بسم الله الله الرحمن الرحيم
قصة حياة
الفارس المغوار الشيخ عبدالله بن عابد الغريفي اللحياني الهذلي ذيب شوطان من مواليد عام 1280هـ تقريباً
نشأته
نشأ عبدالله في بيئة بدوية صعبة في وقت تكثر فيه الغارات والثارات وتغزو القبائل بعضها بعضاً ولا يأمن الإنسان على نفسه من الغدر والقتل , مع إنتشار الفقر والجوع وشح العيش , وانفلات الأمن , فلا عيش لضعيف أو جبان , في فترة تميزت بضعف حكم الشريف عون الرفيق بن محمد بن عون أمير الحجاز لمدة 25سنة , من عام (1299هـ وحتى عام 1323هـ) وعدم سيطرته على بعض القبائل وانشغاله ببعض الخلافات الجانبية وظلمه وإهماله للقبائل حتى قال عنه الشريف محمد بن مهنا العبدلي ، وكيل الإمارة بجدة وأمير عربانها : "ومنها أكله معظم الجرايات والمعاشات المقررة من الدولة للبوادي والأهالي حتى اضطروا إلى العصيان وقطع السبل ، وبذلك أصبح الحجاز من أخوف بلاد الله " .
يعنى الذي لا يثأر لنفسه لا يجد من يثأر له , وهنا بدأت قصة فارسنا الشاعر عبدالله مع الثأر والدفاع عن حمى القبيلة
روى لي الشيخ مصلح بن صليّح الغريفي قصة الشيخ الشاعر والفارس المغوار عبدالله بن عابد الغريفي بحضور الشيخ ستيّر بن عطيان الغريفي , والأخ الأستاذ صالح بن غالي بن عبدالله الغريفي حفيده الذي حفظ الكثير من قصصه , وهو الذي روى لي قصائده وفسّر معانيها , وذلك يوم الخميس 10/11/1430هـ بعد صلاة العصر , فقال الشيخ مصلح : حسب ما روي لنا , وأكده كبار السن , ان الرّوقة تعدوا على الروسان من الملاهمة من لحيان , وقتلوا أربعة من الصغار فيهم أطفال , فهربوا وتمنعوا , فذهب أهل المقتولين من الروسان إلى الشريف عون ونصبوا خيمة عند قصر الشريف لمدة شهرين تقريباً , طالبوا بدم القتلة , فلم يجدوا نتيجة , فعادوا إلى ديارهم ومنازلهم , وعندها عزم عبدالله الغريفي على الإنتقام من الروقة وكان شاباً يافعاً , فبيّت النية وتقصى عن أخبارهم حتى سمع من مصادره بأن الروقة نزلوا الخبت بحثاً عن المرعى فتوجه إليهم وتربص بهم , فستطاع قبيل الغروب أن يترصد لواحد من الروقة فيقتله ثم جاء الثاني لينقذ الأول فألحق به صاحبه فقتلهما , فصاح القوم وتنادوا , وأحذوا يبحثون عنه في كل إتجاه , فقام عبدالله بحيلة , فصعد على رجبة عالية وأشار بعمامته إلى جهةٍ مخالفة , وكأنه منهم يخبرهم بجهة إنطلاق غريمهم , وانطلق هو في جهة أخرى مع الغروب فلم يستطع احد من الروقة اللاحق به , وانتهى إلى ديار لحيان الشاسعة , ولجأ إلى بيت من بيوت الصلعات , وطلب من صاحبة البيت أن تسقيه سمناً , لأنه محقون وهي الفحمة , فناولته عكة السمن فشرب منها حتى تدواي مما معه من الحقنة , وبعد رجوعه تغنى بالمجالسي المعروف :
قال الغريفي يوم هجرس وغنـّا == يبدع جديد القاف من كل فـنّا
مثل الزغيبى فوقها النحل دنّـا == من شِرة المصياف في أرض معفـاه
الليلة أنا أمـسيت مرتاح بالـي == والقيل ساعه طـاب لي واستوالي
من بعد ما اخذت القضا في رجالي == ديـنٍ بعيدٍ جابـه الله وصدنـاه
يا راكبٍ من عندنا فـوق شقران == ما فـوقه إلاّ الكـور زاهي وحقبان
والخُرج والجاعد وتكْليف غرضان == وعذيـِّرٍ فالخــد معدول يـزهاه
ما يشرب إلاّ من حليب العشاير == عدايله مـن نقـو حمـرٍ غزايـر
ما قـط دنِّي للرحل في الـقطاير == دوبه معفي عـند راعيه يغــذاه
وليا نفر مثل الغـزال الفريـدي == ولا ترده مـبـهمات الحديـدي
ركض النضا ينقص وركضه يزيدي= ولا كل ركّابٍ يعـوجه ويقـواه
فوقـه صبي من رجـال الشجاعة == لا هو بهـلبوجٍ ولا هو صواعـه
بيطار ويكيل الـجمل في ذراعـه == وهو هميم يحث مشيـه ويـقداه
قله ضحى ممشاك من دار لحـيان == وموقده والدرب من عند عسفان
نوِّخ صلاة العصر في وادي غران == وملفاك أبو مسعود واحذر تـعداه
تلقـى بنـيخينـا رجال الحميه == أهل الوفـا والقاله الصيرمـيـة
جبير وبـناخـيه الربع السويـّة == لا شافت اللافي ترحبّه وتـنصاه
ليا جيتهم فالبيت حسية رياجيل == الفال والكوماء وزين المـعاميل
ويبهرون الشذليّه من الـهيـل == فنجان يشذى في الدلال المجلاّه
وصلّي الـرّد وبـلّغ كـلامـي == وقول أنا مرسول وهذا علامي
من عند عبدالله لكم يالحشامي == وقل لهم شور الهدى ما نسيناه
