الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
وقال أيضا الشيخ محمد رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وأما قوله: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }
فقد تضمنت أيضا ذكر ثلاثة:
الأول: الاستعاذة، وقد تقدمت < في تفسير سورة الفلق في هذا المنتدى > .
الثاني: المستعاذ به.
الثالث: المستعاذ منه.
فأما المستعاذ به
فهو الله وحده لا شريك له، رب الناس الذي خلقهم ورزقهم ودبرهم،
وأوصل إليهم مصالحهم، ومنع عنهم مضارهم.
{ مَلِكِ النَّاسِ }
أي المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه، المدبر لهم كما يشاء،
الذي له القدرة والسلطان عليهم،
فليس لهم مَلِكٌ يهربون إليه إذا دهمهم أمر;
يخفض ويرفع ويصل ويقطع ويعطي ويمنع.
{ إِلَهِ النَّاسِ }
أي معبودهم الذي لا معبود لهم غيره، فلا يُدْعَى ولا يُرْجَى ولا يَخْلُقُ إلا هو،
فخلقهم وصوّرهم وأنعم عليهم وحماهم مما يضرهم بربوبيته،
وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصَرَّفهم كما يشاء بملكه،
واستعبدهم بالهيبة الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه :
فهو الوسواس;
وهو الخفي الإلقاء في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقي إليه،
وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد.
وأما الخناس فهو
الذي يخنس ويتأخر ويختفي، وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء،
وهذان وصفان لموصوف محذوف وهو الشيطان،
وذلك أن العبد إذا غفل جثم على قلبه وبذل فيه الوساوس التي هي أصل الشر;
فإذا ذكر العبدُ ربه واستعاذ به، خنس.
قال قتادة:
الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس،
ويقال:
رأسه كرأس الحية يضعه على ثمرة القلب يمنّيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس;
وجاء بناؤه على الفَعَّال الذي يتكرر منه:
فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }
يعني أن الوسواس نوعان: إنس وجن؛
فإن الوسوسة الإلقاء الخفي،
لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن والجني لا يحتاج إليها،
ونظير اشتراكهما في الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني
في قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }
والله أعلم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كان هذا من تفسير الإمام المجدد للدعوة النبوية الصحيحة . محمد بن عبد الوهاب
رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عنّا وعن المسلمين خير الجزاء وأعظمه وأوفره
وأسكنه جنات الفردوس الأعلى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .