العودة   ::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها > المجالس العامة > المجلس العام
 

المجلس العام لكافة المواضيع التي ليس لها قسم مُخصص

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 03-27-2009, 11:59 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي خطبة الجمعه 4

الخطبة الأولى


ففي يوم بدرٍ سار رسول الله ، فلما جاءَ أدنى ماءٍ من بدرٍ نزل عليه، فقال الحبابُ بن المنذرِ : يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصُرَ عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال : ((بل هو الرأي والحربُ والمكيدة))، قال الحبابُ: يا رسول الله، فإن هذا ليسَ بمنزلٍ، ولكن انهض حتى تجعل الآبار كلَّها من وراءِ ظهركِ، ثم غوِّر كل بئرٍ بها إلا واحدًا، ثم احفر عليه حوضا، فنقاتلُ القومَ ونشربُ ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله : ((قد أشرت بالرأي))، ففعل ذلك. ويا له من موقفٍ عظيمٍ من رسول الله ! يَدْلُ على التواضعِ وقبولِ الرأي الصوابِ والحوار والشورى.

أيها الإخوة المؤمنون، إن المتأمِلَ لكثيرٍ من مشكلاتِنَا عند وقوعها وصعوبةِ حَلِها بعد وقُوعِها يجده راجعًا لفقد شيءٍ مهمٍ وأساسي في تعاملاتِنا فيما بيننا، ألا وهو فقد الحوار والاعتراف برأي الآخر.

نعم، الحوارُ والجدال بالتي هي أحسن الذي يكونُ سببًا بإذن الله لمعرفةِ المشكِلةِ ثم حَلِّها أو تلافي وقوعِها أصلاً، الحوارُ الذي باتَ شِبهَ مفقودٍ في تعاملاتِنا شعوبًا وساسةً وعلماءَ ومثقفين وأفرادًا وأزوجًا وأُسرًا وأقارب؛ حتى بات منطق فرعون: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ منهجًا للكثير منا في تعامله وحواره، وما رأينا هذا الخلافَ والتنازُعَ الذي أصبحَ واضحًا بين العلماءِ في مسائلَ تَهُمُ الناسَ وعباداتهم أو تجاوزٍ لبعضِ الكُتَابِ في الصُحُفِ والإعلامِ أو تَطاولٍ من عامةِ الناسِ على ثوابتِ الدينِ والمجتمعِ إلا لضعفِ فهمِ الدينِ وتطبيقهِ ومَعرِفَةِ فقهِ الواقعِ أولاً، ثم لفقد الحوار والتفاهم الذي يوصلنا إلى الحقيقة ويهدينا إلى الحق ثانيًا.

وحينما نَتَأملُ عددًا ِمنْ نُصُوصِ القرآنِ والسُنَةِ التي بُنيَت عليها العقائِدُ والأحكامُ تَجِدُهَا اتخذت الحوارَ مَنهجًا ربانيًا للتطبيقِ والإقناعِ، فهذا ربُّنا جلَّ وعلاَ يُحَاورُ الملائكةَ في اتخاذهِ خليفةً: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ الآيات، وحتى إبليس حينما يرفض السجودَ يُحاورُه: فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ.

فالحوارُ منهجٌ شرعي وحقٌ لكلِّ صاحبِ رأي موافقٌ أو مخالفٌ، ومن يرفضُ الحوار ولا يطبقهُ يُخَالفُ السُنَنَ الربانية، فالاختلافُ في آراءِ الناسِ ورؤاهم أمرٌ طبيعيّ، وإن كان الأصلُ هو الحقُ والائتلاف وعدمُ الاختلافِ، لكننا ينبغي أن لا نجعلَ من هذا الاختلافِ سببًا للتفرقِ والتنازع، فالخلافُ بالرأيِّ ما دامَ منضبطًا بأمور الشرعِ والفطرةِ ولا يُفسدُ للودِّ قضية فنحن نختلفُ في الطبائعِ والنظرةِ، لكننا نفترق ونأتلفُ على الحقِ الذي يجمعنا.

