نموذج لقائد

بسم الله الرحمن الرحيم

(( نموذج لقائد))

((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ))
سورة النساء الآية (59)
إذا استبعدنا سوء النية والاستئثار بالسلطة ، فقد تكون الغلطة الكبرى لهذا القائد هي أنه أراد أن يثبت لهم أنه يرسى دعائم حكمه دون الحاجة إليهم ظناً منه أنهم مجرد فكرة ليس من الصعب على حاكم أن ينتحل مضمونها فتستقيم له الأمور كما لو إن هذه الجماعة هم القائمين بأعباء الحكم.
واستطاع فعلاً- عن طريق خزانة الدولة- أن يملأ مناصب الحكومة بأعظم الخبرات وأعلى المؤهلات. ولكنه ما لبث أن رأى الخلل والفساد يهز أركان الدولة، ويهد في أركانها وكيانها ..
فأخذ بتلابيب هؤلاء الخبراء وذوي أعلى المؤهلات ... فقدمهم إلى المحاكم التي دمغتهم بفساد الذمة وموت الضمير.
وكان المنطق يقضي والحالة هذه- أن يقر الحاكم بخطئه، ويفيء إلى رشده ، ولكن قائدنا ما كان يستطيع أن يفعل ، فهو بحكم حقده أسير هذا الحقد، ثم إنه كان قد قطع على نفسه خط الرجعة ، بما أرتكب من فضائع ضد هذه العصبة وبما سفك من دمائهم وصار كما يقول المثل السائر (( ليس بعد حرق الزرع جيرة)).
وهكذا لم يجد القائد الحقود أمامه إلا طريقا واحداً ليس غيره،هو الطريق الذي سلكه من قبل ووجد فيه الأفاعي والشياطين ... وظن أنه إذا لجأ إلى العسكريين الذين اعتادوا أن تحكم تصرفاتهم الأوامر والعقوبات ، فسيجد فيهم طلبته التي تدير شئون الدولة كما تدور الساعة ، فملأ المرافق والإدارات والشركات والمؤسسات بهم فماذا كان من شأنهم؟
كل الذي حققوه هو إحكام الشكليات لهذه الأعمال فمواعيد الحضور ومواعيد الانصراف أصبحت تراعى بكل دقة ، والعقوبات توقع على من يتأخر عن الحضور دقائق ، كما أن التقارير والمذكرات تكتب ببراعته وإسهاب ، يضرب فيها على الوتر الذي يطرب الرئيس العسكري وكل الذي يطربه أن تكتب هذه التقارير بأسلوب يقربه إلى سيده الحاكم أضحى لا يعرف شيئاً اللهم إلا ما يصله من هذه التقارير التي لا تمت إلى الواقع بصلة أو تكتب على أهواء من يكتبها. فإذا جاءت مناسبة من المناسبات يلقي فيها على الشعب بياناً ؛ ضمنه ما جاء بهذه التقارير والشعب يسمع ويضحك ويرسل النكات، لأنه يسمع من الحاكم بيانات وأرقاماً ليس لها في واقع حياتهم أثر، إذ هي مختلفة لا أصل لها.
وأخيراً أكتشف القائد أن هولاء العسكريين ضللوه، وأنهم أفسدوا مرافق البلاد وتعجب كيف يقع هذا الإفساد من رجاله العسكر ونسي (( القائد)) أن الضباط ليسوا إلا ناساً كسائر الناس.
إن كانوا قد أدوا ما وكل إليهم من أعمال في الجيش على الوجه الأكمل،فإنما فعلوا ذلك تحت سوط القانون العسكري الذي لا يرحم. أما وقد رفع عنهم هذا السوط بعد أن انخرطوا- في سلك الحياة المدنية والوظائف المدنية فلم يعد من رقيب عليهم إلا ضمائرهم إن كانت لهم ضمائر وأنى يكون لإنسان ضمير وهو لا يعرف الله، ولا يخطر بباله أن هناك حساباُ على كل صغيرة وكبيرة بين يدي إله مطلع على القلوب يعلم السر وأخفى.
إن المصائب التي تعانيها أقطار بلادنا حتى اليوم، وقد تظل تعانيها عشرات السنين بعد اليوم؛ هي حصاد هذا الغرس النكد الذي غرسه (( القائد)) بغطرسته وكبريائه وصلفه وبتمرده على القواعد التي يقوم عليها الكون. إن هذا القائد وقع في فرائس وظروف أثرت على مسيرته وهو كأي قائد له من المحاسن والمآثر- فمن هذه الفرائس هو تواجده في عسكر بلاده قبل إن يصبح (( قائداً)) في شعبة (( العصبة)) التي أنقلب عليها لاحقاً- في جيش بلاده والتي كان يحبها ويكن لها الاحترام ولكن انكسار العسكر في تلك الحرب وفي ظل ذاك الحكم وملابساته وظروفه خلق لديه الانتهازية وساء ظنه في الأخيار معتقد إنهم من أسبابها ، وليس بمن سبب هذه الانتكاسة وحيلهم الخبيثة وحينما أصبح قائداً بعد بضع سنين وقع هذا القائد تحت بعض الضغوط والأخطاء التي أثرت عليه وخاصة إن الدولة في وجهها الحداثي والعلماني وبعدها عن الشريعة وفصلها للدين زادت عليه الحمل حملين والثقل ثقلين فمن هذه الأخطاء والضغوط في الجبهة الداخلية والخارجية . فأما على الجبهة الداخلية فقد استخدم على معارضيه وخاصة من هذه العصبة 1- أن يكون السجن الحربي مكانا للاعتقال 2- طوابير الإهانة 3- طوابير الإرهاب 4- مهزلة المحاكمات5- التعذيب على نغمات أم كلثوم6- لجنة حقوق الإنسان ففي الخطوات المتبعة في المحاكمات أ- أنا القانون ب- أنا أحيي وأميت ج- أربعمائة كرباج 7- قانون الحرمان: ا- نصيب الحيوان الناطق من المكان