بعض السبل التي تعين على تربية الاولاد (1 )
معاشر الفضلاء هناك بعض السبل المعينة على تربية الأولاد، وأمور يجدر بنا مراعاتها، وينبغي لنا سلوكها مع فلذات الأكباد، فمن ذلك ما يلي:
1_ العناية باختيار الزوجة الصالحة:
فلا يليق بالإنسان أن يقدم على الزواج إلا بعد استخارة الله _عز وجل_ واستشارة أهل الخبرة والمعرفة; فالزوجة هي أم الأولاد، وسينشؤون على أخلاقها وطباعها، ثم إن لها_في الغالب_تأثيرًا على الزوج نفسه; لذلك قيل: المرء على دين زوجته; لما يستنزله الميل إليها من المتابعة، ويجتذبه الحب لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلاً، ولا إلى المباينة والمشاقة طريقاً.
قال أكثم بن صيفي لولده: يا بَنِيَّ! لا يَحْمِلَنَّكم جمال النساء عن صراحة النسب; فإن المناكحَ الكريمةَ مدرجةٌ للشرف.
وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه:قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد? قال: اخترت لكم من الأمهات مَنْ لا تُسَبُّون بها.
وأنشد الرياشي:
فأول إحساني إليكم تَخَيُّري
لماجدة الأعراق بادٍ عفافُها
2_ سؤال الله الذريةَ الصالحة:
فهذا العمل دأب الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين كما قال_تعالى_عن زكريا_عليه السلام_: [قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ] (آل عمران: 38) .
وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون: [رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً] (الفرقان: 74) .
3_ الفرح بمقدم الأولاد، والحذر من تسخطهم:
فالأولاد هبة من الله_عزّ وجل_واللائق بالمسلم أن يفرح بما وهبه الله، سواء كان ذلك ذكرًا أم أنثى، ولا ينبغي للمسلم أن يتسخط بمقدمهم، أو أن يضيق بهم ذرعاً، أو أن يخاف أن يثقلوا كاهله بالنفقات; فالله_عز وجل_هو الذي تكفل برزقهم كما قال_سبحانه وتعالى_: [نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ] (الإسراء: 31) .
كما يحرم على المسلم أن يتسخط بالبنات، ويحزن لمقدمهن، فما أجدره بالبعد عن ذلك; حتى يسلم من التشبه بأخلاق الجاهلية، وينجو من الاعتراض على قدر الله، ومن ردِّ هبته_عز وجل_.
ففضل البنات لا يخفى، فهن البنات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن الأمهات، وهن_كما قيل_نصف المجتمع، ويلدن النصف الآخر، فهن المجتمع بأكمله.
ومما يدل على فضلهن_أن الله_عز وجل_سمى إتيانهن هبةً، وقدمهن على الذكور، فقال_عز وجل_: [لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] (الشورى: 49) .
وقال_عليه الصلاة والسلام_:من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن سترًا له من النارأخرجه البخاري، ومسلم
وقال": لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنةأخرجه الإمام أحمد
ولله در القائل:
حبذا من نعمة الله البناتُ الصالحاتُ
هن للنسل وللأنس وهن الشجراتُ
وبإحسانٍ إليهنَّ تكون البركاتُ
4_ الاستعانة بالله على تربيتهم:
فإذا أعان الله العبد على أولاده، وسدده ووفقه _أفلح وأنجح، وإن خُذل ووكل إلى نفسه_فإنه سيخسر ويكون عمله وبالاً عليه، كما قيل:
إذا صح عونُ الخالق المرءَ لم يجد
عسيرًا من الآمال إلا ميسرا
وكما قيل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
5_ الدعاء للأولاد، وتجنب الدعاء عليهم:
فإن كانوا صالحين دعي ليهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا طالحين دعي لهم بالهداية والتسديد.
والحذر كلَّ الحذرِ من الدعاء عليهم; فإنهم إذا فسدوا وانحرفوا_فإن الوالدين أولُ من يكتوي بذلك.
6_ تسميتهم بأسماء حسنة:
فالذي يجدر بالوالدين أن يسموا أولادهم أسماءً إسلاميةً عربيةً حسنةً، وأن يحذروا من تسميتهم بالأسماء الممنوعة، أو الأسماء المكروهة، أو المشعرة بالقبح، فالأسماء تستمر مع الأبناء طيلة العمر، وتؤثر بهم، وبأخلاقهم.
