مشاركة: ++++++++++عهد الوفاء ++++++++++
الملك عبدالله خريج مدرسة «المؤسس» في الحكم والإدارة
يعتبر المؤرخ الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد من المهتمين بتدوين تاريخ الأسرة المالكة، ولهذا حرصنا على الالتقاء به للحديث عن سيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ نشأته في كنف والده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى توليه مقاليد الحكم بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله. الحوار ربطه المؤرخ الرويشد بتوثيق لمراحل حياة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
في البدء قال الرويشد ل«الرياض»: للأمانة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قائد رائد يمثل موقعه بكل صدق وأمانة، فهو مسلم محب لإسلامه وعقيدته وفارس وإنسان بما تعنيه كلمة الإنسانية. إنه محب لهذه الصحراء ولشعبه على وجه الخصوص وتلكم هي الخلفية الأساسية لسيرته ومع معرفة شعبه فمازال يكتشف يوماً بعد يوم أسرار العظمة في شخصيته وما يحمله في خُلقه من حق وخير وعدل وحب ورحمة.
المؤرخ عبدالرحمن الرويشد
فإلى نص الحوار:
٭ ماذا تعني بأن شعبه على علم به أطال الله عمره؟
- عندما أقول إن شعبه كان على علم به فإنما أعني أنه منذ شبابه ونعومة أظفاره فقد مدحه شاعر محلي شعبي قديم وهو شاعر العرضات المشهور فهد بن دحيم المعروف ب(فهيد) رحمه الله، في قصيدة طويلة وهذا الشاعر لم يمدح إلا الملك عبدالعزيز رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فلقد كان شحيحاً في شعر المدح وشعره أغلبه الهجاء، وقد مضى على هذه القصيدة عشرات السنوات هي تعبِّر عن شدة إعجاب الشاعر بالملك عبدالعزيز في ذلك الوقت وعمره لم يتجاوز 20 عاماً، وقد بدأ ملامح النجابة على محياه، فالملك عبدالله نشأ في بيت عريق متضلع بروح الإسلام والعروبة في كل جزء من أجزائه، وله معرفة أكيدة بتاريخه وبيته وتبني آبائه وأجداده لدعوة الإصلاح الديني والاجتماعي والأخلاقي والدفاع عن مبادئ العقيدة الراسخة، حيث كان له إيمان بهذه الأشياء تماماً وهو على علم بتاريخ الأسرة السعودية وتقديم أرواحهم في سبيل إزالة كل شائبة من شوائب البدع والخرافات والأساطير والغلو عنها، كل هذا كان يعرفه ومطلع عليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ نعومة أظفاره وحتى صار ملكاً للمملكة العربية السعودية.
٭ وهل لنا معرفة شيء من هذه القصيدة التي مدح فيها الشاعر فهد بن دحيم الملك عبدالله في ذلك الوقت؟
- كما قلت أن الشاعر ابن دحيم رأى في الملك عبدالله ملامح الرجولة والأخلاق العالية وتنبأ له ولهذا خصه بهذه القصيدة وهي طويلة قائلاً مطلعها:
يا من يودّي لي سلام ومكتوب
سلام أحلى من سحاليب بلها
سلام أحلى من ثمر جند يعسوب
في نادي كل الشكالة مثلها
الطيب ماهو وسط الأسواق مجلوب
والطايله ماصعب مرقى جبلها
عدّا بما اللي ما بعد داس عذروب
يستاهل البيضا غلام حملها
هذاك أبومتعب فلا شك محسوب
كل النوايب شلتها ياجملها
الطايلة والطيب والمجد له ثوب
معلوم لو روحه بكفه بذلها
لقد مضى على هذه القصيدة أكثر من نصف قرن عندما كان الملك عبدالله لايزال لم يشب عن الطوق لكن ملامح النجابة كانت بادية على ملامحه.
٭ جاء في معرض أبيات القصيدة (هذاك أبو متعب) هل كان خادم الحرمين متزوجاً ولديه أبناء في ذلك الوقت؟
- نعم كان لديه الابن متعب الأول والذي توفي ثم رُزق من بعده بالأمير خالد ثم الأمير متعب.
