كان أكثر سكان الجزيرة العربية في العصر الجاهلي قبائل رُحلاً يسكنون البادية. ونذكر في ما يأتي شيئاً من عاداتهم نقلاً من كتاب تاريخ العرب قبل الاسلام بتصرّف وإيجاز(1):
أمّا البدو، فهم القبائل الرّحّل المتنقّلون من جهة إلى أخرى طلباً للمرعى أو للماء، والطبيعة هي الّتي تجبر البدويّ على المحافظة على هذه الحياة.
وحياة البدوي حياة شاقّة مضنية، ولكنه ـ وهو متمتع بأكبر قسط من الحرية ـ يفضّلها على أي حياة مدنية أخرى.
هذه الحياة الخشنة هي الّتي جعلت القبائل يتقاتلون في سبيل المرعى والماء، وهي الّتي جعلت سوء الظنّ يغلب على طباعهم، فالبدويّ ينظر إلى غيره نظرة العدوّ الّذي يحاول أخذ ما بيده أو حرمانه من المرعى.
إنّ البدويّ في الصحراء لا يهمّه إلاّ المطر والمرعى، فأزمته الحقيقية انحباس المطر وقلّة المرعى، ولا يبالي بما يصيب العالم في الخارج مادامت أرضه مخضرة، وبعيره سميناً، وغنمه قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحماً.
أمّا إذا نما السكان وضاقت بهم الارض، أو لم تجد أراضيهم بالمرعى، فليس هناك سبيل إلاّ الزحف والقتال، أو الهجرة إن كان
هناك سبيل إليها، وكذلك القبيلة الّتي غلبت على أمرها وحرمت من مراعيها وأراضيها ليس أمامها سبيل آخر سوى الهجرة.
والمرأة البدوية ترفض الزواج من غني، إذا كان ابن صانع، أو أنّه من سلالة العبيد، أو كان نسبه القبيلي يحيط به شيء من الشّك، فسلطان المال لا قيمة له عند العرب ومع وجود هذه الروح الارستقراطية الّتي تتجلّى فقط في الزواج ورياسة القبيلة والحكم، فإنّه لا يكاد يوجد فارق في طرق المعيشة الاخرى.
ومن عادة القسم الاكبر من سكان الجزيرة ـ ولا سيما البدو ـ مخاطبة رؤسائهم بأسمائهم أو بألقابهم، لانهم لا يعرفون الالقاب وألفاظ التعظيم والتفخيم، فيقولون يا فلان ويا أبا فلان ويا طويل العمر.
والبدوي لا ينسى المعروف، ولا ينسى الاساءة كذلك، فإذا أسيء إليه، ولم يتمكن من ردّ الاساءة في الحال، كظم حقده في نفسه، وتربص بالمسيء، حتى يجد فرصته فينتقم منه، فذاكرة البدوي ذاكرة قوية حافظة لا تنسى الاشياء.
وللبدو مهارة فائقة في اقتفاء الاثر، وكثيراً ما كانت هذه المعرفة سبباً في اكتشاف كثير من الجرائم ولا تكاد تخلو قبيلة من طائفة منهم.
والقبائل العريقة المشهورة من حضر وباديةتحافظ على أنسابها تمام المحافظة وتحرص عليها كل الحرص، فلا تصاهر إلاّ من يساويها في النسب. والقبائل المشكوك في نسبها لا يصاهرها أحد من القبائل المعروفة.
وإنّ من الصعب عليه نبذ ما كان عليه آباؤه وأجداده من عادات وتقاليد فالتقاليد والعرف وما تعارفت عليه القبيلة هي عنده قانون البداوة، وقانون البداوة دستور لا يمكن تخطيه ولا مخالفته، ومن هنا يخطئ من يظنّ أنّ البداوة حريّة لا حدّ لها، وفوضى لا يردعها رادع، وأنّ الاعراب فرديّون لا يخضعون لنظام ولا لقانون على نحو ما يتراءى ذلك للحضري أو للغريب.
إنّهم في الواقع خاضعون لعرفهم القبيلي خضوعاً صارماً شديداً، وكلّ من يخرج عن ذلك العرف يطرد من أهله ويتبرأ قومه منه، ويضطر أن يعيش طريداً أو صعلوكاً مع بقية الصعاليك.
والعربي رجل جاد صارم، لا يميل إلى هزل ولا دعابة، فليس من طبع الرجل أن يكون صاحب هزل ودعابة، لانّهما من مظاهر الخفّة والحمق، ولا يليق بالرجل أن يكون خفيفاً، لهذا حذر في كلامه وتشدّد في مجلسه، وقلّ في مجتمعه الاسفاف، وإذا كان مجلس عام، أو مجلس سيد قبيلة، روعي فيه الاحتشام والابتعاد عن قول السخف، والاستهزاء بالاخرين، وإلقاء النكات والمضحكات، حرمة لاداب المجالس ومكانة الرجال.
وإذا وجدوا في رجل دعابة أو ميلاً إلى الضحك أو إضحاك عابوه عليه وانتقصوا من شأنه كائناً من كان.
وعبارة مثل ((لا عيب فيه غير أنّ فيه دعابة)) أو ((لا عيب فيه إلاّ أنّ فيه دعابة)) هي من العبارات الّتي تعبّر عن الانتقاص والهمز واللمز.
والبدوي محافظ متمسك بحياته وبما قدر له، معتزّ بما كتب له وإن كانت في حياته خشونة وصعوبة ومشقة.
ولهذا كان للقبيلة قيمتها في بلاد العرب، فالانسان يقوى بأبنائه وأبناء عمومته الاقربين والابعدين، وإذا كانت القبيلة ضعيفة استقوت بالتحالف مع سواها حتّى يقوى الفريقان ويأمنا شر غيرهما من القبائل القويّة.
وقد جرى العرف أنّ القبائل تعتبر الارض الّتي اعتادت رعيها، والمياه الّتي اعتادت أن تردها ملكاً لها، لا تسمح لغيرها من القبائل الاخرى بالدنو منها إلاّ بإذنها ورضاها، وكثيراً ما تأنس إحدى القبائل من نفسها القوة فتهجم بلا سابق إنذار على قبيلة أخرى، وتنتزع منها مراعيها ومياهها.
التوقيع
بسم الله
والحمدلله
ولاإله إلا الله
واللــه أكـــــــبـــر
ولاحول ولاقوة إلا بالله