واقع تعليمنا في المملكة العربية السعودية
واقع تعليمنا في المملكة العربية السعودية
( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
لقد أخترت الكتابة في موضوع يهم الجميع الا وهو بناء البشر.( التعليم....)
إن مهنة التعليم من أصعب المهن الموجودة في المجتمع ، إذا قيست متطلباتها ومسئولياتها بمهن أخرى ، لأننا نتعامل مع طلاب جاءوا إلى المدرسة بخلفيات اجتماعية واقتصادية وثقافية وذاتية تَميز كل فرد عن الآخر بميزات كمية وكيفية مختلفة ، ومهمة مدير التعليم ا لرئيسية تنمية قدرات المعلمين والاداريين لمساعدة هؤلاء الطلاب عامة وتنمية ميولهم واتجاهاتهم وقدراتهم ، وتلبية رغباتهم بما يحقق النفع لهم ولمجتمعهم ، خصوصاً وان هذا العصر، عصرالعولمة يتطلب البحث عن أبناء متفوقين ومبدعين يكونون في موقع القيادة المستقبلية لمجتمعاتهم ، ولن يتم تحقيق ذلك إلا بتقويم شامل للعملية التربوية بكافة جوانبها، ومن بينها معرفة كفاءة وفاعلية ما يقوم به مدير التعليم والعاملين معه في الادارة وفي الميدان على حد سواء .
إن أبرز التحديات المستقبلية ما يلي :
( 1 ) أننا بحاجة إلى أن تتضح لدينا الغايات المبتغاة والأهداف المرتجاة من التعليم . فقد دلت دراسات عالمية ومحلية على أن أهداف التعليم في المملكة مختلطة في طبيعتها ، متباعدة في اتجاهاتها ، وأن التعليم في المملكة قد غدا معرضا لنماذج وتنظيمات مستوردة ، لم تفلح في تشكيل نظام تعليم سعودي يلائم الاحتياجات الخاصة والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المملكة العربية السعودية .
( 2 ) بما أن نسبة التعليم قد ارتفعت بين شرائح المجتمع فإن السمة الغالبة عليها هو التعليم النظري ، الأمر الذي يبدو واضحاً من تكدس الطلبة في برامج نظرية أكثر منها عملية وعلمية ناهيك عن ضعف بعض الخريجين الواضح علمياً وفكرياً .
( 3 ) إعداد المعلمين والمديرين والمشرفين التربويين والمرشدين الطلابيين نحو تكوين اتجاه إبداعي لديهم في ميدان التربية ، فزيادة الطلب الاجتماعي على التعليم في المملكة ورفع مستوى أدائهم عن طريق إجادة المواد التي يدرسونها ، وزيادة كفاءتهم المهنية ، وإعادة تأهيل كثير منهم ممن يقومون فعلاً بالتعليم . يقتضي هذا مراجعة جذرية لبرامج إعداد المعلم لتلائم التطور الحادث في مجالات المعرفة التربوية والممارسات التعليمية .
( 4 ) التعليم الموروث والتعليم الوافد ، علينا في هذا الصدد أن نستيقن أن مورثاتنا الثقافية ليست خيراً مطلقاً ، وأن الوافد الثقافي ليس شراً مطلقاً . ويحتاج تطوير المناهج السعوديةإلى أن يقترن التعليم النظري بالممارسة العملية والتأكيد على المهارات التي تمكن من مزاولة الأعمال بنجاح .
( 5 ) أنه مع تزايد المعرفة الإنسانية تعقيداً وتطوراً أصبح لزاماً علينا مساعدة أبنائنا المبدعين ـ والمتفوقين ـ والموهوبين ـ لمسايرة عصر تكنولوجيا المعلومات وعصر الحاسبات فائقة السرعة وتكنولوجيا الليزر والهندسة الوراثية وغيرها . ولما كان البشر أغلى مافي الوجود ، والمتفوقون والمبدعون هم أغلى مافي البشر، فمن هنا كانت أهمية رعاية هؤلاء الطلاب من أبنائنا ، لأن عليهم وحدهم يقع عبء العبور بنا في هذا القرن لأنهم أكثر الفئات المؤهلة لقيادة التقدم الهائل وحضانة التطور الحضاري وتقديم الجديد لنا ومسايرة ركب التقدم العلمي الحضاري .