الآد عمّي ياالرجـال الـنمورة == نبغى نشاوركم ونبغى المشـورة
في قالة العتبان حطو محـورة == يبغى الزلامي صلح من عقب ما جاه
ماني بشمّات على ما جـرا له == أتـلا تليه يوم ذِبـْحوا رجاله
ضلاّ على الحكام يشكي حواله == حيث ان جاته كيتينٍ معرقـاه
يشكي على الحكام وآضاه خاشي == ويلد وان الكذب ما هو بماشي
مما بروحه يلتـحف بالقشـاشي == يرمث بعمره والرياجيل تـقفاه
هذا جزاء منا عسى الله يعـينّا == يطيح في الورعـان والمرضعينا
ما يحسب ان رجالهم في يديـنا == نقدر على الباطل نرده ونرباه
هاك العشيّة جيت غازي لحالي == أبغى خلاص الدين عند العوالي
وارويت منهم مرهفات السلالي == أمسيت شلـفاتي وخلبي محنـاه
جاهم صبيٍ صادهم بالبصـاير == واروى حراز الحزم من دم حاير
بالمرهفات اللي تعقب فطـاير == من يد منـه تنثـر الـدم يمناه
ما ذمكم يالاد روق العـوادي == جاني فزعكم فوق ركب جيادي
والكل منكم ما ذخر فالطرادي == لكن ما ينصاد من ربـه أنجـاه
واختـم كلامي بالنبيّ وصلاته == عداد ركب في الزايّرات جاتـه
وعداد من هو حج واخرج زكاته == وموفي حقوق الله ومهديه مولاه
وأرسل المجالسي للشيخ (ابو مسعود) جبير بن فرج الله اللحياني النازل في غران إحدى ديار لحيان قديماً , جلا إليها جبير على أثر خلاف مع البعض , وقال عبدالله للمرسول : قل لجبير يكمّل الثأر , لأنه قتل أثنين وبقي أثنين منهم , فقام جبيّر بعد وصول الرسول إليه , وسماع الخبر والمجالسي بالتوجه مع عبد من عبيده يُقال له (ابو عفيف) واسمه عبدالله , كان قوياً وطويلاً وشجاعاً , فقدم أبو مسعود جبير مع عبده عفيف إلى ريع النقواء من جهة ام السلم من ديار لحيان وكان ممراً للقوافل والداخلين إلى مكة والخارجين منها من جهة الشمال , والشمال الشرقي , وترصد للمارين من هذا الريع , حتى مـــرّ عليه أثنان من الروقة لم يعرفهما وكان يظن أنهما من الأشراف المناعمة , حتى قال أحدهما: ( أنا ولد روق ) معتزياً بربعه , تأكد جبير انهما من الروقة , قام بذبحهما , وأخذ بثأر ربعه , وهنا تساوى الثأر أربعة بأربعة , مع وجود فارق في قتلى لحيان فأنهم كانوا أطفالاً , أما قتلى الروقة فهم رجال بالغون .
وبعد هذه الواقعة تعدّى الروقة على إبن جبير ( مسعود ) وقتلوه في ليلة ظلماء حتى أن من قتله لا يرى قاتله إنما يتلمسه ولقد أنشب جنبيته في عين قاتله وتركها وهرب , ثمّ تعدوا على والد عبدالله ( عابد ) وقتلوه في مراحه عند إبله , وقد كان عبدالله يحذّر والده من الروقة والغدر به , ولكنّ والده لم يكن يخشى من أحد , فقُتل , وقتلوا أيضاً أثنان من قبيلة لحيان , وهنا بدأت جولة أخرى من الثأر , فقام عبدالله وجبير ومن معهما من لحيان فقتلوا ستة من رجال الروقة وكان من ضمنهم رجل من زيدي من معبد من حرب قتلوه لأنه معهم ظناً منهم أنه من الروقة . واستاقوا أموال وحلال الروقة , واعادوا بها إلى ديارهم , وهنا توجه الروقة إلى شيخ المضيق في حينه من الأشراف , ودخلوا عليه وقالوا : ذهب مالنا وحلالنا ورجالنا , فكلّم شريف المضيق لحيان في مال الروقة وحلالهم , وقال لهم أنا أسدكم في شريف وحاكم مكة وتوصل معهم إلى هذا الحل , وهو أن تقوم لحيان برد أموالهم وحلالهم , وأن يكفوا عن بعضهم البعض , فردت لحيان أموالهم وحلالهم , فذهب بعد ذلك شيخ الروقة إلى شريف مكة , وقال لحيان قتلت منّا رجال عشرة , وقال له الشريف وانتم قتلتم منهم , وهم قتلوا منكم .
هذه القصة من أشهر قصص الشاعر عبدالله الغريفي , وتلى هذه القصة قصص وجولات من الكر والفر ومن الثأر , حتى أن قبيلة لحيان أخذت تترصد لكل من ينزل أو يمر على ديارها الشاسعة , وأصبح ذيب شوطان حذراً ومتمنعاً , وأصبح غرمائه يهابونه حتى في أبعد الأمكان من ديار لحيان
ولعلي أكتفي بهذا الجزء من حياته باختصار شديد .
والجزء الثاني بعنوان " الغريم المجنى " من حياة هذا الفارس المغوار
رحمه الله رحمة واسعه وعفى عنه وأسكنه فسيح جناته .
بقلم الباحث /مهنا بن رجاالله اللحياني الهذلي
قال تعالى " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون "
وقال تعالى " والذين جاؤ من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم"
كامل حقوق هذا الموضوع محفوظ لمنتديات قبيلة لحيان