كارثة جدة إنذار من الله { فاعتبروا يا أولي الأبصار }
أيها الإخوة : فقد تابعنا وإياكم أخبار ومشاهد الكوارث التي سببتها السيول والأمطار في الجزء الغربي من بلادنا حرسها الله " في محافظة جدة: نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى،أن يحفظهم من كل سؤ ومكروه، وأن يفرج كربتهم ،وأن يرفع ما أصابهم من الكروب،وأن يشفي المصابين والمرضى وأن يرحم المتوفين منهم وأن يحفظ جميع أرجاء الوطن، وجميع أوطان المسلمين من كل سوء ومكروه، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. كما نسأله سبحانه أن يجعل ما نرى وما نسمع،من الكوارث التي حدثت في بلادنا عبرةً لنا ولغيرنا،ولا يرينا أو يسمعنا أي مكروه في أي بلاد المسلمين.
أيها الإخوة المؤمنون: من باب التذكير نقف على مافيه من عبر واعتبار جعلنا الله وإياكم من الذين إذا ذكر تذكر واعتبر وأناب0فما أحوجنا للتوقف والتأمل والاعتبار فهذا هو دأب أصحاب القلوب الحية، وهذا هو توجيه الله لنا يوم أن قال لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَاب [يوسف:111]
ولذا آثرت أيها الإخوة المؤمنون: أن يكون الحديث عن هذه الكارثة التي حلَّت بإخواننا في محافظة جدة وما حل بهم من كروب وأخطار،اثر تلك الأمطار،بأمر العزيز القهار، لنتذكر الحقيقة التي هي الأولى بالذّكر في هذا المقام، فلا علينا أن لا نذكر غيرَها من أمر الكارثة، فالله سبحانه وتعالى يُري عباده من العقوبات ليعتبروا ويتوبوا، فالسعيد من تنبه وتاب، والشقي من غفل واستمر على المعاصي ولم ينتفع بالآيات. كم نسمع من الحوادث ونشاهد من العبر والعظات ،كل ذلك يخوف الله به عباده، ويريهم بعض قوته وقدرته عليهم، ويعرفهم بضعفهم، ويذكرهم بذنوبهم، فهل اعتبرنا؟! هل تذكرنا؟! هل غيرنا من أحوالنا؟!
أيها المسلمون:إننا ندرك عبر سنن الله الكونية ما لطاعة الله تعالى من آثار حميدة وعاقبة سعيدة ، وما للمعصية من آثار قبيحة،وعاقبة سيئة .ولكن يغفل عن ذلك الذين هم في غمرة ساهون 0وإن ما نشاهده من هذه الآيات والكوارث والمصائب تجعل المؤمن متصلا بالله،ذاكرا له شاكرا لنعمه، مستجيرا به خائفا من نقمته وسخطه.. قال عز وجل: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[يوسف:105]أي: لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها0وإن نـزول الأمطار من السماء، أحياناً، لا يكون نزوله رحمة، بل هو عذاب وعقوبة إلهية لتلك القرية، أو لتلك الأمة وقد أهلك الله عز وجل أمماً وأقواماً بهذا الماء، في القديم وفي الحديث.وقد ذكر الله عز وجل في كتابه، عقوبة الغرق بالماء، لأقوام عتوا عن أمر ربهم. وهم قوم نوح عليه السلام وذلك بعدما أعرضوا عن الدعوة، ولم يؤمنوا بما قال لهم نوح عليه السلام. أغرقهم الله عز وجل بالماء، بإرسال السماء عليهم مدراراً،وبتفجير ينابيع الأرض حتى تشكل طوفان هائل،وجعل سبحانه لنوح عليه السلامة علامة لبداية عملية إغراق أولئك القوم بالماء،هو فوران التنور،قال الله تعالى: اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [المؤمنون:27] وقال سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ[هود:40]وجاء تفصيل عملية الغرق بالماء في موضع آخر فقـال عز من قائـل: فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِر وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ[القمر:11-14] وعقوبة الغرق بالماء، حصلت أيضاً لقوم فرعون، وذلك عندما آذوا موسى عليه السلام، ولم يقبلوا ما جاء به، أغرقهم الله بالماء،الماء الذي كان فرعون يفتخر ويتكبر ويقول: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، فهذا الماء الذي كان يجري من تحته جعله الله فوقه، وهذه عقوبة التمرد على دين الله عز وجل، قال الله تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ[يونس:90-92]
