دفاع عن أبي هريرة...!
* قال عمر بن حبيب القاضي: حضرت مجلس الرشيد يومًا،
فجرت مسألة، فتنازعها الخصوم، وعلت الأصوات فيها، فاحتج بعضهم
بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام، حتى قال قائلون
منهم: أبو هريرة متهم فيما يرويه! وصرحوا بتكذيبه! ورأيت
الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة صحيح النقل صدوق
فيما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إليَّ الرشيد
نظر مغضب! وانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث أن جاءني غلام فقال:
اجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم،
إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك أن يطعن
على أصحابه فسلمني منه، وأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي،
حاسر على ذارعيه، بيده السيف وبين يديه النطع، فلما بصر بي قال:
يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحد من الدفع والرد لقولي
بمثل ما تلقيتني به وتجرأت عليّ! فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الذي
قلته ووافقت عليه وملت إليه وجادلت عنه، إزراء على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به، فإنه إذا كان أصحابه ورواة
حديثه كذابين، فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصلاة والصيام
والنكاح والطلاق والحدود مردودة غير مقبولة، فالله الله يا أمير المؤمنين
أن تظن ذلك أو تصغي إليه، وأنت أولى أن تغار لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من الناس كلهم! فلما سمع كلامي رجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني
يا عمر بن حبيب أحياك الله! أحييتني أحياك الله! أحييتني أحياك الله!