٭ إذاً منهج الإصلاح الذي ينهجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم يكن وليد اليوم؟
- عندما ينتهج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإصلاح فهو لأنه يعرف - أطال الله في عمره - قيمة الإصلاح.. وآل سعود في الحقيقة إصلاحيون وليسوا فقط ملوكاً كما قال الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه (نحن آل سعود لسنا ملوكاً ولكننا أصحاب رسالة) رسالتهم الإصلاح والدعوة للإصلاح دائماً.
٭ هل لنا أن نعرف الكثير من حياة الملك عبدالله عندما كان صغيراً في السن؟
- خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نشأ في بيت عريق متضلع بروح الإسلام والعروبة في كل جزء من أجزائه، فقد عاش في قصر والده الملك عبدالعزيز رحمه الله في «الديرة» في شمال الرياض المسمى (المربع) في رحاب ذلك البيت ليشهد والده العظيم الذي خاض المعارك من أجل توحيد أجزاء البلاد المختلفة ولم شملها في هذه الوحدة التي شملت كل أقاليم وقرى الجزيرة العربية وغيرها، وحدة ليس لها نظير في العالم، ولقد تلقى الملك عبدالله تعليمه الأول في مدرسة القصر حيث كانت مدرسة آنذاك أسسها الملك عبدالعزيز وكان ملتحقاً بالمدرسة في وقت مبكر من حياته.
٭ ما الذي كانت تضمه تلك المدرسة؟
- المدرسة تضم إلى جانب مواد التعليم المعروفة ثقافة متنوعة أخرى يتولى التدريس فيها فقهاء وعلماء على جانب كبير من العلم والتقوى والصلاح، وكان لدى خادم الحرمين الشريفين وهو آنذاك شاب صغير في سن الدراسة ميل للقراءة وحب الاطلاع لذلك كان كثير الاختلاط برجال الملك عبدالعزيز وبزواره، وكان يأنس إليهم كثيراً ممن كانوا يزورون الديوان أو كانوا موظفين في ديوان الملك عبدالعزيز وكان الديوان نفس القصر الذي يسكن فيه الملك عبدالله ووالدته، وكان الديوان يضم في ذلك الوقت مجموعة من المثقفين السعوديين والعرب أمثال الراوية الشاعر عبدالله بن أحمد العجيري، والشاعر الكبير محمد بن عثيمين وهو شاعر الملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً، والراوية العجيري ممن يحفظ الأشعار وهو من قرّاء الملك عبدالعزيز من أهالي الحوطة وهو لصيق دائماً بالملك عبدالعزيز ويحفظ في رأسه كما يقول الأديب (يوسف ياسين) جميع كتب الأدب ولديه قدرة عجيبة على الحفظ تحدث عنه (يوسف ياسين) في جريدة أم القرى قائلاً: إنه كان يحفظ ديوان المتنبي، وكان من طلبة العلم على الطريقة القديمة ويروي أشعار العرب القديمة ويعرف الأماكن وسكنى العرب وكان يصحب الملك عبدالعزيز من الرياض إلى مكة المكرمة على الجمال ويسأله الملك عبدالعزيز لمن هذه الأرض؟ فيقول: هذه أرض بني فلان ويورد شيئاً من شعرهم.. وهذه كانت تسكنها القبيلة الفلانية وكان الراوية العجيري نابغة من النوابغ النادرة.
٭ وهل كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يصحب العجيري معه؟ ومن هم الأدباء الذين كان يحرص على الاستئناس بهم؟
- نعم كان الملك عبدالله ممن يصحب معه ذلك الراوية ومن يعرفه في صغره وشاعر الملك عبدالعزيز محمد بن عثيمين وله ديوان معروف، هؤلاء الشعراء كان يصحبهم الملك عبدالله ويستمع إلى أدبهم ويأنس بهم ويختلط بهم في الديوان الملكي، وكذلك رئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت وهو أول رئيس للديوان إبراهيم بن معمر - رحمه الله - وكان ابن معمر مثقفاً أيضاً تعلّم في عدد من البلاد العربية وترأس الديوان للملك عبدالعزيز فكان أيضاً ممن يختلط بهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن العرب رئيس الشعبة السياسية عند الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الأستاذ يوسف ياسين ورشد ملحس وخالد الحكيم وخالد القرقني وغيرهم، ولقد يسّر له ذلك الاختلاط بهم بحكم وجود مسكن الملك عبدالله في نفس القصر الذي يضم الديوان، وكان الملك عبدالله ووالدته المرحومة الأميرة الفهدة بنت زعيم شمر المعروف عاصي بن شريم - رحمها الله - كانت تسكن في قصر الديرة القديم بالقرب من الديوان وهذا سهل للملك عبدالله الاختلاط في أماكن الضيافة والتي تشهد حضور ضيوف الملك عبدالعزيز رحمه الله من أنحاء العالم منهم على سبيل المثال (فليبي) ومحمد أسد وشخصيات أخرى حيث كان قصر الضيافة في نفس القصر الذي يسكن فيه الملك عبدالله.. والملك عبدالعزيز دائماً أولاده حوله فهم يختلطون بضيوف والدهم ويستمعون لما يدور من حديث وهذا جعل للملك عبدالله رصيداً من العلم والثقافة والخبرة بأنحاء هذا الكون في ذلك الوقت حيث كانت الرياض منقطعة عن البلدان الأخرى لكن بهذه الوسيلة حصل الملك عبدالله على ثقافة جيدة في هذه الناحية.