أيها المسلمون: هذا نوع من أنواع العقوبات الإلهية لأولئك الذين حاربوا دين الله عز وجل، أرسل الله لهم أحد جنوده، وهو الماء، فأغرق ودمّر بأمر الله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، إن جنود الله عز وجل في إهلاك المخالفين وتأديب المعاندين، وتذكير المتآخرين بما حصل للمتقدمين لا عد له ولا حصر، والله جل وتعالى يهلك ويعاقب كل قرية بما يناسبها. وإن المتأمل لكتاب الله تعالى يا إخوة الإيمان يراه يرسم لنا طريقة الخلاص من كل فتنة مضلة ،ويرسم لنا سنة لا تتبدل ولا تتغير،ولا تجد لسنة الله تبديلا ، نرى خلالها سبيل المؤمنين مفصلة وسبيل المجرمين مفصلة ، ثم نرى عاقبة هؤلاء، وعاقبة هؤلاء ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ [الأنعام:55 ]
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. نُذُرٌ وآياتٌ،وعقوباتٌ وتخويفاتٌ لا تدفعها القوى،ولا تُطِيقُها الطاقات،ولا تقدر عليها القدرات،ولا تتمَكَّنُ منها الإمكانات، ولا تُفيدُ فيها الراصدات ولا التنبُّؤات،لا تصِلُ إليها المُضادَّات،ولا المَصَدَّات من حيث يحتسبون،ومن حيث لا يحتسبون0 تهتز البحار، وتتصدع الجبال،وتهلك النفوس،ولا تهتز القلوب،وترتجف الديار ولا ترتجف الأفئدة،وتعصف الرياح ولا تعصف النفوس، وتتزلزل الأرض ولا يتزلزل ابن آدم المخذول،يبتلون و يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة :126] ألا فاتقوا الله رحمكم الله،ولا تكونوا كأصحاب نفوسٍ قسَتْ قلوبُها، وغلُظَت أكبادُها، وعظُمَ عن آيات الله حجابُها، فلا تعتبِر ولا تدَّكِر،لا تكونوا من أقوامٍ جاءتهم آياتُ ربهم، فكانوا منها يضحكون،والآياتُ تأتيهم وهي أكبر من أختها، فإذا هم عنها معرضون 0
فيا أيها المسلمون:هل علمتم أن تقصيرنا هو سبب تكديرنا ،وذنوبنا هي سبب كروبنا ، قال العليم القديروَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. لو آمنا حق الإيمان لأمنا ، ولو أسلمنا حق الإسلام لسلمنا ، ولو اغتنمنا جواهر الزمن لغنمنا ، قال اللطيف الخبير:وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ [الأعراف: 96] 0
المعاصي أيها المسلمون : تفسد الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة ، زمانكم هذا زمان وأي زمان ، تلطخت فيه القلوب بالأدران ، وتلوثت فيه الجوارح بالإثم والعدوان ، ذنوب ومعاصي ، أثقلت الداني والقاصي ، إلا من رحم ربي ، فإلى الله المشتكى، قنوات فضائية ، ووسائل إعلامية ، وشبكات معلوماتية ، واتصالات سلكية ولاسلكية ، جلبت الغرائب والمصائب ،وأتلفت العفة والحشمة ، وعصفت بالخلق والحياء ، وهل جنينا مما ساء منها ، إلا الجرائم والفسوق ، والشذوذ والانحراف فصرنا إلى ظلم بين العباد قد انتشر، وغصب لأموال الناس بالباطل قد ظهر ،وأكل لحقوق البشر0وأمور كثر
أسأل الله ان يجعلنا وإياكم من المعتبرين المتعظين
وأن يجعل غيرنا عبرة لنا وأن لايجعلنا عبرة للآخرين
تقبلوا تقديري
محبكم ابو الوافي
التوقيع |

[flash=http://www.freefileuploader.com/files/f6b00a29h1f7k4n3u26n.swf]=400 =300[/flash]
|
|