دولة لحيان

دولة لحيان: وجهة نظر جديدة



الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري

عضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية ـ الرياض



كثيراً ما فكرت الكتابة عن حضارة لحيان بمنظور جديد مبني على حقائق ورؤى جديدة نتيجة للتأمل والتفكير فيها، ذلك لأن الحضارة بمفهومها الواسع تشمل نواحي دينية وسياسية وفنية وثقافية؛ وعندما يكتب عن حضارة أمة، فإنه يفهم من ذلك أنها قد وصلت إلى مرحلة من النضج والوعي الفائقين، مما يؤهلها لأن يكتب عنها من هذا المنطلق. فهل وصلت دولة لحيان إلى تلك المرحلة؟

هناك آراء كثيرة بدت عندما صورت ونقلت النقوش التي اكتشفت في شمال غرب المملكة العربية السعودية، ثم نشرت على الأخص في منطقة العلا. والعلا هي تلك المدينة الخصبة التي كانت وما زالت تتمتع بوفرة في المياه وعيون ناضحة ثرة، تسمح لزراعة نخيل مثمر له ظلال، وكثافة في أشجار الحمضيات المتنوعة ومزروعات أخرى مختلفة، جعلتها متميِّزة عن غيرها من مدن شمال غرب الجزيرة العربية، وكانت تسمى »ددن« ارتباطاً واشتقاقاً من اسم المعبود »ود« الذي كان له مركز وقداسة خاصة في هذه المنطقة منذ النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، فاسمه يعني المحبة؛ فارتبط هذا الحب لدى سراة القوافل بالقمر، صديقهم، بل ومعبودهم؛ وأصبحت العلا مدينة ذلك الحب.

ولعل أقدم تكوين سياسي نشأ في هذه المنطقة وتحدثت عنه النصوص المكتشفة حتى الآن مملكة سميت خطأ »مملكة ددن« أو »مملكة ديدان« من جملة الممالك العربية الوسيطة في الجزيرة العربية. وهم عندما سموها بهذا الاسم، فإنما اتبعوا صيغة وردت في نص واحد بلفظ »متع إلى كبير ددن«، أي شيخ المدينة أو حاكمها، ووضعوها من الناحية التاريخية في حوالي القرن السادس قبل الميلاد. ثم وجدوا نصوصاً أخرى كثيرة تذكر مملكة أخرى أطلقوا عليها اسم »مملكة لحيان«، لأنها تتحدث عن ملوك لحيان، ووضعوا بداية تاريخها بين القرن الخامس والقرن الرابع قبل الميلاد، ولكن نهاية هذه الدولة كانت محل خلاف بين المؤرخين مما لا يجدر بنا أن نناقشه هنا.

وإذا ما نظرنا إلى تلك الفترة التي نشأت فيها »مملكة ديدان« أو كما أسميها »مشيخة ديدان«، نجد أن النمط الشائع في بلاد الشام كان نمط ممالك المدن ضمن إطار الممالك الآرامية المنتشرة هناك. ومن هنا، فإننا نتصور أن تكون »مشيخة ديدان« مرحلة أولى من مراحل مملكة لحيان عندما كانت المشيخة تنسب نفسها إلى المدينة أو المنطقة، والبذرة الأولى في بناء القوة السياسية لدولة كبرى إذا ما قدر لها البقاء والنماء والاستمرار.

ومن هنا، فإنني أزعم أن مملكة لحيان كانت بدايتها الأولى في نهاية القرن السابع قبل الميلاد، أي أنها بدأت بمشيخة »ددن«، ثم تحولت إلى مملكة قبيلة »لحيان«، وهي المرحلة التي ظهرت بعدئذ في جميع ممالك الجزيرة العربية شمالاً وجنوباً وما بينهما. ونحن بذلك نعتقد أن بداية المشيخة كانت أيضاً بداية لتكوّن الخط اللحياني الذي بدأ بسيطاً في المرحلة اللحيانيّة الأولى (الددنية)، ثم تطور إلى المرحلة اللحيانية الثانية (المرحلة اللحيانية الأولى في التسلسل التاريخي السائد حالياً)، ثم إلى مرحلة لحيانيّة ثالثة (المرحلة اللحيانية الثانية في التسلسل التاريخي السائد حالياً).