خادم الحرمين الملك عبدالله والأمير بندر والأمير مشعل والأمير طلال خلال إحدى المناسبات «من أرشيف عبدالرحمن الرويشد»
٭ هل كان للملك عبدالعزيز مكتبة في القصر تحوي الكتب التي تنمي ثقافة أبنائه في جميع نواحي الحياة؟
- كان للملك عبدالعزيز مكتبة ضخمة في نفس القصر ومخازن للكتب كانت في نفس القصر والملك عبدالعزيز كان حريصاً على طباعة الكتب، وقد ذكرت أن الملك عبدالله شب في الوقت الذي بدأ الملك عبدالعزيز ينظم شؤون مملكته حيث كانت لديه مكتبة ضخمة ولديه مخازن كتب تطبع كتباً دينية وأدبية وتاريخية وميسرة وتوزع مجاناً، وهذه المكتبة كان يشرف عليها إبراهيم الشايقي رحمه الله، وهي ملاصقة للبيت الذي كان يسكنه الملك عبدالله ووالدته بالقصر الملكي فكانت مطالعاته هو واخوته من الأمراء الذين في مثل سنه وممن هم أكبر منه دائمة لحبهم للقراءة والتزود بالمعارف وخاصة الجوانب التاريخية والفروسية والعلوم العسكرية وما هو متوفر في الدواوين من المكتبات وما من شك فإن الفضل الأكبر بعد الله تعالى في تربية خادم الحرمين الشريفين وتعليمه وتكوين شخصيته الدينية والفكرية والروحية والأخلاقية يعود لوالده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي هيأ له ولإخوته منابع العلم، كما أتاحت له صداقته وعلاقته الحميمة بموظفي القصر ورجال الملك عبدالعزيز الأوائل زخماً من المعارف والرجولة والشهامة حيث أدرك الملك عبدالله كل أصدقاء السلاح مع والده وكل الشخصيات من آل سعود ومن رؤساء البادية وممن قاتلوا وجاهدوا مع الملك عبدالعزيز أدركهم الملك عبدالله واتصل بهم ورافقهم وأخذ كل ما يعنّ له عن والده لأنهم كانوا متواجدين في ذلك الوقت وكان الملك عبدالله في بيت والده وقريباً منهم ولم يتخلف عن مجال مجالس الملك عبدالعزيز وصحب والده أكثر من 25 - 30 سنة قريباً منهم في القصر ويحضر مجالسه ويختلط برجاله وكان يعرف كل شيء وهذه هي مدرسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تخرج منها.
٭ تقصد أن تلك المدرسة (مدرسة الملك عبدالعزيز) كونت رصيداً معرفياً كبيراً للملك عبدالله؟
- مدرسة الملك عبدالعزيز كونت للملك عبدالله رصيداً جيداً لكيفية التعامل مع الإدارة والعلاقات العامة والتي مارسها بتفوق عندما باشر مسؤولياته كلها نتيجة لهذا الاختلاط ولهذا الرصيد من الاتصال بالآخرين، وكان اهتمام الملك عبدالله بالفروسية والعسكرية يمتزجان بتكوينه الفكري والعلمي الذي تلاقاه في طفولته المتمثلة في التربية الإسلامية والتمسك بالإسلام ومبادئه، وكان تأسيس الحرس الوطني في حقيقته نبتة جذورها من فهم جيل البطولة والجهاد والتوحيد.
|