للإقامة ب- الدرك الأسفل ج- جيوش البق. هذه القوانين التي ابتدعها وجعلها سنة من السنن المبتدعة في (( الحكم )) و(( القيادة)) في الجبهة الداخلية ، أما على الجبهة الخارجية فقد تعرض هذا القائد لضغوط منها وأكبرها 1- الصراع مع العدو الصهيوني 2- نشر الكثير من الوقائع السرية وخاصة وثائق (( كوبلاند)) 3- دخوله تحت استراتيجية (( لعبة الشعوب)) كصفقة الأسلحة السوفيتية كنموذج أو حتى المشروع المائي في الأردن المسمى (( جونستون)) حيث رأت القوى الغربية المنفذة لهذا المشروع إن نفوذ هذا القائد سيساعدها على تنفيذ مخططتها في المنطقة وهو يعتبر لها كنموذج واضح (( لمركز اللعب)). 4- شعور العسكر نحو الشعب5- استخدام نظرية (( الإسقاط)) أو تحويل أنظار الشعب عن أعدائه الحقيقيين 6- وقوع ( القائد) في العمل الفردي وعدم تواجد الأصدقاء والأشقاء في القضايا والحاسمة والخطيرة التي تخص الأمة7- موقف الحكومة الأمريكية والغرب من قوانيين البطش والاضطهاد من ( القائد) تخيل هذه المواقف والأحداث والقوانين التي وضعها هذا القائد مع ضعف المواقف وفي حالة أردى من وقته وعصره- هذه بعض الحيل والأخطاء والحبائل التي أضعفت القائد وداره ، مع العلم إن القائد يحكم دار ورد ذكرها في كتاب العلي الكبير ((6)) مرات ، كان أكثر جمع للأموال والجند والعسكر وكثير من مفاتيح التنفيذ والحكم لديه ؛ يملك من البساطة والكاريزمية الشيء الكثير الذي جعل الكثير من الناس تحبه، بلاده في ذلك الوقت كانت تملك الكثير من الأمور كحكمها لنفسها، والعاطفة الجياشة لدى شعبه وصدقها وحب البناء لوطنهم، هذا القائد الذي أسهبنا في ذنوبه وأخطاءه وقد حملناه ما نحن فيه هو أول قائد من أرض بلده يحكم داره بعد أحقاب كثيرة، الشهادة لله ولدار ولأوطان أول قائد في دول العالم الثالث والنامي وفوق هذا دولة عربية لم يخلف لإبنائه أرصدة بنكية وفلل وشليهات وعربات حتى إن ابنيه وبنته هاجرا كما يهاجر بقية أبناء الشعب وانتقلوا إلى الخليج بعد سياسة الانفتاح وعملية السلام مع العدو ولم يخلف لهم الا شقة وراتب يصرف من قبل الدولة مقداره ((110000 ))- أحدى عشر ألف جنيه- كقائد يعتبر ذو وجه واحد وهي ميزة له ، ولم يكن منضوي تحت بند أو جمعية أو تنظيم (( مشبوه)) يخالف الدين .وفوق هذا الضعف في الجبهتين الداخلية والخارجية واستقلال حديث لداره ووطنه وضعف الأصدقاء والأشقاء الذين حوله فقد جعل التاريخ ومنتقديه يقولون (( أخذ البلاد من أعظم وأقوى دول الاستعمار وجعلها مرهونة ومحتلة من أحقر دول العالم)) . إن ذكر سيرة الرجل ليس لسرد التاريخ أو ذكر الوثائق أو حقائق أو تحنن لماضي عتيق فلهم أعمالهم ولنا أعمالنا أو التشفي من الرجل أو ذكر محامده أو التحزب لشخصه أو اتجاه أو مخالفته ولكن درس لحياتنا من أصغر شخص في منصبه إلى أكبر شخص وخاصة في هذا الوضع ليس أضعاف ولكن تبصره بإذن الله- وخاصة في التخطيط أو المناورة أو التفاوض في جميع مناحي أمورنا فقد تم استشفاف بعض الفوائد التي قد تساعد على تطوير الذات وتساعد على فك القيود في هذا الوضع : 1- التربية والتنشئة التي يقوم عليها الفرد وخاصة التي تقوم على الخوف من الله ومحاسبة الضمير2- وضع سورة (( التوبة)) كمنهج يفضح المنافقين وخططهم وأسس الاتفاقيات في الإسلام ومتى نقضها وتطبيقها على دولنا وخاصة في حال المفاوضات الدولية وما تجره من نفع أو ضرر3- العمل الجماعي مع تغليب روح القائد الصالح وخير مثال عبر التاريخ والأزمان سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام وكيف عملوا بروح الجماعة على مدى ثلاث وعشرين عام4- البعد الاستراتيجي للدول من صداقات وعلاقات دولية وما قد تجره من نفع أو ضرر 5- معرفة مخططات العدو مسبقاً ورؤيته وقوة الجبهة الداخلية للدول بحيث لا يصبح الشعب مسرحية في وقت الرخا ووقت الشدة يذكر إن هناك شعب وخاصة فئة الشباب والذكور منهم لأنهم نواة الجيش في وقت الحروب والأزمات وتقوم عليهم الشدائد والتكاليف. فاللهم أغفر وأرحم كل صادق ومجاهد ومقاوم في أي موضع وخاصة للذين غاياتهم وعزهم وعزوتهم في حب (( لا آله إلا الله محمد رسول الله)) . فاللهم أغفر لهذا القائد لا لشيء ولكن لإظهاره كيف نحن ضعفاء وأقزام ولو خالطنا صالحي زماننا وأهل الشريعة والحقيقة وكيف أجلى لنا مظاهر الضعف والخلل وكالمرآة تجلي لشخص مظاهر الحسن والقبح وأرحمه وأرحم أموات المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، بسر الفاتحة.


فائدة مهمة:
ترى ... لو كان النبي-صلى الله عليه وسلم- أكتفى بنصف المدة التي قضاها بمكة بعد البعثة ثم هاجر إلى (( المدينة المنورة)) ... هل كانت دعوته تقوم وتثمر على الصورة التي رواه التاريخ ونراها اليوم بأعيننا وسيراها أبناؤنا وأحفادنا إلى اليوم القيامة لاإخال ذلك كان يكون
لقد كانت سنين تكوين وتربية وصهر وصياغة للنفوس ، حتى تقوم الدعوة على أقوى دعامة وأمتن أساس ... وهذا الرعيل الأول الذي صهرته الأحداث في (( مكة المكرمة)) هو الذي حمل لواء الدعوة حتى ركزه على قمم جبال الصين شرقاً، وعلى ضفاف الأطلس غرباً، وكان في كل مكان يحل فيه صورة حية من دعوته وقدوة تتوق النفوس إلى الأقتداء بها..تجبى إليه الثمرات وتجمع عنده كنوز الأرض ، فتعف نفسه عن مسها ، ويؤثر أن يعيش كما يعيش عامة الناس ولولا هؤلاء ، ولولا السنوات الثلاث عشرة التي قضوها في طور التربية في مكة لما ظهر الإسلام ، ولما عم نوره بقاع الدنيا.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (( الدين النصيحة . قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).


سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم