الشيخ هايل بن عودة السرور المسعودي
الشيخ هايل عودة السرور
إعداد الدكتور محمد محمود خلف العناقرة
يعد الشيخ هايل عوده السرور شخصية أردنية مرموقة وفريدة من الرعيل الأول جمعت ما بين الهم الوطني والعربي وبين الشأن السياسي والتعليمي قلما توفرت في غيره. كثيرة هي المحطات الهامة والأدوار المميزة التي لعبتها هذه الشخصية في تاريخ الأردن، فهو قاض عشائري قبل كل شيء، حيث كان يأمُه المتخاصمون للإصلاح بينهم من شتى أنحاء الأردن، إضافة إلى الدور النضالي والمشاركة في المقاومة في فلسطين فقد تقلد العمل السياسي في مجلس الشعب السوري ومجلس الأعيان الأردني.
ولد المرحوم الشيخ هايل عام 1913 في منطقة الرويشد، وكان المسؤول عن العائلة والده عودة السرور وكانوا في مرحلة البداوة ولم تستقر عشائرهم في ذلك الوقت، وبرز شغفه بالتعلم وبالحياة العامة وفي المشاركة فيما يدور حوله من أحداث. فتنبه لذلك والده المرحوم عودة السرور وأمن له مدرس في ذلك الوقت يسمى (خطيب) ليعلمه ويدرسه أصول القراءة والكتابة ويثقفه بالشؤون العامة، وكان هذا الخطيب ينتقل مع البدو في حلهم وترحالهم وعندما تفتحت مداركه ومعارفه وتعلم أصول القراءة والكتابة بدأ بتثقيف نفسه فوصل لمرحلة من التعليم تتمثل في إجادته اللغة العربية بقواعدها وكذلك الفرنسية. وفي مطلع شبابه بدأ بتولي مسؤوليات يساعده بها والده وكان يشجعه على ذلك وتولي في آخر حياة والده المرحوم عودة سرور مسؤولية قيادة عشائر المساعيد وقبائل أهل الجبل، ثم لاحقاً دفع به إلى خوض الانتخابات النيابية ممثلاً لقبائل جبل العرب في ذلك الوقت. إذ أن عشائرهم كانت تنتقل في تلك المنطقة إذ أن الحدود السياسية لم تكن مرسمة ولم تكن واضحة فكانت مناطق عشائر أهل الجبل تمتد ما بين جبل العرب وما بين مناطق الأزرق حالياً وتضم أراضي أم الجمال والقرى التي شرقها، لكن معاهدة سايكس بيكو فرضت شيء من الخلل على هذه العشائر إذ أن استقرارها ومناطقها عندما ثبتت الحدود لاحقاً أصبحت داخل المملكة الأردنية الهاشمية (إمارة شرق الأردن) بينما فرض الفرنسيون عليها التمثيل السياسي مع منطقة جبل العرب فكان أن تقدم الشيخ هايل السرور للانتخابات في مجلس الشعب السوري وفاز في ذلك الوقت عدة مرات متتالية في المجلس، إلى أن أصبح مراقباً للمجلس في تلك الفترة. وشارك أيضاً في كافة الحركات الوطنية في ذلك الوقت.
وقد تحدث الشيخ برجس الحديد عن معرفته بالشيخ هايل سعد السرور قائلاً: سمعت عن الشيخ هايل السرور عندما كان عمري عشر سنوات منذ الطفولة كانوا أقاربي يتحدثون عن شجاعة هذا الرجل حيث كان يقاتل في فلسطين وكان على رأس مجموعة من شباب أهل الجبل وكان أخي هايل (المقصود هايل الحديد) رحمه الله على رأس مجموعة من أبناء البلقاء. كون الصداقة التي كانت تربط بينهم التقى الاثنين وشكلوا وحدة واحدة وقاتلوا اليهود في معركة احتلال بلدة (بدو) غرب القدس حيث تقدمت المجموعة وسقط أخي أثناء القتال جريحاً وكانت جراحه بليغة فحمله من أرض المعركة الشيخ هايل السرور ومعه أقاربي وشباب من عشائر الدعجة وكان يقول أخي هايل: "أنا إصابتي بليغة شيخ هايل لا يوجد في أي فائدة" ولكن الشيخ هايل أصر أن يخليه من أرض المعركة رغم كثافة الرماية وكان ذلك من باب الوفاء والصداقة وذهب به إلى مستشفى رام الله، ولكن أخي فارق الحياة قبل أن يصل المستشفى وكان أقاربي الذين كانوا مع أخي هايل يتحدثون عن هايل السرور ودماثة أخلاقه وشجاعته. وما التقيت الشيخ هايل السرور إلا بعد مرور خمسة عشر عاماً، عندما كنت ضابطاً في سلاح الجوي الملكي الأردني في قاعدة الحسين الجوية التي تقع بين المفرق وأم الجمال وكان ذلك اللقاء الأول بيننا وبقيت صديقاً له رغم اختلاف العمر بيننا إلى أن التقينا في مجلس الأعيان عام 1986 وكنت دائماً أجلس إلى جانبه وأسمع من حكمته وشعره وكان علم من أعلام الشعراء العرب حتى في سوريا، والعراق والأردن والسعودية، ما تذهب إلى مكان إلا وتسمع شعر الشيخ هايل السرور.
