11-20-2009, 10:36 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
اخر
مواضيعي |
|
|
عين زبيدة (تقرير مصور)
ظلت زمزم والآبار هي مصدر المياه لمكة المكرمة لسنوات عديدة ، ولكن مع ازدياد أعدد السكان والحجاج والسيول الجارفة أضطر أهل مكة المكرمة لجلب المياه من خارجها من منطقة المعلاة حتى عهد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الذي جلب عشرة عيون من الحل إلى مكة المكرمة ، وهي لمزارع وبساتين خارجها.
ومع الوقت تهدمت العيون التي كانت تسقي مكة المكرمة جراء السيول والأمطار والإهمال ، وأصبح سكان البلد الحرام وزواره يعانون الأمرين ، قلة الماء وارتفاع الأسعار.
حين شعرت السيدة زبيدة زوج الخليفـة الصالح هارون الرشـيد - رحمهما الله - " أثناء حجها بمدى العنت الذي يعانيه الحجّاج والمعتمرون نتيجة شُح المياه، فأمرت - بإجراء عين وادي النعمان - إلى عرفة سنة 174هـ / 791م.
ووفقت لذلك أيما توفيق فوصل الماء زلالاً إلى عرفة ومزدلفة ، وأصبح قريباً من منى، فيما يُعرف ببئر زبيدة، وفي العصر العثماني ، عام 979هـ / 1571م، قيّض الله كريمة السلطان سليمان خان السيِّدة خانم سلطان - رحمهما الله - لإعمار العين، فوجهت المهندسين والفنيين والبنائين وكانوا قرابة (1000) شخص من مختلف الدول الإسلاميّـة لإعماره، فتمّ مد القناة من بئر زبيدة إلى الأبطح، لتلتقي بمياه عين حنين، أمام مبنى إمارة منطقة مكّة المكرّمة، ثمّ إلى المعلاة، ثمّ إلى الحرم، ثمّ يتوزّع الماء في شبكة حجريّة جميلة داخل أحياء مكّة المكرّمة ليصب في ثلاثة وثلاثين بازان، منتشرة في مختلف أحياء مكّة المكرّمة. وظل هذا المشروع يسقي الحاج والمعتمر والمقيم والمجاور لمدة تربو على 1200 عام.
هذه تسمى بالخرزة و جمعها خرزات و هي بمثابة عمل نقاط التفتيش و بمثابة عمل الآبار أيضاً ,, و منها ماهو مدفون و مغلق لا يفتح إلا للحاجة الماسة لذلك
وقيض الله لهذا المشروع العظيم من مد قنواته وأكملها لتتوزع مياهها على أحياء المدينة المقدسة ، تجلي هذه العين مدى عظمة الفكر الهندسي الإسلامي وتشهد له بالإبداع والتفوق كل منشآتها من حيث التصميم والتنفيذ ومراعاة الجوانب التي تحقق الإفادة منها على الوجه الأتم.
هذا مع عدم إغفال الجانب الجمالي ، في ظل رؤية اقتصادية واضحة تأخذ في الاعتبار الحصول على أكبر قدر من النفع بأقل ما يمكن من التكاليف ، مع ضمان ديمومة المشروع واستمرار عطائه ونفعه.
مجموعة من الخرزات
يستمد المشروع مياهه من مسايل أودية وادي نعمان المتاخم لمكة المكرمة، لتنساب عبر قنوات مغطاة بصفائح حجرية ثقيلة إلى عرفات ومزدلفة، ومن ثم إلى البلد الحرام، مندفعة بفعل جاذبية يصنعها الانحدار الطبيعي الذي استثمره فكر المهندس المسلم ليصب في ثلاثة وثلاثين بازاناً موزعة على أحياء مكة بلا تكلفة تذكر، اللهم إلا تكلفة الصيانة وهي بحول الله ميسره ..
وتنقسم قنوات العين إلى قسمين رئيسين: قسم مجمع للمياه في مناطق المطر والسيول، وقسم آخر ناقل لها إلى الأماكن التي ذكرت مع مراعاة الخصـائص الهندسية المطــلوبة لكل قســم منها في إبداع وإتقان.
يستغل هذا المشروع المبارك المياه المنحدرة من مسايل أودية وادي نعمان - الذي يقع متاخماً لمكّة المكرّمة من جهتها الجنوبيّة الغربيّة - التي تجد طريقها لتستقر في باطن المكامن الجوفيّة حيث تتسرب إلى داخل قنوات حجريّة أو أنفاق صخريّة أو شبه صخريّة تنساب بهدوء وطمأنينة لتصل إلى عـرفات ومزدلفة ومنى فمكّة المكرّمة رقراقة عذبة كالزلال، تسقي الحجيج والمعتمرين والمجاوريـن والمقيمين وقوافلهم ودوابهم، عبر أحواض وبازانات وبرك.
وما فاض عن حاجتهم وجهوه إلى مزارعهم، فاستفادوا منه فيما ينبت طعامهم وطعام دوابهم. تتراوح كميات هذه المياه بين عشرين وثلاثين ألف متر مكعب يومياً. بُنيت هذه القنوات لتمد المشاعر المقدّسة ومكّة المكرّمة بالمياه على مدار الساعة . نعم، قد يقل ماؤها إذا شحّ المطر، وقد يكثر إذا زاد ، فكلما ارتفع منسوب الماء عن منسوب سقف القنوات زاد ضخ العين .
صورة من أعلى أحد الخرزات
وقد بُنيت قنوات العين عند مناسيب معينة ، بحيث يبقى منسوب الماء أعلى أو مقارباً لمناسيب هذه القنوات ، فلا تستنزف مياه الوادي مطلقاً .
وفي هـذا بـقاء مياه المخزون الجوفي للوادي ، مع تدفق مياه العين في الغالب ليتحقق مبدأ الديمومة، وتـلك نقطـة فنيـة هندسيـة، تُسمى الآن في علم تخطيط وإدارة موارد المياه بالتنميـة المستدامـة.
صورة من داخل أحد الخرزات .. و لاحظ عزيزي القارئ وجود فتحات صغيرة كانت تعتبر سلالم لنزول البئر و صعوده
قنوات العين
وتتكون قنوات العين من جزأين رئيسين، الجزء المُجمِّع للمياه وهو مبنى تحت سطح الأرض ويبدأ من نقطة الأميّة، وهي نقطة تجمّع مياه جميع روافد وادي نعمان العلويّة المعروفة بعذوبته، والتي من أشهرها وادي عرعر، ووادي رهجان، ووادي الشر، ووادي مجاريش، ووادي يعرج، ووادي علق، خلال فتحات تسمح للمياه الجوفيّة بالانسياب إلى داخل القنـوات ونقلها بالإنحـدار الطبيعي إلى أماكـن الاستعمال - تقليلاً للتكلفة - ويبلغ الطول الكلي للقنوات قرابة 26 كيلاً.
أشكال و أحجام خرزات مختلفة
وشكل آخر
أما الجزء الثاني فهو الجزء الناقل ومهمته نقل المياه فقط، وقد يكون فوق سطح الأرض مباشرة أو مُعلقاً فوق جسور عند اختراق القناة لبطون الأودية، أو تحت سطح الأرض، وهو مبني بالحجارة من الأسفل، أما قواعده وجوانبه فهي مملطة بالنورة لمنع تسرب المياه منه، ومسقوف بحجارة عريضة ثقيلة يصعب نقلها أو إزالتها وذلك للحفاظ على مياه العين من التلوث، وهذا بُعد بيئي مهم حيث يمنع البخر تمام، أو يمنعه إلى أبعد حد، كما حقق هذا الصنيع بعداً صحيّاً بتغطية القنوات حتى لا يسهل فتحها فتكون عرضة للعبث والتلوث - في الغالب - اللهم إلا في أماكن محددة يقوم بفتحها مسؤول إدارة العين عند الحاجة...
من داخل أحدى الخرزات المختلفة ,, و لاحظ السلالم
وتتخلل هذا الجزء من القنوات عبّارات تسمح بمرور مياه الأمطار والسيول من بطون الأودية والشعاب، كما بُنيت حوائط ساندة لتدعيم هذا الجزء من القنوات المبنيّة في سفوح الجبال وفي المناطق الضعيفة نوعاً ما. وهذا يؤكد ما توافر لهذا المشروع من الجوانب الهندسيّة والفنيّة.
هذه خرزة
و هذه الصورة من داخلها و لاحظ السلالم أيضاً
تنحدر القناة باتجاه مكّة المكرّمة حتى تصل إلى عرفة، "ومن هنا سُميّت عين عرفة" لتلتفّ حول جــبل الرحمـة من جهاته الشماليّة والجنوبيّة والغربيّـة، وقد مُدّت منها قنوات فرعيّة تصـــب مياهها في خزانات ثم أحواض وبرك، خُصِّص بعضها ليتزود الحجّاج منه بالماء لإكمال رحــلة الحج، والبعـض الآخر للدواب.
كما بُني في هذه القنوات الملتفة بجبل الرحمة حنفيات حجريّة جميلة ومجارٍ لتجميع مياه الوضوء وصرفها إلى المزارع المجاورة التي كانت موجودة في السابق، ويعد هذا أول استخدام لمياه الوضوء والغسل في سقي المزارع. ثم تظهر القناة قبيل سفح جبل "المأزمين" على يسار القادم من عرفات، متسلقة الجبال لتظهر شاخصة للعيان.
وقد دُعِّمت بحوائط ساندة، وفُتحت بها عبّارات لتصريف مياه السيول والأمطار، ومن اللافت للأنظار أنه نظراً لأن مساحة فتحات عبّارات المأزمين كبيرة، وكميات المياه المنصرفة من خلالها قد تكون كبيرة، ومن ثمّ مدمرة تجرف ما يكون في طريقه، ونظراً لأنها تصب في درب الحجّاج الدافعين من عرفة لمزدلفة، وحماية لهم، فقد بُني سدٌّ لحجز تلك السيول، والتحكم في تدفقها لسقى المزارع الواقعة في أسفلها ولا تزال أجزاء من هذا السد باقية حتى الآن.
هذه هي عين زبيدة الملاصقة لجبل الرحمة ,, و لاحظ الفتحات الصغيرة التي كان الماء يخرج منها في جوانب الحائط
منظر آخر
منظر آخر مع وجود سلالم لصعود الجبل
وهذه أقرب خرزة لجبل الرحمة ,, موجودة في الجهة الجنوبية لجبل الرحمة
ولم يغفل المهندسون الطابع الجمالي، فبرعوا في تنضيد الحجارة في القنوات المُعلقة، وأقاموا الأقواس على أعمدة حجريّة جميلة مطعمة بحجارة صغيرة غاية في الجمال والدقة، أخذت شكل الفسيفساء الجميلة، بألوان تتنـــاسب مع البيئة الصحراويّة المحيطة ، مما يُعطي منظراً خلاباً ممتع، حدا بعلماء البيــئة إلى ترشـــيحه كمــكان مناسب لعمل متنزه وطـــني. هذه كلها نقاط فنيّة هندســيّة رائعة تدل على رقي علميّ في الدراسة والتصميم والتنفيذ آنذاك.
مثلما قلت سابقاً .. أشكال الخرزات تتنوع , فهي إما دائرية أو مضلعة أو مربعة مثل هذه الصورة
تصل قناة عين زبيدة إلى مشعر مزدلفة حيث يوجد مقر لعين زبيدة مجاور للمشعر الحرام، لتصب العين في برك وأحواض خُصصّ بعضها لسقيا الحجّاج، وبعضها الآخر للدواب..
ثم تنحـدر القناة فوق سطح الأرض، متجهة إلى منطقة العزيزية المتاخمة لمنى، فوق سلسلة من الجبال لتزويد مشعر منى بالماء وتصب أيضاً في برك عديدة، تسقي الظامئ وتزوِّد المتزوِّد بالماء الزلال. وتستمر هذه القنوات متجهة نحو مكّة المكرّمة، لكنها تعود لتأخذ مسارها مدفونة على أعماق قريبة من سطح الأرض، حتى تصب في بئر عظيمة مطوية بأحجار كبيرة جدا تسمي "بئر زبيدة"، في منطقة تسمى اليوم بمحبس الجن، إليها ينتهي امتداد عمل قناة عين زبيدة.
الجسور التي تحمل الماء
ولتقسيم الخرزات الظاهرة و المخفية ملمح اقتصادي مهم نظراً لارتفاع تكلفة إنشاء الخرزات فلم تبن إلا عند الحاجة، وتُستخدم الظاهرة منها في الصيانة الدوريّة، وهي كافية لذلك النوع من الصيانة، أما النوع الثاني فتُستخدم عند الحاجة إلى صيانة كبيرة نتيجة مداهمة سيل ألحق خراباً أو كسراً ببعض القنوات، أو حين تمتلئ بالتراب ، حيث تكون هناك حاجة لتنظيف أجزاء كبيرة من القنوات، فتُفتح الخرزات المدفونة مؤقتاً ثم تُقفل بعد انتهاء عملية التنظيف والصيانة، ويبلغ عدد الخرزات الظاهرة والمدفونة (132) خرزة. " ويبلغ عمق الخرزات من 45 23 متراً
وقيل انه بلغ مجموع ما أنفقته السيدة "زبيدة على هذا المشروع مليونًا وسبعمائة ألف مثقال من الذهب. أى ما يساوى خمسة آلاف وتسعمائة وخمسون كيلو غرامًا. ولما تم عملها ، اجتمع العمال لديها وأخرجوا دفاترهم ليؤدوا حساب ما صرفوه، وليبرئوا ذممهم من عمدة ما تسلموه من خزائن الأموال. وكانت السيدة "زبيدة" فى قصر مطل على دجلة، فأخذت الدفاتر ورمتها فى النهر، قائلة: "تركنا الحساب اليوم الحساب. فمن بقى عنده شىء من المال فهو له، ومن بقى له شىء عندنا اعطيناه". وألبستهم الخلع والتشاريف.
