ثقافة الإقصاء في بلدي تنتشر
ورفض الحوار اصبح سمة
ومهاجمة المخالف لرأيي اصبحت بطولة
وإغلاق أي باب للإقناع اصبح فن
نحن قوم تربينا على عدم تقبل الرأي الاخر وإن تظاهرنا بالمشورة..
تعالوا وشاهدوا هذا الحوار:
الأب: تبغى حلاوة ولا لعبة؟ يلا اختار اللي تبغاه عشانك شاطر وسمعت الكلام..
الإبن: ابغى حلاوة
الأب: لا خذ لعبة عشان الحلاوة تعور اسنانك...!
ثقافة الإخراس والقمع:
الفتاة: يابابا اخوي اخذ لعبتي
الأب: معليش اخوكي الكبير
الفتاة: بس أنا اخذتها قبله
الأب: اقطعي واخص
يا أحبتي هناك من توغلت هذه الثقافة في عروقه وفكره وقبله..
يقصي كل من يعارض فكره ورايه...
وإن بين انه يناقش ويحاور..
والأمثلة تطول ولكن دعوني اريكم بعض صور الإقصاء:
1- هناك من يستخدم الدين لإقناعك برأي ليس للدين فيه علاقة.. ولكن لأن الدين يؤثر على عواطف الكثير ويوقف النقاش (أحيانا) نستخدمه في غير مواضعه وقد يصل أحيانا إلى الكذب..!
مثال:
ما انتشر قبل فترة ليست قريبة عن قصة الفتاة التي كفنوها ودفنوها ببنطال الجينز وذلك لأنها تلبس بنطلون الجينز (والعياذ بالله) ولم تفارقه فعاقبها الله به..!
يا احبة هذه قصة لا تدخل العقل ولا يقبلها عاقل.. ولكن نسمع من يستخدم قصص مثلها لإقناع أناس بشي في البال لم ينزل الله به من سلطان..
اللجوء إلى القصص الكاذبة حذر منها أهل العلم.. تعالوا لنقرأ:
أخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لم يقص - بضم الياء وفتح القاف - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبي بكر ولا عهد عمر ولا عهد عثمان إنما كان القصص حيث كانت الفتنة) موارد الظمان صفحة (58) وذكره السيوطي في تحذير الخواص صفحة (245).
وغالبا ما يلجأ اصحاب هذا الأسلوب إلى هذا المنطق لضعف درايتهم بالألدلة الحقيقية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مثل هؤلاء: «اعيتهم الاحاديث أن يحفظوها....» شرح الالكائي لأصول السنة (139/1) والدارمي (47/1).
2- حين ترد براي احد المفكرين او العلماء يهاجم هذا المفكر او العالم وتبدا سيول الهجمات والشتم والتشكيك في الأخلاق والدين فقط لأن رايه لا يوافق راي المفكر.
فكم من جهود بذلت ووقت ضاع وأبحاث جمعت من أجل إثبات ان فلان لديه ثغرات ونسمع السجع في العناوين وهذا كتاب للرد على الفاسق العودة وهذا رد على الألباني..
فالقرضاوي وكتابه الحلال والحلال..! وهلم جرا..
ننتقل من موضوع الحوار الأساسي ونناقش علم وأخلاق المستشهد به فقط لأنه لا يوافق كلامي..
قال يحيى بن سعيد الأنصاري:" ما برح أولو الفتوى يختلفون، فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه" [جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله:"( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )البقرة: 286 . وفي الصحيح قال: ((قد فعلت)) [الفتاوى 19/191-192].
قال الذهبي:" ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة[/color]"[سير أعلام النبلاء (14/40)][/
3- القدح في أفكار وأخلاق الطرف الاخر لمجرد انه قال رأيه والبجح في الحديث معه:
نسمع في بعض الحوارات ونقرأ ( نسأل الله ان يهديك ويردك إلى طريق الحق) وكأن طريق الحق فقط هو رأيه هو.. مع ان الموضوع نقاشي في أمر يقبل النقاش والحوار.. ليت شعري الأئمة يتناقشون في امور الفقه واصوله والحديث وعلومه ولا نجد منهم إلا الإحترام والتقدير تجاه بعضهم البعض..
يقول يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة".[سير أعلام النبلاء 10/16].
4- إن لم تكن معي فأنت ضدي:
وننسى كلمة الصحابي الجليل للرسول صلى الله عليه وسلم في بدر(أهو أمر الله أم الرأي والمشورة؟) ولما علم أنه الرأي والمشورة اختلف في وجهة النظر فكان رأيه (الخطة الحربية) أصوب.
وأحيلكم أيضا إلى قصة رجلين عظيمين في التاريخ.. أحدهما جدنا الإمام الجليل الصحابي عبدالله بن مسوعد رضي الله عنه وارضاه.. والذي يعرف باقرب الناس سمتا وهديا برسول الله.. ووصفه عمر في ثلاث كلمات عظيمات (كنيف ملئ علماً)... وفي الحديث الذي رواه البخاري والترمذي من حديث عبد الرحمن بن يزيد رحمه الله تعالى يقول: سألت حذيفة رضي الله عنه عن رجل قريب السمت والهدي والدل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: والله ما نعلم أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد ...!
والثاني ذي النورين وثالث الخلفاء الراشدين والصحابي الشهيد الذي تستحي منه الملائكة.. حين اختلفا في إتمام الصلاة في منى..
والقصة أن ابن مسعود لما علم أن عثمان قد أتم الصلاة بمنى صلى بأصحابه أربع ركعات، فقال تلاميذه: ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وأبو بكر وعمر ؟! قال: وأنا أحدثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماماً للمسلمين، فخشيت أن أخالفه، فإن الخلاف شر كله، بل وخرج ابن مسعود ليهدئ من ثورة الأصحاب الذين غضبوا لما أتم عثمان الصلاة في منى، فقابله عبد الرحمن بن عوف وقال: هل سمعت يا أبا عبد الرحمن ؟! لقد أتم عثمان الصلاة فصليت بأصحابي ركعتين، فقال ابن مسعود لـعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعاً، ولكني صليت بأصحابي أربع ركعات، وخشيت أن أخالف عثمان فإن الخلاف شر كله، فقال عبد الرحمن : أما الآن فسوف أفعل ما قلته يا أبا عبد الرحمن
وفي (6/73)وبعد أن ذكر إتمام عثمان وصلاة ابن مسعود خلفه قال أبو عمر : " عاب بن مسعود عثمان بالإتمام بمنى ثم أقيمت الصلاة فصلى خلفه أربعاً فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر.
أنظروا إلى الأخلاق والإحترام في الخلاف..
لم يقل ابن مسعود رضي الله عنه أنا أعلم من عثمان وأنا اقرب سمة برسول الله وأعلم الصحابة واقرأهم..! ولم يقل ان عثمان يخالف الرسول إذا هو ضدنا..
بل اوجب على الصحابة اتباع عثمان رغم - ولاحظوا - رغم ان الخلاف في مسالة عبادة ونسك..!
وليس في قيادة سيارة او لباس ..
يا أهل الكرم والشهامة
ما نحن هنا نتناقش إلا لنستفيد ولنتعلم ونرى أفكار وطرق تفكير بعضنا البعض.. فكل منا في النقاش له وجهة نظر يجب ان نحترمها.
وإن اختلفنا معه او معها يجب ان نحترم صاحب الفكرة وصاحبة الرؤية..
طلب مني لكم جميعا
لننبذ فكرة الإقصاء في الحوارات
ونتقبل الاراء
وان اختلفنا يبقى الود يجمعنا...
على الخير والحب
فاصلة:
اسمحوا لغياب بعض الهمزات من الالف وذلك لصعوبتها في جهازي
- وراد -