وهكذا يمكن أن نقول إن الدولة اللحيانية مرت بمراحل ثلاث:

ـ المرحلة الأولى: من القرن السابع حتى نهاية القرن السادس، ثم

ـ المرحلة الثانية: وهي مرحلة الخروج من قوقعة المدينة إلى مجال أوسع، وكانت هذه المرحلة هي أوج حضارة لحيان وقمتها، ثم

ـ المرحلة الثالثة: التي نستطيع أن نقول إنها كانت في بداية القرن الثالث قبل الميلاد، وهي المرحلة التي خرجت فيها لحيان إلى آفاق جديدة تتناسب مع النشاط الاقتصادي في الجنوب والشمال. وهكذا أصبح للحيان مدى واسع يتناسب مع مركزها الاستراتيجي بصفتها دولة قوية بين الجنوب والشمال عاصمتها مدينة »ددن« وحكامها قبيلة لحيان.

حتى عهد قريب كنا لا نعرف الكثير عن مملكة لحيان، وكنا نأخذ معلوماتنا عنها عن طريق دراستنا لنقوشها المحدودة التي نقلها لنا كل من جوسين وسافيناك في مطلع القرن العشرين الميلادي. واستمر اجترارنا لمعلومات هذه النصوص حتى بدأ النشاط الأثري في المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عقدين من الزمن. وكان أول ما لفت نظري إلى الوجود اللحياني خارج نطاق »ددن« المدينة هو النص الذي يتحدث عن وصول قوافل إلى أرك، وهي مدينة عراقية؛ ثم بعد ذلك رأيت التماثيل اللحيانية الضخمة الحجم في الحفرية التي تسمى حفرية السعيدي في تيماء، فعرفت أن لحيان كانت هنا، لأن التماثيل اللحيانية الضخمة لا يمكن أن توجد في مكان كهذا إلا في إطار دور سياسي للحيان، ثم كنت أرى النقوش المنتشرة على طريق التجارة بين دومة الجندل وتيماء، وما حولها حتى حائل جنوباً بشرق، وحتى الحجر جنوباً بغرب، ومنطقة تبوك وحسمي، وأرى الحروف والنصوص اللحيانية تتراقص وتبرز بشكل واضح ومتميز بين أنماط الكتابات والنقوش العربية الأخرى، فازداد يقيناً بأن لحيان لم تكن محجورة بين جبلي »ددن«.

وعندما كنت أدرس تاريخ الجزيرة العربية القديم في كلية الآداب وآتي إلى ذكر قبيلتي »طسم« و»جديس« في وسط الجزيرة العربية وتتطاول أعناق الطلاب ليسمعوا ما عساني أن أقول عنهما، أدخل في تحليل للنصوص التي وردت في كتب التاريخ فلا أجد إلا تضارباً في الأخبار، وضعفاً في الرواية، وافتعال أحداث وربطها بشخصيات لم يكتشف لها دور في تاريخ المنطقة حتى الآن. يسقط في يدي وأيدي الطلاب، وأجد أنه من الأفضل الإبقاء على أمل لمستقبل الأيام. فقد تكشف التنقيبات عمَّا يدلل على صحة الرواية العربية عن »طسم« و»جديس« وعن »زرقاء اليمامة«. ولذا ربطت عندئذ بين لفظ »طسم« واسم شبيه به ورد في التوراة هو »ليتشيم« على أنها اسم لإحدى القبائل في »ددن«، وقلت أيامها لطلابي: لعل هذه القبيلة نزحت من العلا إلى وسط الجزيرة لكي تضبط أمر قوافل التجارة بين جنوبي الجزيرة العربية وبين شرقها وشمالها الغربي عبر هضبة نجد. كما اقترحت آنذاك تاريخاً لقبيلة »طسم« في القرن السادس قبل الميلاد ومعها »جديس« اعتماداً على التاريخ الذي وضعه المؤرخون آنذاك لدولة »ددن« (مشيخة »ددن«) أو المرحلة الأولى لمملكة لحيان كما أعتقد.