والحوارُ هو الوسيلةُ الأمثلُ للوصولِ للحقيقةِ؛ ولذلكَ اتخذهُ الأنبياءُ في دعوتِهم، ووسيلة يتخذها المفَكِرِ والعالم، فهذا نوحٌ عليه السلام يجادلُ قومَهُ: قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين، وكانت وصيةُ الله لنبيهِ محمدٍ : وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وهذا يوسفُ يحاورُ صاحبي السجن مستغلاً مرافقته لهما، وحينما سألاه عن الرؤيا فيقولُ: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، واستمر عليه السلام يحاورهما في بيانِ عقيدةِ آبائهِ وأجدادهِ من الأنبياء بطريقةٍ مقنعةٍ ومؤثرةٍ على صاحبي السجن مقرونًا بمنهجِ الأنبياءِ بثباتهِ على مبدئهِ وخُلُقِهِ وأمانتهِ وصدقهِ في معاملته. وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يوصيه ربه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، ويحاورهُ فرعون: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى. ويحاور الله من في قلبه شكّ بقدرة الله الذي مرّ على قريةٍ فأماته الله مائةَ عامٍ ثم بعثَهُ، فحاورهُ حتى قال: أعلمُ أن الله على كلِّ شيءٍ قدير. ويحاورُ نبيُّ الله سليمان الهدهد حين غاب ليعرف سببَ غيابه، وناقشه وأرسله إلى بقليس بالرسالة.

وقد ورد لفظ الحوار في القرآن في قوله تعالى: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ، وقال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ.

وللحوارِ جوانب شتى، منها دعوةُ الناسِ إلى الإسلامِ والسُنَةِ، ودعوة من ضلَ عن سبيلِ اللهِ أو انحرفَ عن الحقِ، وكذلكَ الحوارُ لفصلِ الخلافِ في أمورِ الاجتهادِ والوصولِ إلى الحقيقةِ، فهي مطلبُ الجميعِ. وللحوار أثرٌ إيجابي في تحصين النشء عن الانحرافِ الفكري، وله أثره في بناءِ العلاقاتِ وجمع الكلمة ونبذِ الفرقةِ والتنازع، وله دوره في إعمال الفكرِ والتفكيرِ الذي أوصى به الله، إلا أن ذلكَ لا يمكنُ أن يتحققَ ما لم يُصاحب الحوارَ قواعدُ مهمة تَضبط هذا الحوارَ وتَجعلُ لهُ فائدةً ومنفعة.

أولها وأهمها: تحديدُ نُقطةِ البيان أو الخلافِ، فالحوار لا بد أن يكون له هدف وموضوع ورغبة في الوصول إلى النتيجة، وليس لقطع الوقت وتمضيته، أو طلبًا للإثارة. ثم لا بد من إحسانِ الظنِ مِنْ كلَي الطرفين والابتعادِ عن إساءَةِ الظنِ، تِلكُمُ الآفةُ التي أصبحت مصدرًا لكثيرٍ من مشكلاتِنا اليوم وسَبَبًا لبعضِ العدواتِ، وانظر مثالاً لحُسنِ الظنِ في تعامل الإمام الشافعي رحمه الله حيث كان يقول: "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يُوفَّقَ ويُسدَّدَ ويُعان، ويكون عليه رعايةٌ من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بيَّن الله الحقَ على لساني أو لسانه".

ولا بدَ أن نعرفَ أن هناكَ أمورًا لا يُقبلُ الخلافُ فيما بين المسلمينَ عليها، وهي من الثوابتِ التي لا حِوارَ على إِثباتِها أو نفيها، مع وُجودِ نصوصٍ شرعيةٍ وصريحةٍ وصحيحةٍ تثبتها، وهذه النصوص هي مرجعنا في نقاشها، وهذه النصوص هي مرجعنا في نقاشنا، لكن الحوارَ في الفروعِ أو ما اختلفت النصوصُ فيه وآراء العلماء عليه.

