رسالة في ليلة تنفيذ حكم الاعدام
رسالة في ليلة التنفيذ للشاعر المصري هاشم الرفاعي رحمه الله
أبتاه ُماذا قد يخط بناني = والحبل والجلاد منتظراني
هذا الكتاب اليك من زنزانة ٍ =مقرورة ٍ صخرية الجدراني
لم يبق الا ليلة ٌأحيا بها = وأحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه ُ لست أشك في = هذا وتحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء ٌ قاتل ٌ = والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألمي فأنشد راحتي = في بضع ايات ٍ من القراني
والنفس بين جوانحي شفافة ٌ= دب الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أؤمن بالاله ولم أذق = الا أخيرا ً لذة الايماني
شكرا ً لهم أنا لا أريد طعامهم = فليرفعوه ُ فلست ُ بالجوعاني
هذا الطعام المر ّ ماصنعته لي = أمي ولا وضعوه ُ فوق خواني
كلا ولم يحضره ياأبتي معي = أخوان ِ لي جاءاه ُ يستبقاني
مدّو الي ّ به يدا ً مصبوغة ً= بدمي وهذي غاية الاحساني
والصمت ُ يقطعه ُ رنين ُ سلاسل ٍ = عبثت بهن أصابع السجاني
مابين آونة ٍ تمرّ...... وأختها = يرنو اليّ بمقلتي شيطاني
من كوة ٍ بالباب يرقب ُ صيده ُ = ويعود ُ في أمن ٍ الى الدوراني
أنا لا أحسّ بأي حقد ٍ نحوه ُ = ماذا جنى ؟فتمسه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي = لم يبدو في ظمأٍ الىالعدواني
لكنه ان نام عني لحظة ً = ذاق العيال ُ مرارة الحرماني
فلربما وهو َ المروّع سحنة ً = لو كان مثلي شاعرا ً لرثاني
أو عاد _من يدري؟_الى أولاده ِ= يوما وذكّر صورتي لبكاني
وعلى الجدار ِ الصلب ِ نافذة ٌ بها = معنى الحياة ِ غليظة القضباني
قد طالما شارفتها متأملا ً = في الثائرين َ على الأسى اليقظاني
فأرى وجوما ً كالضباب ِ مصوّرا ً = مافي قلوب ِ الناس ِ من غلياني
نفس ُ الشعور ِ لدى الجميع ِ وان هم ُ = كتموا وكان الموت ُ في اعلاني
ويدور ُ همس ٌ في الجوانح ِ ماللذي = بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟؟
أولم يكن خيرا ً لنفسي َ أن أرى = مثل الجميع ِ أسير ُ في اذعاني
ماضرّني لو قد سكتّ ُ وكلما = زاد الأسى بالغت في الكتماني
هذا دمي سيسيل ُ يجري مطفئا ً = ماثار في جنبي ّ من نيراني
وفؤادي َ الموّار ُ في نبضاته ِ = سيكف ّ ُ في غده ِ عن الخفقاني
والظلم ُ باق ٍ لن يحطّم قيده ُ = موتي ولن يودي به ِ قرباني
ويسير ُ ركب ُ البغي ليس يضيره ُ = شاة ٌ اذا اجتثت من القطعاني
هذا حديث ُ النفس ِ حين تشقّ عن = بشريّتي .... وتمور بعد ثواني
وتقول لي : ان الحياة َ لغاية ٍ = أسمى من التصفيق ِ للطغياني
أنفاسك َ الحرّى وان هي أخمدت = ستظل تغمر أفقهم بدخاني
وقروح ُ جسمك َ وهو َ تحت َ سياطهم = قسمات ُ صبح يتقّيه ِ الجاني