وقبل هذا الرأي من قبل، ولم يهتم به من قبلوا ما جاء في الكتب التاريخية. وتمر الأيام والسنون وإذا نحن نواجه وجوداً واضحاً وقوياً وفعالاً لمواطنين لحيانيين في قرية »الفاو«. لقد وجدنا نصباً تذكارياً وضع في حرم معبد »ود« قدم للمعبود »ذي غابة«، وهو المعبود الذي سيطرت عبادته في »ددن« ما يقرب من خمسمائة عام وكان هو والمعبود »ود« في العلا كفرسي رهان؛ ولكن الغلبة كانت لـ »ذي غابة« بصفته المعبود الرسمي للدولة اللحيانية. كما وجدنا مقابر عائلية تأكدنا من أنها لحيانية، ووجدنا كثيراً من النصوص التي تحمل أسماء قبائل لحيانية. إذن نحن أمام ربط حضاري بين قرية في جنوب نجد وبين »ددن العلا« في أعالي الحجاز عبر هضبة نجد.

خلال قراءتي مع إحدى الطالبات، التي أشرفت على رسالتها للدراسات العليا في مرحلة الدكتوراه، لبعض نصوص جنوب الجزيرة العربية، فوجئت بنص يتحدث عن مجموعة من اللحيانيين والأنباط وغيرهم ـ ولعلهم من التجار ـ اتفقوا على شراء قطعة أرض لبناء مقابر لموتاهم. وهذا وجود آخر للحيان وأحلافها في جنوب الجزيرة العربية.

وعندما قام أحد طلابي الذي أشرفت على رسالته لمرحلة الماجستير بدراسة مجموعة من النصوص كان قد جمعها من جنوب غربي تيماء في الطريق إلى مدائن صالح فالعلا، أذهلتنا كمية النصوص التي كتبت بحروف متأثرة بالكتابة اللحيانية وبصيغ لغوية لحيانية تتكرر فيها جملة مهمة هي: »حل بددن«، وهي جملة لها دلالتها: إذا أصبحت »ددن« مكاناً يذكر على بعد مئات الكيلومترات. وهذه النصوص ما هي إلاّ إشارات تفرض نفسها على الباحثين والمؤرخين ومن قبلهم الآثاريين لكي يعيدوا النظر في تاريخ لحيان وحضارة لحيان.

إن نظرة فاحصة في النصوص اللحيانية التي جمعت ودرست مؤخراً من جبل عكمة بمنطقة العلا تكشف عن معلومات جديدة كانت مجهولة عن لحيان الاقتصاد والتجارة والخراج والزكوات، وهذا ما استطعنا أن نستنبطه من نصوص عكمة؛ إذ أن عبدة »ددن« كانوا يأتون إليه من عمان عاصمة الأردن شمالاً حتى بدر جنوباً ومن مدن أخرى لم نستطع تعرفها بعد ليقدموا زكواتهم وخراجهم »ددن« باعتبار أن ولاءهم الديني كان لـ »ددن«. أما الولاء السياسي، فربما كان للحيان. وكانت هذه الزكوات من أنواع مختلفة من الممتلكات: الجمال، النوق، الأراضي، الأغنام، الثمار، الحبوب، وكل ما يمتلكه المتعبدون. كما قدمت لنا هذه النصوص وظائف لم نعهدها أو نعرفها من قبل؛ إذ كان كهنة »ذي غابة« يقومون في بعض الأحيان برحلات لجمع هذه الضرائب أو الزكوات. وكان الرجل منهم يسمى »سلحاً« وتسمى المرأة »سلحة«.