أما غير المسلمين فإن الحوارَ معهم يكونُ في جميعِ الجوانبِ التي تَردُّ على شبههم وبالجدالِ بالتي هي أحسنُ، من غيرِ ضعفٍ أو تنازلٍ كما نراه يفعلُ معهم منْ يدعو إلى تَقَارُبِ الأديانِ ويعترف بديانتهم وبعضها وثني أو بوذي يراه دينًا يعترف به، فهذا لا يجوز، فإن الدين عند الله الإسلام، والحوار مع أهلِ الكتابِ يكونُ كما وضحه الله جلَّ وعلا: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.

أيها الأحبة، لا بد للمحاورِ من التواضعِ قولاً وفعلاً، وتجنُّب الإعجابِ بالرأيِّ والغرورِ، فالتواضعُ في قبولُ الحقِ مِنْ أي أحدٍ وعدم ازدراءِ الآخرينَ لمظهرهم أو قِلة مكانَتِهِم أو حتى ضَعفِ ديانتِهم وغير ذلكَ، وصدق رسول اللهِ في قولهِ: ((الكِبرُ بَطْرُ الحقِّ وغمطُ الناس)). كذلكَ من مهماتِ الحوارِ الإصغاءُ وحُسنُ الاستماعِ وعَدمُ رفعِ الصوتِ، فبعضُ الناسِ لا يسمعُ إلا نفسَه، أو يرفعُ الصوتَ لحدِّ اللجاجِ والمخاصمة، وهذا ليس بحوار. وانظر إلى حوار النبيّ مع عتاةِ المشركين، كيف يسمعُ مِنهم بِكُلِّ حُسنٍ وإصغاءٍ، ثم يقولُ: ((أفرغتَ يا أبا الوليد))، فيردُ عليه حجته بالقرآن.

ولا بد كذلكَ من العدلِ والإنصافِ، وأن تبحثَ عن الحقيقةِ ومحبَتِها، وليسَ البحثُ عن معايب الناسِ وزلاتِهم، وكذلك أن تتركِ التعصُبِ لرأيكِ حتى ولو كانَ الحقُ معك كما تراه وتظنه؛ فإن ذلك يؤثر على طرحكَ له، واحترم آراءِ الناسِ واجتهاداتِهم، فقد نَجِدُ البعضَ منا حينما يعتقدُ الحقَّ يريدُ فرْضَهُ على الناسِ من رأي أو مذهبٍ أو غيرِ ذلك، وهذا لا شكَ أنه ليسَ لأحدٍ، يروى عن الإمامِ مالكٍ رحمه الله أنه لما ألّف الموطأ مكث أربعين سنةً يؤلِّفهُ، وقُرئ عليه آلاف المرات، وعَرَضهُ على سبعينَ من العلماءِ، فأقرّوه عليه، وتعبَ فيه أيَّما تعب، ومع ذلكَ لما بلغ الخليفةَ المنصور كتابَ مالك وأعجبَه وقال: إننا نريدُ أن نُعَمِمَهُ على الأمصارِ، ونُأَمُرَهُم باتباعِه، قال له الإمامُ مالك: لا تفعلْ رحمك الله سبقت منهم أقاويل، وسمعوا أحاديثَ ورووا روايات، وأخذَ كلُّ قومٍ بما سبقَ إليهم وما أتوا به، وعملُوا بذلك ودانُوا به، كل ذلك من اختلاف أصحاب رسول الله ثم من بعدَهم من التابعين، وردُّ الناس عما اعتقدوُه ودانوا به ـ يقصد المذاهب الفقيه الأخرى ـ أمرٌ صعبٌ شديدٌ، فدع الناسَ وما هم عليه، ودْع أهلَ كلِّ بلدٍ وما اختاروا لأنفسِهم.

