قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
وقال تعالى (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )
اثنى عشر : لا نريد أن نكون معرضين غافلين عن آيات الله سبحانه وتعالى
فلا نريد أن نكون كمن قال الله فيهم ( وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ )
ولانريد أن نكون كمن قال الله فيهم ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ )
أخيرا : أقول لمن مستهم المصيبة من أهل جدة :
نحن إخوانكم ونحبكم في الله وآلمنا مصابكم
و لا يمكن لنا أن نشمت بكم
فنسأل الله أن يتقبل من مات منكم شهيدا
وأن يعوض الباقين خيرا فيما فقدوه من أنفس وأموال وممتلكات
وإنا لله وإنا إليه راجعون
والحمد لله رب العالمين
======
كتبها : أبوعبدالله
مساء الجمعة 17 ذوالحجة 1430 هـ
تحياتي