( 6 ) الإشراف التربوي بمعناه الشامل وتطويره لكونه يضم جميع جوانب العملية التربوية ، وهي مجال عمله، وميدانه ، ولذا يعتبر وسيلة مهمة لتطوير نوعية التعليم نحو اتجاه إبداعي باعتبار هذا التطوير الهدف الأساسي التي نصت عليه أليه الإشراف التربوي ، ليحقق التعليم أهدافه وغاياته بكفاية وفاعلية لمواجهة التحديات المستقبلية .
أن مجمل التحديات والهموم تثير سؤالا منطقياً كيف السبيل إلى الخروج من عقال تلك الأزمة ؟ وهكذا يصبح التفكير في المستقبل ضرورة ملحة وواجباً حتمياً وملزماً. وقارب التربية هو قارب النجاة لنا في هذا البحر المتلاطم الأمواج ، وأن التعلم وسيلتنا لبلوغ بر الأمان ، وأن المعلم مربي الأجيال هو سبيلنا للنهوض وتخطى العقبات وتجاوز العوائق والصعاب . وعليه فإن أية إستراتيجية مستقبلية لابد لها أن تعطي الأولوية والاهتمام للمحاور الثلاثة المناهج ، المعلم ، الأسرة .
أن التربية المستقبلية لمواجهة التحديات مايلي:
ـ التربية التغيرية لا التدويمية .
ـ التربية الإبداعية لا تربية الذاكرة .
ـ التربية الحوارية لا التلقينية .
ـ التربية الديموقراطية لا التسلطية .
ـ التربية الانفتاحية لا الانغلاقية .
ـ التربية التقانية لا اليدوية .
ـ التربية التعاونية لا الفردية .
ـ التربية المستمرة لا الوقتية .
ـ التربية التكاملية المنظومية الشاملة لا الجزئية الضيقة .
ـ التربية العلمية العقلانية الناقدة لا النقل والتسليم .
ـ التربية التوقعية لا العشوائية .
أن العملية التعليمية في المستقبل يجب أن تقوم على أساس :
ـ البحث العلمي .
ـ التفكير الناقد .
ـ عدم التسليم بموروثات الماضي كافة .
ـ احترام الإنسان .
ـ إحلال التّعلم مكان التعليم .
ـ البحث والتقصي مكان النقل .
ـ الحوار بدلاً من الاستماع .
ـ القدرة على الاختلاف بدلاً من التسليم بالمعتقدات والأفكار والمعلومات السائدة .
ـ التركيز على كيفية التّعلم بدلاً من التركيز على ماذا نتعلم .
ـ التركيز على استمرارية التّعلم وبقائه .
هناك مسلمات يجب أن نعيها وهي أن مهنة التعليم مهنة شاقة وصعبة تتداخل فيها متغيرات كثيرة وفق متطلبات العصر وتعتمد على كفاءات ومهارات متنوعة ومتجددة لأنها عملية دائمة الحركة والتجديد ، ولارتباطها الوثيق بالجوانب المعرفية والوجدانية والمهارية والثقافية وغيرها التي يتطلبها بناء البشر وجعلهم أعضاء فاعلين داخل مجتمعهم ، وتلك من سمات العصر الذي نعيشه . وتبرز بجانب تلك المسلمات السابقة ظواهر خلل في نظام التعليم بالمملكة تحتاج إلى وقفة تأمل للفحص عن أسبابها ، وأنجع وسائل علاجها ومنها :
# عدم وفاء نظام التعليم في المملكة بمتطلبات المجتمع السعودي في معظم الكفايات : المهنية ، والتربوية ، والعلمية ، والثقافية ، والفنية في مجالات متعددة من مجالات التنمية الاقتصادية ، والإدارية ، والعلمية ، والاجتماعية . ولعل من أقوى الشواهد على هذه الظاهرة التركيب الحالي للعمالة في أنواعها المختلفة ، ومستوياتها المتعددة في معظم قطاع الإنتاج بالمملكة ، وخاصة القطاع الخاص ، مما يبرز ضعف مخرجات العملية التربوية والتعليمية ، وعدم اكتشاف المهارات لدى الطلاب في المراحل الدراسية السابقة للتعليم الجامعي ، مع أن التوجيه المهني واكتشاف المهارات وتلبية احتياجات الطلاب أهم وظائف مراحل التعليم العام.
# ضعف أداء خريجي مؤسسات التعليم العام والتعليم الجامعي ، وتبدو هذه الظاهرة ـ أكثر ما تبدو ـ في التقارير الخاصة بالأداء الوظيفي في أجهزة الدولة التي تكشف مستوى أداء هؤلاء الخريجين ، مما يبرز الضعف المتراكم للإعداد منذ المرحلة الأولى للتعليم .
# عزوف كثيرون من خريجي الجامعات والمعاهد المتخصصة عن العمل في المجالات التي تخصصوا فيها ، والحرص على تفضيل الأعمال الإدارية والمكتبية البعيدة عن التخصص الذي درسوه ، وهذا دليل أن التحاق معظم الطلاب في الكثير من التخصصات لم يكن مبنياً على ملائمة التخصص لقدرات الطالب وميوله في المراحل الأولى من التعليم .
# ضعف الانتماء المهني لبعض العاملين في التربية والتعليم مما حول ممارساتهم التربوية من رسالة سامية إلى وظيفة لا تتحقق معها الأهداف التربوية المرجوة .
# انتشار ظاهرة التعليم الأهلي بما يوحي بعدم اطمئنان كثير من أولياء الأمور إلى مستوى التعليم الحكومي رغم اختلافي معهم في هذه النقطة .
ويرى كاتب الموضوع الحالي أن ظواهر الخلل السابقة في التعليم بالمملكة جاءت بسبب علاج المشكلة بصورة جزئية عن بقية المشكلات ، فيوماً تطّور المناهج ، وتارة نعمل على تطوير تدريب المعلمين ، وأحياناً نغير الكتب المقررة ونجددها ، وساعة نسعى إلى تحسين الوضع الوظيفي للمدرس ، وهكذا .. دون أن تكون هناك استراتيجية للعلاج الشامل لما يعاني منه النظام التعليمي من جفاف وتصحر كما هو مناخنا . والمحصلة النهائية أن تلك المعالجات لا تعدو عن كونها معالجات ترقيعية وتسكينية تختفي فترة زمنية قصيرة ثم تخرج بحجم أكبر وصورة أضخم يصعب علاجها .
ويرىالبعض أن تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال تدلنا على أن التطوير الجزئي مضيعة للوقت ، وإهدار للمال ، وأن السبل الآمنة لتطوير التعليم تتمثل في النظر إلى نظام التعليم بوصفه نظاماً ، تتكامل مكوناته ، ويؤثر بعضها في بعض بصورة تجعل الانصراف إلى تطوير مكون واحد في ذاته ، دون النظر إلى المكونات الأخرى ، عملاً قليل الجدوى .
ولعل قعود بعض الدول عن تطوير نظام التعليم فيها بصورة شاملة راجع إلى ضعف القدرة الاقتصادية في بعضها ، وإلى مقتضيات النظام السياسي والاجتماعي أو إلى ندرة الكفايات المؤهلة لإنجاز متطلبات التطوير في بعضها الآخر .
|