أيها الإخوة المؤمنون، إننا إذا عَرَفْنا أهميةَ الحوارِ وما فائِدتُه لا بد من الاهتمامِ بِهِ والعنَاية بتطبيقهِ لجميعِ ممارساتنا ولحلِ مشكلاتنا، إلا أنَّ أهميةَ الحوارِ تَعظُمُ في حلقات العلم وفي مدارسنِا من خِلالِ التعلِيم وإصلاحِ الطلبةِ والطالباتِ والوصولِ لتعليمٍ أمثل يفيدُ صاحبه ومجتمعه؛ وذلك بأن يكونَ الشيخ والمعلمُ قدوةً صالحةً لهم في تقبُلِ الحوارِ والنقاشِ وجميعِ ما يُطرحُ من أسئِلةِ، ويبني الثقةَ ويُعزِزُها بينهُ وبين تلاميذهِ، ويدربَهُم على التآلفِ وتقبُلِ الحقِ مِنْ الآخرِ وحُسنِ التعامُلِ مع المخالفِ، واتخاذِ قراراتِهِم بأنفُسِهِم، وتحمُل مسؤولية أفعالهم خطأً كانت أو صوابًا، وتنميةِ روحِ المنافسةِ والمبادرةِ فيما بينهم، ولن يتمَّ كلُ ذلكَ إلا بثقافةٍ مطبّقةٍ للحوارِ في المدارسِ وحِلَقِ العِلِمِ التي تُعِدُّ التلاميذَ وتُخَرجُ لنا طلبة العلمِ الذينَ يُفقِّهونَ الناسَ في أمورِ دينهم في المسائلِ والنوازلِ، في فهمِ واقعها والتطورِ العلمي الذي يناسب كلَّ عصرٍ ويلتزمُ بالثوابت. وعلى هذا كان علماءُ الأمةِ رحمهم الله في تربيتهِم لطلابِهم الذينَ ما فتئوا أن برزوا في الأُمةِ، وأصلحوا أحوالها، وغرسوا مبادئ عظيمة للحوار والإصلاح.

كذلكَ ـ إخوتي ـ فإنَ للحوارِ أهميةً كُبرى في منازلنا ومع أُسَرِنا؛ الزوجُ مع زوجتِه، والأمُ والأبُ مع أولادهِما، والأقاربُ والجيرانُ فيما بينهم؛ فإنَ هذا له أكبرُ الأثرِ بإذنِ اللهِ على التربيةِ وحُسنِ المُعامَلةِ؛ ولِذلكَ رأيناها مَنهَجًا نبويّا لرسول الله حين يأتِيهِ ذلكَ الشابُ بمشكلتهِ التي تؤرقه، فيقولُ له: يا رسول الله، ائذنِ لي بالزِنا، فيحاورهُ عليه الصلاةُ والسلامُ مُتَقَبِلاً لسؤالهِ ومشكلتِه التي يعيشُها: ((أترضاه لأُمِكَ أو لأُختِكَ أو لبنتكَ؟)) وهو يقول: لا؛ حتى أقنعه بحرمة ذلك.

فنحنُ بالحوارِ مع أولادِنا لا بدَ أن نقفِ على أخطائِهم ونُنَاقشها معهم ونُعَلِمهُم عاقبة تِلكَ الأخطاءِ ومخاطر العلاقاتِ المحرمةِ أو الصداقاتِ السيئةِ، ونربيهم على ثقافةِ العملِ الجادِ والعلم النافع وطلب الرزق، وكلٌّ حَسَبَ عُمرهِ، فمحاورةُ الصغيرِ تختلفُ عن الكبيرِ، ومع الأنثى غير الذكرِ، وهكذا، وكثيرًا ما يقع الابنُ أو الابنة في خطأ يُجَرّ إليهِ لا يدركُ عاقبتهُ، قد يكونُ سببًا لاستغلالِ أهلِ السوءِ لذلكَ الخطأ أو وسيلةً لابتزازهِ، والحوارُ معهم يُنهي جميعَ هذه المشكلاتِ قبلَ وقُوعِها وبَعد وقوعها؛ بحلها وتخفيف ضررها. ثم لا بدَ من حثِهِم أولاً وأخيرًا على تقوى الله والمحافظةِ على الصلاةِ والارتباطِ بالمساجدِ وحِِلَقِ الخيرِ والتعليمِ والرفقةِ الصالحةِ وعدمِ جَلبِ المحُرمِاتِ وتَهيئَتِهَا لهم بلا ضَوابِطَ ولا مَوانِع كما يفعلهُ بَعضُ الآباءِ والأولياءِ هَداهُم الله، فهذا كمن ألقاهُ باليم مكتوفًا وقال لهُ: إياك إياك أن تبتلَ بالماء.