وأضاف الشيخ برجس الحديد قائلاً: بعد أن تقاعدت من سلاح الجو الملكي الأردني طبعاً لبست عباية وذهبت في صلحة بين الزبن وبين الفواز والتقيت أخي رحمة الله عليه ولم يعرفني أبداً سلمت عليه وسأل عن حالي وعندما سأل عن أخي فقمت وسملت عليه فضحك الجميع في الجاهة، لا يمكن أن يعرف أحد هايل السرور وينساه شخصية راقية دمث الخلق، سريع الخاطر، سريع البديهة، فارس، وبقيت على اتصال معه حتى التقينا في مجلس الأعيان وكانت مواقفه دائماً وطنية وكان قومي حتى النخاع. وتمثلت القومية عند الشيخ هايل في مشاركة في الحرب في فلسطين واستشهاد زميله وهذه تؤكد شخصية هذا الرجل وكان يشارك في الحوار في مجلس النواب وله رأي خاص مستقل، ودائماً لا يجامل ولا يهادن.
وتحدث الشيخ برجس الحديد عن القضاء العشائري عند هايل السرور قائلاً: أخذ القضاء العشائري وتدرب عليه عن والده عودة السرور، وطبعاً بعد وفاة والده هو استلم القيادة وبدأ عندما احتلت تركيا الأردن تقريباً وكانت مسيطرة على الكرك والطفيلة والسلط وعمان وكانت تخضع للأنظمة والإدارة العثمانية، أما الجزء الباقي المترامي الأطراف فكان يخضع للقضاء العشائري. ومعظمها مستمدة من الشريعة الإسلامية، ولذلك جلس الحكماء من العشائر ووضعوا قانون لحماية الضيف وإنصاف الجميع وكان هايل السرور أحد قضاة العشائر البارزين وكان دائماً مع الحق لا تأخذه فيها لومة لائم.
وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور عن القضاء العشائري قائلاً: اتيح لي في حياتي الأولى أن أحضر المجالس التي كان يتناول فيها هايل السرور قضايا تتعلق في خصوم ما بين أفراد العشائر من مختلف أنحاء الممكلةفكان ينتدب لحل هذه القضايا وكان يميل إلى أن يحاول حل المشكلة بالتوافق، وكان لا يلجأ إلى ما تقتضيه العادات العشائرية إلا إذا أعيته الحيلة في خلق التوافق ما بين الناس لأنه كان يقول لي أن التوافق يطيب خواطر الناس إذا لم يستطع فيفصل حسب العادات والأعراف المعروفة في ذلك الوقت. وكان لا يحل قضية إلا يسرد سوالف ليقنع الخاسر أو الرابح بأنهم ليسو الوحيدين وهذه دلالة الحكمة ولهذا يمتثلوا للحكم دون أي مشاكل.
فكانوا يخرجون راضين، ولكنه في مجالس عديدة بعد أن يصل كل شخص لحقه في مجلسه. كان يستبقيهم ويجبرهم على تناول الطعام مع بعضهم البعض فكان يحضر الزاد أو المتيسر من الطعام ويجبرهم على الجلوس على الطعام معاً حتى تولد شيء من الألفة ما بينهم بالإضافة إلى أن صاحب الحق يأخذ حقه أيضاً يطيب النفوس.
أما عن الدور الاجتماعي في حياة الراحل الشيخ هايل السرور ومساهمته في إصلاح ذات البين والعمل على توفير الخدمات العامة لمجتمع البداوة، وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور قائلاً: كان هايل السرور متنبه لقضايا عديدة على رأسها قضايا الخدمات العامة للناس لكي يستقروا في الأرض فشجع أبناء تلك المناطق على الاستقرار بداية لأن المجتمع الذي كنا نسكن فيه كان مجتمع بادية حل وترحال فقد ساهم هايل السرور في استقرار وبناء تجمعات سكنية وقرى وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لهم، لكن الذي كان يشغل باله هو موضوع التعليم حتى هذا انعكس علينا نحن أبناءه إذ لم يكن هنالك مدرسين وقد وفرهم لنا. كانوا ينتقلون معنا ولم يهتم فقط بتعليم الأبناء الذكور فقد اهتم بتعليم البنات، وهذا اهتمام بالمرأة، وتعليمها وإعطاءها حقوقها كاملة، فقسم من شقيقاتي كان داعماً لهن أن يكملن دراستهن خارج الوطن
|