خطبة عرفات : مفتي السعودية: الأزمات الاقتصادية نتيجة لإخلال الناس بأصول الشريعة
مفتي السعودية: الأزمات الاقتصادية نتيجة لإخلال الناس بأصول الشريعة
(واس).
أكّد سماحة مفتى عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أنَّ مفهوم الأمن في الشريعة الإسلامية لا يقتصر على متابعة المجرمين فقط، بل يَمْتَدّ إلى كل ما يَحْتاجه المسلمون والبشرية في دينها ودنياها، مؤكدًا أن الأزمات الاقتصادية نتيجة لإخلال الناس بأصول الشريعة التي وضعها الإسلام لقيام اقتصادٍ قويٍّ متين بَعِيدٍ عن الرِّبا والظُّلم.
وأوضح سماحته في خطبة عرفات التي ألقاها اليوم في مسجد "نمرة" أن الأمن الذي كفَله الإسلام أنواع عدّة على رأسها الأمن العَقَدي الذي يَتمثَّل في المحافظة على العقيدة الإسلامية الغراء مما يَخْدِشها أو يزعزعها، وذلك بالدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدِّين له والبُعْد عن المخالفات الشرعية.
والأمن النفسي أيضًا حرص الإسلام على تأمينه للناس كافة والمسلمين بصفة خاصة، من خلال إصلاح النفس وإزالة القلق والخوف عنها عن طريق الإيمان بالله والرِّضا بحكمه واتباع شريعته والإنابة إليه, فالمسلم يسعى في طريقه إلى الله وهو يؤمن بأن أعماله لن تضيع تصديقًا لقوله تعالى: {إنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} وأن أعماله محفوظة له، وسيجازى بها يوم القيامة.
وكذلك الأمن الأخلاقي الذي كفله الإسلام بشرائعه التي تَحثّ على تربية المجتمع على الأخلاق والقيم الإسلامية السامية وعلى الطهارة والعفّة والحشمة والحياء والبُعْد عن الأخلاق الرذيلة الهابطة التي لا خير فيها.
ولفت سماحة المفتي العام النظرَ إلى الأمن الأُسَري والاجتماعي وبيَّن حِرْص الإسلام على تأمينه، وذلك بتأسيس الأسرة السعيدة القائمة على قواعد الأخلاق والضوابط المشروعة الطاهرة مع العناية بها من التفكُّك والضياع والمحافظة على برّ الوالديْن وصلة الأرحام وإكرام الجار والضيف والإحسان إلى الأيتام والمساكين وتحقيق التكافل الاجتماعي.
وأكّد المفتي العام على الأمن السياسي لم يغفله الإسلام بل حرص عليه أن يكفله للناس عامة والمسلمين خاصة، وذلك بالمحافظة على وحدة الأمة وجمع كلمتها وتوحيد صفِّها والوقوف سدًّا منيعًا أمام من يخلّ بأمنها واستقرارها, مما يؤكد حقيقة التزام الأمة بالالتفاف حول قيادتها والحذر من مكائد أعدائها، داعيًا القيادة الحكيمة إلى النظر الدقيق والبعيد والانتباه لأنَّ هذه الأمة مستهدفة من قِبَل أعدائها.
ثم تَطرَّق آل الشيخ إلى الأمن الاقتصادي الذي وضع له الإسلام أسسًا عادلة لقيام اقتصاد قويٍّ متين بَعِيد عن الرِّبا والظلم، ومن مميزاته أنه مرتبط بالإسلام عقيدةً وشريعةً، وذلك بالنظر إلى أن الشريعة أباحت التملُّك وأعطت الحرية المقيدة بغرض الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة, ودعت إلى عظيم الخير وحرَّمت البيوع المشتملة على الرِّبا والضرر والظلم والميسر وأكْل أموال الناس بالباطل ومنعت من كل بيع لا يُعْرَف عَيْنُه ولا ثمنُه ولا أجلُه وبيعَ ما لا يُمْلَك، وما لا يستطيع الإنسان سدادَ ثَمَنِه حمايةً للمجتمع أن يأكُل بعضُه بعضًا.
وقال سماحته: إن "ما نسمعه اليوم من انهيارات اقتصادية أو من هذه الأمور كلها نتيجة لإخلال الناس بأصول الشريعة"، لافتًا إلى تحريم الله تعالى للرِّبا، وإخباره أنه يَمْحقه, فعلى المسلمين أن يعودوا إلى شرع الله وأن يقيموا اقتصادهم على دين الله ليحفظ لهم دينهم وأموالهم واقتصادهم.