إن للحوار أثرهُ الكبير في التربية وبناء المنازل والأسر على الحُبِّ والتفاهم والإصلاح والتراحم.

ويجبُ أن نحرصِ ـ إخوتي ـ على فهم نفسيةِ الأطفالِ وكيفيةِ تربيتهم والاستعانةِ بالمختصينَ في ذلك، فما يصلحُ لجيلٍ قد لا يناسبُ الجيلَ الذي بعده، فكما أن الأزمان تتغير فإن الأساليبَ تتطور. وليقترن حوارنا مع أولادنا وأسرنا بإظهارِ العاطفةِ الجياشةِ تجاه الأولاد والزوجات، وأن نُكثرَ من اللجوءِ إلى اللهِ بالدعاءِ لهم بالصلاحِ والهدايةِ وبالتوفيقِ بعد بذلِ السَبَبِ والجُهدِ، وأكثر من ملاطفةِ المرأة والأولادِ؛ فإن ذلك يَبثُ الحنانَ في الأسرةِ كما كان يفعلُهُ قدوتنا حينَ كانَ يُقَبِّلُ الصبيانَ ويحملهم، ويُراعي النساءَ ويعطفُ عليهن، ويُطالبُ بالرفقِ بِهِنَ. وإن ما نراهُ من مُشكلاتٍ أُسريةٍ بين الأزواجِ أو بينَ الآباءِ والأُمهاتِ والأولادِ أو بينَ الأقاربِ حتى وصلت إلى المحاكمِ والشرط ولا حول ولا قوة إلا بالله كُل ذلك راجع ـ إخوتي ـ ولا شك إلى فقد الحوارِ وضعفه فيما بيننا، أضف إلى ذلكَ ما تراه يظهر من تراشُقٍ وسِبَابٍ بات مُعلنًا في الصحفِ والقنواتِ بين المثقفين تجاهَ أهل العلمِ أو خلافات لا تورثُ إلا مزيدًا من الفرقةِ والتنازع، وإلا لو كانت علميّة وجلسنا مع بعضنا البعض بكلِ صدقٍ وإخلاصٍ وحسنِ ظنٍ وتحاورنا حول المشكلةِ أيًا كانت لاستطعنا بإذن اللهِ الوصولَ إلى الحلولِ المناسبة، إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا.

كما أننا نَحتاجُ إلى تفعيلِ الحوارِ قَولاً وعَملاً في مؤسساتِنا الرسميةِ دُولاً وشُعوبًا ومُؤسسات، وأن لا يكونَ حِوارنا وتَشاورنا شِعاراتٍ لا تُنفّذ ومجالسَ لا تُطبق، بل تكونُ وسيلةً لتطبيقِ أنّ أمرهم شورى بينهم كما فعله قدوتنا رسول الله مع صحابته، فنسمع من الناس قولهم وشكايَتهم، لا سيما من ولاّه الله مسؤولية في عنقه تلقى عليهِ أن يسمعَ من الناسِ آراءَهم وحاجاتِهم ويُحاورهم لإصلاحها.