قال ابن القيم:فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل:
وقلَّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ
إلا ومـعناه لو فكَّرت في لقبه
والله_سبحانه_بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها ; لتناسب حكمته_تعالى_بين اللفظ ومعناه كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها.
قال أبو الفتح ابن جني: ولقد مر بي دهرٌ وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه، فآخذ معناه من لفظه، ثم أكتشفه، فإذا هو ذلك بعينه، أو قريب منه.
فذكرت ذلك لشيخ الإسلام ابن تيميةفقال: وأنا يقع لي كثيراً.
وقال ابن القيم:وبالجملة فالأخلاق والأعمال، والأفعال القبيحة - تستدعي أسماءً تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماءً تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سمي رسول الله " محمداً وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه; ولهذا كان لواء الحمد بيده، وأمته الحمَّادون، وهو أعظم الخلق حمدًا لربه_تعالى_لهذا أمر رسول الله " بتحسين الأسماء فقال: حسِّنوا أسماءكم; فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحيي من اسمه، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه، وترك ما يضاده; ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم، وأكثر العِلْيَة أسماؤهم تناسبهم، وبالله التوفيق.
قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد_رحمه الله_: فعلى المسلمين عامة، وعلى أهل هذه الجزيرة العربية خاصة_العناية في تسمية مواليدهم بما لا ينابذ الشريعة بوجه، ولا يخرج عن سنن لغة العرب; حتى إذا أتى إلى بلادهم الوافد، أو خرج منها القاطن_فلا يسمع الآخرون إلا: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد، وعائشة، وفاطمة، وهكذا من الأسماء الشرعية في قائمة يطول ذكرها زخرت بها كتب السير والتراجم.
أما تلك الأسماء الأعجمية المولدة لأمم الكفر المرفوضة لغة وشرعًا، والتي قد بلغ الحال من شدة الشغف بها التكني بأسماء الإناث منها، وهذه معصية المجاهرة مضافة إلى معصية التسمية بها_فاللهم لا شماتة.
ومنها: إنديرا، جاكلين، ديانا، سوزان_ومعناها الإبرة، أو المحرقة_فالي، فكتوريا، كلوريا، لارا، لندا، مايا، منوليا، هايدي، يارا.
وتلك الأسماء الأعجمية فارسية أو تركية، أو بربرية: مرفت، جودت، حقي، فوزي، شيرهان، شيرين، نيفين.
وتلك التافهة الهمل: زوزو، فيفي، ميمي.
وتلك الأسماء الغرامية الرخوة المتخاذلة: أحلام، أريج، تغريد، غادة، فاتن، هيام.
وما أجمل قول البيحاني في منظومته:
سـم الـذي جـئتِ به محمداً
أو طاهراً أو مصطفى أو أحمدا
نـعـم وإن شـئت فـعبد الله
لـكي يـعيش تحت لطف الله
والـبنتَ سـميها بـأم هـاني
لا بـاسم فـيروز ولا اسمهان
7_ تكنيتهم بكنى طيبة في الصغر:
كأن يكنى الولد بأبي عبد الله، أو أبي أحمد أو غير ذلك; حتى لا تسبق إليهم الألقاب السيئة، فتستمر معهم طيلة العمر; فقد كان السلف الصالح يُكَنُّون أولادهم وهم صغار، فتبقى معهم هذه الكنى حتى فراق الدنيا، وكتب التراجم والسير زاخرة بذلك.
8_ غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد:
فمما يجب_بل هو أوجب شيء على الوالدين_أن يحرصوا كل الحرص، على هذا الأمر، وأن يتعاهدوه بالسقي والرعاية، كأن يعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله_عز وجل_وأن ما بِنَا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم_أيضًا_أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم.
9_ غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم:
فيحرص الوالد على تربيتهم على التقوى، والحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والبر، والصلة، والجهاد، والعلم; حتى يَشِبُّوا متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق.
10_ تجنيبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم:
فيُكَرِّه الوالد لهم الكذب، والخيانة، والحسد، والحقد، والغيبة، والنميمة، والأخذ من الآخرين، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والجبن، والأثرة، وغيرها من سفاسف الأخلاق ومرذولها; حتى ينشأوا مبغضين لها، نافرين منها.
ومازال للموضوع بقية نكمله مرة أخرى بإذن الله تعالى .....
|