شاعر يرثي نفسه
اعتدنا أن نرى مراثي للأبطال من الناس وللأثرياء منهم ، ولمن عنده المنصب والمكانة ..
واعتدنا أن نرى مراثي لأحباب من محبيهم ، وللأصحاب في أصحابهم ..
لكن أن نرى شاعرا يرثي نفسه وينسج فيها أجمل الأبيات ،، فهذه قليلة بين الشعراء ..
سنتكلم عن قصيدة الشاعر الكبير : مالك بن الريب المازني التميمي ..
القصيدة التي أثرت الأدب وهي التي رثى بها نفسه ، والتي بحق تعتبر من درر الشعر وعيونه ..
فما قصته وماقصة هذه القصيدة ؟
كان مالك بن الريب شابا شجاعا مغوارا ، كان لا ينام الليل إلا متوشحا سيفه بطولة وشجاعة ..
وكان قاطعا للطريق ، مرعبا للناس ، يخاف منه المسافرون ..
ولما ولى معاوية - رضي الله عنه - سعيد بن عثمان بن عفان خراسان سار مالك في من معه ..
فلقيه مالك ، وكان مالك من أجمل الناس وجهاً ، وأحسنهم ثياباً ، فلما رآه سعيد أعجبه ..
وقال له : ويحك يامالك ، مالذي يبلغني عنك من العداء وقطع الطريق ؟
قال : أصلح الله الأمير ، يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان ..
قال : فإن أنا أغنيتك واستصبحتك ، أتكف عما كنت تفعل ، وتتبعني ؟
قال : نعم ، أكف كفاً ما كف أحدٌ أحسن منه ..
فاستصحبه وكان معه في خراسان ..
وشهد فتح سمرقند ، وتنسك ( زهد وتعبد ) .. ثم حارب في حروب كثيرة ضد الروم .
ويشاء الله تعالى أن تتصرم أيام هذا البطل الصالح ..
وتدنو ساعاته الأخيرة ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد ، وهو مسكن أهله ..
وكانوا في قافلة عائدين ، إذ أدخل مالك رجله في خفه فتلسعه حية مختبئة فيها ..
فيتهاوى بين رفاقه والألم يسري في جسده ويتسارع النفس ..
وشاعرنا هنا يشعر بساعات الاحتضار وهو في غاية الشوق إلى أهله .
وفي غاية الشوق إلى الوادي الذي به أهله فيتمنى أن يبيت به ولو ليلة واحدة يسوق الإبل النواجي .
ويتمنى ... ويتمنى .... ولكن لا يفيد التمني .
ثم يستسلم للواقع ولكنه رغم هذه الساعات العصيبة فإنه يشعر بالعزة والأنفة فيقول لاتحفروا قبري مثل الناس
ولكن احفروه بالرماح .
هيا بننا لنقرأ القصيدة الرائعة .
............||............||............||........ ....
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/40.gif" border="double,4,silver" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا ليـت شعـري هـل أبيتـن ليلـةً =بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليـت الغضى لم يقطع الركب عرضه= وليـت الغضى ماشى الركـاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضا = مـزارٌ ولكـن الغـضى ليـس دانيـا
ألم تراني بعت الضـلالة بالهدى = وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
دعاني الهوى من أهل ودي وصحبتي = بذي الطبسين فالتفت ورائيا
اجبت الهوى لما دعاني بزفرة=تقنعت منها ان ألام ردائيا
اقول وقد حالت قرى الكرد بيننا = جزى الله عمرا خير ما كان جازيا
تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي =سفارك هذا تاركي لا أبا ليا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي =لقـد كنت عن بـابي خراسـان نائيـا
فلله درّي يـوم أتـرك طـائعـاً = بنيّ بـأعلى الرقمتيـن ومـالـيـا
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد = سوى السيف والرمح الردينيّ باكيا
وأشقـر محبوكٌ يجرَّ عنانـهُ =إلى الماء لم يترك له الموت ساقيـا
ولكن بأطراف السمينة نسوة=عزيز عليهن العشية ما بيا
صريع على ايدي الرجال بقفرة =يسوون قبري حيث حم قضائيا
ولما تراءت عند مرو منـيّـتـي =وحلَّ بها جسمـي وحـانت وفـاتـيـا
أقـول لأصحـابيارفعوني فإنه =يقـرّ لعينـي أن سُهيـلٌ بـدا ليـا
فيا صاحبي رحلي دنا الموتُ فانزلا = برابيـةٍ إني مـقـيـم لـيـالـيـا
أقيما علي اليـوم أو بعض ليلـةٍ =ولا تعجـلاني ، قـد تبيـّن مـا بيـا
وقوما إذا ما استُلّ روحي وهيئـا = لي السدر والاكفـان ثم ابكيـا ليـا
وخطّا بأطـراف الأسنّـة مَضْجَعي =ورُدّا على عيـنـي فضْـلَ ردائـيـا
ولا تحسداني بارك الله فيكما=من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خـذاني فجـراني ببُردي إليكمـا =فقد كنت قبل اليـوم صعبـاً قيـاديـا
وقـد كنت عطّافـاً إذا الخيـل أدبـرت = سريعاً لدى الهَيْجا إلى من دعانيـا
وقد كنت محمـوداً لدى الزاد والقـرى =وعن شتمي ابن العم والجار وانيا
وقد كنت صبّاراً على القرن في الوغى=ثقيلاً على الأعداء عَضْباً لسانيـا
وطورا تراني في ظلال ونعمةٍ = وطورا تراني والعتاق ركابيا
ويوما تراني في رحىً مستديرةٍ=تخرق اطراف الرماح ثيابيا
بأنـكـما خَلّفتُمـاني بِقَفْـرَةٍ = تهيـل عليّ الريـحُ فيها السوافيـا
ولا تنسيـا عهدي خليليّ إنني =تَقَطّـعُ أوصـالـي وتبلى عظاميـا
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني = واين مكان البعد الا مكانيا
غداة غد يالَهْف نفسي على غد = إذا أدلجوا عني وخُلّفـت ثـاويـا
وأصبح مالي من طريـف وتالد = لغيري وكان المال بالأمس ماليا
فيا ليت شعري هل تغيرت الرحى= رحى الحرب أو أضحت بفلج كما هيا
تري جادثا قد جرت الريح فوقه ... غبارا كلون القسطلاني هابيا
رهينة احجار وترب تضمنت ... قرارتها مني الغظام البواليا
فيا راكبا اما عرضت فبلغن = بني مالك والريب ان لا تلاقيا
وبلغ أخي عمران بدري ومئزري = وبلغ عجوزي اليوم أن لا تلاقيا
وسلم على شيخيَّ مني كليهما =وبلغ كثيرا وابن عمي وخاليا
وعطل قلوصي في الركاب فإنها=ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا
أقلب طرْفي فوق رحلي فلا أرى=به من عيون المؤنسات مراعيا
وبالـرمل مني نسـوة لو شَهِدنني = بكَين وفَدينَ الطبيـب المداويـا
فمنهن أمي وابنتـاها وخـالتي =وباكية أخرى تهيج البواكيا[/poem]
آخر تعديل رداد الفضلي الهذلي يوم 06-05-2006 في 12:08 AM.
|