وما كان للظلمِ أن ينتشرَ وللطغيانِ أن يَستمِرَ وأن يبغي الباغونَ على الضعفاءِ وأن تضيعَ أموالُ الناسِ والأُمةِ ومصالِحُهم إلا من جَراءِ فقدِ الحوارِ والتناصُحِ بالحسنى؛ ولذلك رأينا أن أبا بكر الصديق حينما تولى الخلافة وعمر بن الخطاب جعلوا شعار ولايتهم: (فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم).

نسأل الله جلّ وعلا أن يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يجنّبنا سيّئها، وأن يؤلّف بين قلوبنا، ويجمع كلمتنا على الحقّ، ويبعد عنا التنازع والشقاق وما ساء من الأخلاق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا.

بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد: أيها الإخوة المؤمنون، نعمة السيارات نعمة عظيمة، منّ الله بها علينا في هذه الأزمان، قربت البعيد، وخدمت المحتاج، ونقلت المسافر، وإذ بهذه النعمة تنقلب إلى نقمة في مجتمعنا، نعم نقمة؛ فقد بينت إحصائيات أجريت مؤخرًا الأخطار الجسيمة الناتجة عن الحوادث المرورية التي تتزايد باطرادٍ مذهل في بلادنا، حتى أصبحنا ثاني بلد في العالم بكثرة حوادث السيارات، مشيرةً إلى أن التهور في القيادة وعدم الالتزام بالقواعد المروية تأتي في مقدمة أسبابها، كما أوضحت تلك الإحصائيات أن تكلفة تلك الحوادث بلغت عندنا ما يقارب تسعة وأربعين مليار ريال، أي: ما يعادل نحو 5 في المائة من الناتج المحلي، وإذا تجاوزنا الخسائر المادية إلى الخسائر البشرية لرأينا أرقام ضحايا السيارات كضحايا الحروب والأوبئة؛ إذ يموت في كلِّ ساعة فردٌ واحد، ويجرح أربعة منهم، ضحايا تمثل شللا دائمًا، وكل ذلك من تهاون الناس بهذه الوسيلة بالتهور بالقيادة وعدم اهتمام الشباب خاصة بقواعد المرور والالتزام بالإشارة المرورية واحترامها.

أيها الإخوة المؤمنون، إن عامةَ أسباب الحوادثِ يمكن تلافيها بإذن الله، ومنها عدم تسليم السياراتِ لصغار السن، وتجنب السرعةِ الزائدةِ عن حدِ السيطرةِ على المركبةِ، ومنها أيضًا الصيانةُ الدوريةُ للمركبةِ وتعاهدها وتعاهد إطاراتها وعامة أمورها؛ فهو أدعى للسلامة من الحوادث. بالإضافة إلى الالتزام بالإشارات المرورية، فما وضعت إلا لضبط السير وتلافي الحوادث، وأكثر الحوادث هو بسبب تجاهلها، وكذلك في إيجاد العقبات الرادعة لمن يخالف أنظمة المرور، لا سيما الشباب المستهترون، فيتسبب لنفسه وغيره بالموت والإعاقة.

وأسباب السلامة كثيرة، وأصحاب الاختصاص من رجال المرور وغيرهم يعرفون منها ما لا نعرف، ويرشدون بما يرون أنه أدعى لإبعاد الناس على الحوادث، ومن طلب أسباب السلامة وجدها، والعاقل من وعظ بغيره، والمجنون من لم تنفعه المواعظ وتردعه الحوادث التي نراها هنا وهناك. نسأل الله أن يحفظنا من كلِّ شرٍ وسوء.

اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

للخطيب :
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي






التوقيع





[RAMS]http://www.hothle.com/vb/uploaded/3828_11325092339.mp3[/RAMS]
رد مع اقتباس
قديم 03-27-2009, 05:38 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية سنجار
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

سنجار غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

بيض الله وجهكـ


وجزاكـ عنا ألف خير


تقبل تحيتي






رد مع اقتباس
قديم 03-27-2009, 06:01 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

ابيض وجه
تسلم أجوي سنجار علي المرور
العطر






رد مع اقتباس
قديم 03-27-2009, 11:02 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

عناد المطرفي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

جزاك الله كل خير






التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 03-27-2009, 11:28 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

تسلم أخوي عناد
وأشكرك علي المرور






رد مع اقتباس
قديم 03-28-2009, 02:01 AM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سعود المسعودي

 
الصورة الرمزية أبو رديد
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

أبو رديد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

جهد مبارك

جزاك الله خير






رد مع اقتباس
قديم 03-28-2009, 02:28 AM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

تسلم أخوي أبو رديد
وشكراً علي مرورك
تحياتي لك






رد مع اقتباس
قديم 03-28-2009, 08:11 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
غازي الهذلي

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

هذلي قديم غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

جزاك الله خيراً
على جهودك معنا في القسم
وأسأل الله ألا يحرمك الأجر






التوقيع

[

رد مع اقتباس
قديم 03-28-2009, 08:48 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

وجبنا أخوي
الله يسمع منك
وأسأل الله أن ينفع بها أخواني
أشكرك علي المرور العطر
تحياتي لك






رد مع اقتباس
قديم 03-29-2009, 10:32 PM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

عبدالله الحجي المطرفي الهذلي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4


أخي العزيز الفاضل( بث تجريبي ) قرأت الخطبتين واتعضت كما آمل أن الجميع اتعض واعتبر .. أسأل الله جل جلاله أن لا يحرمك أجر مانقلت وما سعيت له وأكثر الله من أمثالك أعضاء متميزين بنقل كل مايعودبالنفع على المشاركين والقراء ديناً ودنيا . بقي أن أنصحك باختيار نوع الخط المناسب ليسهل قراءة ما تكتبه بيسر وشكراً إن أنت أخذت بهذه النصيحه من أخ لك مهنته خطاط .






التوقيع

[bimg]http://thumbs.bc.jncdn.com/f68f9fcc7d83738ce0b65ebb99c7dcea_lm.jpg[/bimg]

رد مع اقتباس
قديم 03-30-2009, 12:41 AM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الحجي المطرفي الهذلي مشاهدة المشاركة

أخي العزيز الفاضل( بث تجريبي ) قرأت الخطبتين واتعضت كما آمل أن الجميع اتعض واعتبر .. أسأل الله جل جلاله أن لا يحرمك أجر مانقلت وما سعيت له وأكثر الله من أمثالك أعضاء متميزين بنقل كل مايعودبالنفع على المشاركين والقراء ديناً ودنيا . بقي أن أنصحك باختيار نوع الخط المناسب ليسهل قراءة ما تكتبه بيسر وشكراً إن أنت أخذت بهذه النصيحه من أخ لك مهنته خطاط .
نورت متصفحي أخي الفاضل

وأسأل الله أن ينفعنا

ويهدينا إلي الخير

مرورك شرف وسام علي صدري

ولا تحرمنا أخي من نصحك

ودمت بخير






رد مع اقتباس
قديم 03-30-2009, 05:04 PM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

الرحال الهذلي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

جزاك الله خيراً






رد مع اقتباس
قديم 04-02-2009, 08:58 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية بث تجريبي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

بث تجريبي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: خطبة الجمعه 4

تسلم رحال

أسعدني مرورك العطر






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خطبة الجمعة 3 بث تجريبي المجلس العام 5 03-21-2009 02:50 PM
خطبة الجمعة بث تجريبي المجلس العام 6 03-07-2009 09:30 AM
خطبة جمعة ( المولد النبوي ) سلطان السويهري المجلس العام 4 03-18-2008 05:40 PM
خطبة الجمعه في سوريا راشدالهذلي المجلس العام 5 11-07-2007 01:27 AM
خطبة أبليس يوم القيامة .. تأمل تقشعر له الأبدان .. محبوب المجلس العام 7 09-01-2007 01:21 AM


الساعة الآن 09:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل