
سلسلة الآل والصحابة محبة وقرابة (5)
العقد الثمين
في فضائل عائشة أم المؤمنين
إصدارات جمعية الآل والأصحاب مملكة البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة و السلام على خير المرسلين محمد و على اله و صحبه أجمعين.
وبعد،
نتحدث في هذه الحلقة عن سيرة الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبو بكر رضي الله عنهما، كانت تُكنى بأم عبد الله، وأمها: أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، ولدت بعد البعثة بأربع سنوات، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي بنت ست ودخل بها وهي بنت تسع سنين، ولم يتزوج بكراً غيرها، توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في الثامنة عشرة من عمرها وكانت وفاتها في 17 من رمضان سنة 58هـ وصلى عليها أبو هريرة t ودفُنت ليلاً في البقيع رضي الله عنها. روت من الأحاديث (2210) حديثاً وهي أربع المكثرين من الرواية بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضوان الله عليهم.
قال ابن القيم رحمه الله : ومن خصائصها : أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره وقد سئل أي الناس أحب إليك قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها .
ومن خصائصها أيضا : أنه لم يتزوج امرأة بكرا غيرها .
ومن خصائصها : أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها .
ومن خصائصها : أن الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال : " ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستنّ بها ( أي اقتدى ) بقية أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم وقلن كما قالت .
ومن خصائصها : أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهمإلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرا لها ولا عائبا لها ولا خافضا من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيا لها من منقبة ما أجلها ...
ومن خصائصها رضي الله عنها : أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها .
ومن خصائصها : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها .
ومن خصائصها : أن الملَك أَرى صورتَها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن هذا من عند الله يمضه .
ومن خصائصها : أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقربا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهن أجمعين .
وفضائل الصديقة كثيرة ، فعن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت: فمن الرجال؟ قال أبوها. رواه البخاري.
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرَقَةٍ من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشفُ عن وجهك فإذا أنتِ هي فأقول إن يكُ هذا من عند الله يُمضه". متفق عليه
وعنها رضي الله عنها فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً يا عائش، هذا جبريل يقرئُك السلام" فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، تَرى ما لا أرى - تريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري
وعن عروة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها.
روى الشيخان بإسناديهما إلى عائشة " أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم شكوا ذلك إليه فنـزلت آية التيمم فقال أُسيد بن حضير جزاك الله خيراً فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركه.
وروى البخاري والترمذي وصححه عن عبد الله بن زياد الأسدي قال: "سمعتُ عماراً يقول: هي زوجته في الدنيا والآخرة.
وقد ورد في فضلها عن أئمة أهل البيت رحمهم الله روايات كثيرة، نذكر منها
فعن علي قال: دخلت السوق، فابتعت لحماً بدرهم وذرة بدرهم، فأتيت بهما فاطمة، حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته، فخرجت وهو مضطجع يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً، فقلت: يا رسول الله، عندنا طعام، فاتكأ علي ومضينا نحو فاطمة، فلما دخلنا قال: هلمي من طعامنا، ثم قال: اغرفي لعائشة فغرفت([1]).
وعن الصادق قال: إنما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكان عائشة، فاخترن الله ورسوله، ولم يكن لهن أن يخترن غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([2]).
وقد سمَّى بعض الأئمة بناتهم بعائشة، كالكاظم([3])، والرضا([4])، والهادي([5]).
وقد كانت الصديقة رضي الله عنها تحفظ قدر الأمير وتذكر فضائله ولا تكتمها رغم كل ما حصل وقيل، وهذه روايات أوردها الشيعة من طرقهم تؤكد هذا:
منها أنها رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل علي بن أبي طالب، فقال: هذا سيد العرب([6]). وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذكر علي عبادة([7]).
وعنها رضي الله عنها قالت: زينوا مجالسكم بذكر علي([8]). وقالت -وقد ذكر عندها علي بن أبي طالب-: كان من أكرم رجالنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([9]).
وعن جميع بن عمير قال: قالت عمتي لعائشة وأنا أسمع لـه: أنت مسيرك إلى علي ما كان؟ قالت: دعينا منك، إنه ما كان من الرجال أحب إلى رسول الله من علي، ولا من النساء أحب إليه من فاطمة([10]).
وكانت تتذكر هذا المسير، فتقول رضي الله عنها: والله لو كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرون كلهم ذكر مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت أو قتل كان أيسر علي من خروجي على علي([11]).
وسئلت رضي الله عنها عنه، فقالت: ذاك خير البشر، ولا يشك فيه إلا كافر([12]). وفي رواية: ذاك من خير البرية ولا يشك فيه إلا كافر([13]).
وعنها رضي الله عنها أنها قالت: رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي، فقلت لـه: يا أبه، أراك تكثر النظر إلى وجه علي؟ فقال: يا بنية، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة([14]).
وقالت لأخيها محمد بن أبي بكر : الزم علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله يقول: الحق مع علي، وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا على الحوض([15]).
ولما بلغها قتله للخوارج قالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يقتلهم خير أمتي بعدي. وفي رواية: هم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة وأعظمهم عند الله تعالى يوم القيامة وسيلة. وفي أخرى: اللهم إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي، وما كان بيني وبينه إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها([16]).
والحق أن الروايات في هذا الباب كثيرة ، وإنما أوردنا بعضها هنا لنتساءل عن العلة في ذكر البعض للروايات الموضوعة في العداء الموهوم بينهما رضي الله عنهما، والتكتم عن هذه الروايات وكلها من نفس الطرق.