ونوَّه سماحة المفتي إلى أن هناك أمنًا فكريًا لا يقلّ شأنًا عن أمن الأنفس والأموال، مؤكدًا أن الإسلام حمَى عقول المسلمين من الانحراف والتقصير أو الإفراط أو النفاق أو الغُلُوّ بأن أقام التوازن والوسطية العادلة التي جاء بها الإسلام مستدلاً بقول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وبهذا يضمن المسلمون سلامةَ مجتمعهم على الخير والهدى.
وأبان سماحته أن هناك أمنًا إعلاميًا في ظلّ ما يشهده العالم من ثورات مُذْهلة في وسائل التقنية الحديثة الأمر الذي حمَّل الأمة عبئًا ثقيلاً والتزامًا أخلاقيًا ودينيًّا نحو التعامل معها مفيدًا أن تلك الوسائل مفتوحة لنشر الفكر والتأثير على المتلقي، مشددًا على أهمية التعامل معها بحذر.
وأكَّد سماحته أن الأمن مسئولية جميع الخَلْق لا يختصُّ به فردٌ دون آخر؛ فالمجتمع مطلوب لحماية أمور المسلمين وممرات تَجاراتِهم وبضاعتهم من قرصنة البحار والجوّ ومن المفسدين في الأرض.
وتناولت الخطبة قضايا عدّة فضلاً عن مفهوم الأمن في الإسلام من بينها قضايا ازدواج المعايير في الساحة الدولية والإرهاب الذي شدّد على أهمية أن يُجَرّمه المجتمع ويعلن براءته منه ومن كلّ ما يضر المسلمين، واصفًا الإرهابيين بأنهم عصابات إجرام.
وقال: إن "الإسلام حمَى المجتمع وأرسى العقوبة على المفسدين تصديقًا لقوله تعالى : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فالإسلام لا يقبل تَعدّي حدود الله ولا يقبل الظلم ممن جاء به ولا يرضى بالظلم لأيّ أحدٍ، فلنكن على حذرٍ من هذا الإرهاب مهما كان نوعه ولنحارب عصابة الإجرام وليقف العالم كلُّه ضد هذه العصابات المجرمة الظالمة المعتدية التي دمرت البلاد والعباد ونشرت الفساد .
ثُمَّ وجَّه حديثه للفلسطينيين داعيًا إياهم إلى توحيد الصفّ ووقف الاقتتال الداخلي والصعود فوق الخلافات الشخصية حتى يحفظوا دمائهم، كذلك دعا إلى وقف الاحتراب في الصومال وأفغانستان وباكستان.
ودعا آل الشيخ صنَّاع القرار في العالم الإسلامي إلى الحرص على مصالح الأمة وتجنيبها كل بلاء وشرّ كما حثّهم على الحفظ على موارد الأمة والعمل على تنميتها وإصلاحها وعدم الإنفاق فيما لا ينفع.
كما دعا قادة العالم إلى الاتفاق على المحافظة على الضرورات الخمس التي حثّت عليها كل الشرائع السماوية وهي (الدين والنفس والمال والعقل والعرض) إضافة إلى الاهتمام بمكارم الأخلاق وحماية الأسرة من التفكك والضياع.
ووَجَّه سماحته النداء إلى قادة العالم الإسلامي قائلاً: "يا قادة العالم الإسلامي, يا من ولَّاهم الله أمر شعوبهم إن مسئوليتكم عظيمه أنتم سلطان الله في الأرض لإقامة شرع الله في أرضه إن الله يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن, أقيموا شرع الله بمن تحت أيديكم لتعيشوا أنتم وهم في أمن وسلامٍ واطمئنانٍ, كونوا رحمة لرعاياكم وأحسنوا إليهم سيروا بهم في طريق الإيمان والإحسان.
بعد ذلك وجَّه النداء إلى الآباء والأمهات قائلاً: "احفظوا وصية الله في أولادكم فقد ائتَمَنكم عليهم يقول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول»، «فإن الله سائل كل راعٍ عمَّا استرعاه حتى يسأله عن أهل بيته» ودعاهم في الوقت ذاته إلى أن يعتنوا بتربية أولادهم وأن يكونوا قدوةً حسنة لهم وأن ويَبُثّوا فيهم العقيدة الصحيحة والإيمان وأن يُحَذِّروهم من المعاصي وأن يأمروهم بالصلاة والزكاة وأخلاق الإسلام" .
وأوصى سماحته حجَّاج بيت الله الحرام بخاصة والمسلمين عامة بتقوى الله فهي وصية الله للأولين والآخرين، مشيرًا إلى أن تقوى الله دعوة الأنبياء وشعار الصالحين، فهي فرقان بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وعرفان تنجلي به الأمور ونور تنشرح به الصدور، يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.