ولم يلبث أن سمع أصواتا وجلبة في فناء المدرسة وأقدام تصعد درجات المدرسة متوثبة ، فهب مسرعا إلى الباب ظانا أن الوكيل نسيه مفتوحا عند مغادرته ، وأن هؤلاء إنما هم شباب الحي العابثون أتتهم فرصة العبث على طبق من ذهب ، وهم الناقمون على المدرسة ، الحانقون على المعلمين .. ، فلما وصل الفناء وجد المكان خلاءاً ، والباب مقفلاً ، فتذكر ما كان يسمعه من أحاديث لقدامى المعلمين ، عن الجن والعفاريت التي اتخذت المدرسة موطنا ، ومرتعا ومسرحا ، وما يصدرونه من أصوات وضجيج .. ، لكنه تمالك نفسه وقرأ المعوذتين ، وأردفها بآية الكرسي ، وعلم أنه في حصن حصين من رب العالمين ، ثم ما لبثت الأصوات أن عادت ، وبدأت في الاقتراب شيئا فشيئا ، وقد كان دخولهم إلى المدرسة فوجا واحدا وكأنه على موعد طائرة، وأن ليلهم في مبتداه ، فهذا صوت إسعاف ، وهذا صوت سيارة الشرطة وميكرفونها يصدر منه كلام بصوت عال غير مفهوم ، وهذه أم تخاصم ثلاثة من أبنائها ، وقد أعيتها الحيل في ضبطهم كما يبدو من صوتها ، وهذه أبواب تضرب ، وهذه أرجل تذرع الدرج جيئة وذهابا ، وهناك هزات ورجفات تأتي عبر السقف ، وظل المعلم صامدا حتى الواحدة ليلا موعد إنتهاء مهمته ، فغادر المدرسة وأوصد أبوابها عن الإنس.
هذا ماكان يُحدثنا عنه اجدادنا رحمهم الله فقد حصل مثل هذه القصه قصص لاتعد ولاتحصى الله يخارجنا منها