وهكذا نجد أن المرأة في مجتمع لحيان قد لعبت دوراً تعبدياً من جملة أدوارها الأخرى؛ إذ لا نستبعد أن تكشف لنا الأيام عن وظائف أخرى كانت تقوم بها المرأة إلى جانب الرجل، مما نجده في الحضارة النبطية وفيما خلفته لنا الوثائق الآشورية عن ملكات دومة الجندال وتيماء منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وكما ظهر ذلك واضحاً في دولة تدمر وبالأخص زنوبيا تلك المرأة العربية التي حكمت ما بين الفرات والنيل في القرن الثالث الميلادي.

وإلى جانب ذلك، فقد أظهرت لنا مجموعة عكمة أنماطاً من اللهجات العربية من بلاد الشام ومن غيرها في أسلوب كأننا نسمعهم ونراهم في غدوهم ورواحهم؛ كما أننا تعرفنا مفردات عربية ثرة سوف تثري المعجم العربي.

والحضارة اللحيانية تستحق أن يبذل من أجلها الكثير وأن يتفرغ لها الباحثون وأن يجند لها المنقبون. ونحمد الله على أن المملكة العربية السعودية هي حاضنة هذه الدراسة وأن الحضارة اللحيانية هي جذر من جذور حضارة هذه الدولة، أسهمت بقدر وافر في حركة الفنون والكتابة والتجارة والمعمار، ولذا استحقت في فترة من فتراتها أن يطلق اسمها على خليج العقبة فأصبح يسمى على مدى لا يقل عن ثلاثة قرون بـ »بخليج لحيان«. ولعل النمط المعماري الذي شهدناه في قرية الفاو وأتوقع أن نشهده في مواقع أثرية أخرى هو تجاذب حضاري بين الجنوب والشمال فنقل اللحيانيون إلى الجنوب والشرق تراثهم وثقافتهم وضمنوا للمناطق الأخرى أمن التجارة، وحرية الحركة، ونماء المجتمعات.

وبعد دخول الرومان إلى المنطقة فيما سمي بـ »المقاطعة العربية« أو ما يعرف لدى العرب بـ »قرى عربية«، انفرط عقد القبائل العربية التي كانت تسكن وادي القرى وما حوله واتجه بعضها إلى مكان آمن هو بيت الله الحرام »مكة المكرمة« وما حولها بُعداً عن بطش الغزاة من خارج الجزيرة العربية.

وهناك في بيت الله الحرام نشأت حضارة عربية جديدة هي مزيج من الحضارات السابقة. وكان اللحيانيون والأنباط من أولئك الذين أسهموا في هذه الحضارة حتى جاءت البعثة المحمديّة فأضاء نورها الجزيرة العربية.

ومن هنا انبلج الحق وزهق الباطل، وكان اللحيانيون من المناهضين في بادئ الأمر، ولكنهم دخلوا كغيرهم في دين الله أفواجاً واستمروا يحملون الاسم القديم حتى العصر الحاضر حول مكة من الشمال والشرق.

والنعم والله ,,,,,,,ولي عوده يالغالي

والله ومليوووون نعم بكم ياعيال العم لحيان قبيلة لها تاريخ مشرق

ومشرف واتمنى انك ماتقطعنا من بحوثاتك المنتازه

يادكتور فهد اللحياني الهذلي

والله ومليوووون نعم بكم ياعيال العم لحيان هذيل قبيلة لها تاريخ مشرق

ومشرف واتمنى انك ماتقطعنا من بحوثاتك الممتازه

والله والنعم ببني لحيان وكل من اسمه هذيلي،

مشكورعلى هذاالنقل،والله يعطيك العافية

ونعم بلحيان

يعطيك العافية