درج يؤدي إلى أعلى المجرى في حال أراد أح السقاية منه
اليد العابثة تطاولت على هذا المكان التاريخي أيضاً ,, و الكتابة المنقوشة هي (( تعميرات عين زبيدة 255/8/5)) و الله أعلم
وهناك وصف اليافعي لعين الشماش (عين زبيدة) في القرن الثامن للهجرة فقال:" إن آثارها باقية ومشتملة على عمارة عظيمة عجيبة مما يتنزه برؤيتها على يمين الذاهب إلى منى من مكة ذات بنيان محكم في الجبال تقصر العبارة عن وصف حسنه وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميق ذي درج كثيرة جداً لا يوصل إلى قراره إلا بهبوط كالبير يسمونه لظلمته يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وحده نهاراً فضلاً عن الليل.
لم يغفل عقل المهندس المسلم عن فتحات لتصريف سيول الأمطار الآتية من الجبال
جدار داعم يحمي مجرى الماء العذب من أخطار السيول
اصلاح العين
مازالت الابحاث والدراسات مستمرة لانهاض عين زبيدة بالتنسيق مع دارة الملك عبدالعزيز وعدة جهات ذات علاقة بالثروة المائية في منطقة مكة المكرمة منها مركز المياه ومشروع مياه عين زبيدة ومصلحة المياه بمكة ومحطة تحلية المياه بالشعيبة، ومصنع مبرة خادم الحرمين الشريفين وذلك بغرض الحصول على نسخة من الوثائق وكافة المعلومات الخاصة بعين زبيدة ومشروعات ترميمها وصيانتها.
مجرى المياه و الأعمدة الداعمة للجسور و الحائط الذي يقلل من مخاطر السيول
مجرى عين زبيدة بجانب طريق عرفة
واجهة مجرى مياة عين زبيدة و أسفله بوابات ... قمة الإبداع الهندسي الإسلامي
من جهة اليمين
من جهة اليسار
منظر للمجرى و للأسف الشديد يوجد بعض ضعاف النفوس ممن يفرغون مخلفات الصرف الصحي أمامه
طبعاً لا يمكن الجزم بأحداثيات معينة لهذه العين و السبب يعود لطول مسافتها ,, كما أنه يوجد إلى الآن آثار مكونة من طرق و مساجد و عيون مقامة بين العراق و مكة وهي من الأعمال التي قامت بها زبيدة
من أحد قواعد المجرى المائي و لاحظ أخي القارئ أن المهندسين عمدوا إلى التركيز بين مجاري السيول لكي لا تضعف مع الوقت و تسقط
نبذة عن زبيدة :
هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور الهاشمية العباسية. أم جعفر، زوجة هارون الرشيد وابنة عمه وأم ولده الأمين. اسمها أمة العزيز، أو أم العزيز، وغلب عليها لقب (زبيدة) ، قيل إن جدها المنصور كان يرقصها في طفولتها ويقول: يا زبيدة فغلب على اسمها.
وقد اطلق عليها هذا الاسم لما رأى فيها من ذكاء و نعومة، بالإضافة إلى بنية قوية تشع نضارة،و قد قيل:" لم تلد عباسية قط إلا هي".
ولدت في عام 145هـ، ونشأت وترعرعت في بيت والدها أبو جعفر المنصور، عرفت بكرمها وانفتاحها. وكان والدها أبو جعفر المنصور شديد الحب لها و قد خصها بالرعاية .
و تزوجها هارون الرشيد عام 165هـ .
مناظر جميلة تدل على عبقرية و فن المعماري الإسلامي
...
...
أتمنى أن يحوز التقرير على رضاكم و استحسانكم
محبكم ..
عبد العزيز الهذلي
|
|
|