دمع ُ السجين ِ هناك َ في أغلاله ِ = ودم ُ الشهيد ِ هنا سيلتقياني
حتى اذا ما أفعمت بهما الربى = لم يبق غير تمرّد ِ الفيضاني
ومن العواصفِ ما يكون ُ هبوبها = بعد َ الهدوء ِ وراحة ِ الرباني
ان ّ احتدام النار ِ في جوف الثرى = أمر ٌ يثير ُ حفيظة َ البركاني
وتتابع ُ القطرات ِ ينزل ُ بعده ُ = سيل ٌ يليه ِ تدفق ّ ُ الطوفاني
فيموج ُ .... يقتلع ُ الطغاة َ مزمجرا ً = أقوى من الجبروت ِ والسلطاني
أنا لست ُ أدري هل ستذكر ُ قصتي = أم سوف َ يعروها دجى النسياني؟
أم أنني سأكون ُ في تاريخنا = متآمرا ً أم هادم َ الأوثاني ؟
كل اللذي أدريه ِ أنّ تجرّعي = كأس َ المذلّة ِ ليس َ في امكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلبا ً = غير َ الضياء َ لأمّتي لكفاني
أهوى الحياة َ كريمة ً لاقيد َ , لا = ارهاب َ لا استخفاف َ بالانساني
فاذا سقطت ُ سقطت ُ أحمل ُ عزتي = يغلي دم ُ الأحرار َ في شرياني
أبتاه ُ ان طلعَ الصباح ُ على الدنى = وأضاء َ نور ُ الشمس ِ كل مكاني
واستقبل َ العصفور ُ بين َ غصونه ِ = يوما ً جديدا ً مشرق َ الألواني
وسمعت َ أنغام َ التفاؤل ِ ثرة ً = تجري على فم ِ بائع الألباني
وأتى يدق _ كما تعوّ د _ بابنا = سيدق ُ باب َ السجن ِ جلاداني
وأكون ُ بعد َ هنيهة ِ متأرجحا ً = في الحبل ِ مشدودا ً الى العيداني
ليكن عزاؤك َ أنّ هذا الحبل َ ما = صنعته ُ في هذا الربوع ِ يداني
نسجوه ُ في بلد ٍ يشع ُ حضارة ً = وتضاء ُ منه ُ مشاعل ُ العرفاني
أو هكذا زعموا وجيء َ به ِ الى = بلدي الجريح ِ على يد ِ الأعواني
أنا لا أريدك َ أن تعيش َ محطما ً =في زحمة ِ الآلام ِ والأشجاني
ان ّ ابنك َ المصفود ُ في أغلاله ِ = قد سيق َ نحو َ الموت ِ غير َ مداني
فاذكر حكايات ٍ بأيام ِ الصبا = قد قلتها لي عن هوى الأوطاني
واذا سمعت َ نشيج أمّي َ في الدجى = تبكي شبابا ً ضاع َ في الريعاني
وتكتّم ُ الحسرات ِ في أعماقها = ألما ً تواريه ِ عن الجيراني
فاطلب اليها الصفح َ عني انني = لا أبتغي منها سوى الغفراني
مازال َ في سمعي رنين ُ حديثها = ومقالها في رحمة ٍ وحناني
أبني ّ انّي قد غدوت ُ عليلة ً = لم يبق لي جلد ٌ على الأحزاني
فأذق فؤادي فرحة ً بالبحث ِ عن = بنت ِ الحلال ِ ودعك َ من عصياني
كانت لها أمنية ً ريانة ً = ياحسن َ آمال ٍ وأماني
غزلت خيوط َ السعد ِ مخضلا ً ولم = يكن انتقاض ُ الغزل ِ في الحسباني
والآن َ لا أدري بأيّ جوانح ٍ = ستبيت ُ بعدي ام بأي جناني
هذا اللذي سطرته ُ لك َ يا أبي = بعض ُ اللذي يجري بفكر ٍ عاني
لكن اذا انتصر الضياء ُ ومزّ قت = بيد ِ الجموع ِ شريعة ُ القرصاني
فلسوف َ يذكرني ويكبر ُ همّتي = من كان َ في بلدي حليف َ هواني
والى لقاء ٍ تحت َ ظلّ ِ عدالة ٍ = قدسية الأحكام ِ والميزاني
|