العودة   ::{ مجالس قبيلة هذيل }:: موقع يهتم بتراث القبيلة ومفاخرها > المجالس العامة > المجلس العام
 

المجلس العام لكافة المواضيع التي ليس لها قسم مُخصص

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 11-05-2010, 08:36 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية أبوعبدالله العُميري
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

أبوعبدالله العُميري غير متواجد حالياً


افتراضي بين العزة والذلة

من قوله صلى الله عليه وسلم : " وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري " :
هذا يدل على أن العز الرفعة في الدنيا والآخرة بمتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لامتثال متابعة أمر الله ، قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقال تعالى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } وقال تعالى : { من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } .
وفي بعض الآثار يقول الله تعالى : " أنا العزيز فمن أراد العز فليطع العزيز " . قال الله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ، فالذلة والصغار يحصل بمخالفة أمر الله ورسوله . ومخالفة الرسول على قسمين :
( أحدهما ) مخالفة من لا يعتقد طاعة أمره كمخالفة الكفار ، وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول ، فهم تحت الذلة والصغار ، ولهذا أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وعلى اليهود الذلة والمسكنة لأن كفرهم بالرسول كفر عناد .
( والثاني ) من اعتقد طاعته ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار ، وقال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم ، أبى الله أن يذل إلا من عصاه ، كان الإمام أحمد يدعو : اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية .
وقال أبو العتاهية :
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
فأهل هذا النوع خالفوا الرسول من أجل داعي الشهوات .
( والنوع الثاني ) من خالف أمره من أجل الشبهات وهم أهل الأهواء والبدع ، فكلهم لهم نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفتهم لأوامره ، قال تعالى : { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين } .
وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون على الله ، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه ، وقد جعل الله من حرم ما أحله الله وحلل ما حرمه الله مفتريا عليه الكذب ، فمن قال على الله ما لا يعلم فقد افترى عليه الكذب ، ومن نسب إليه ما لا يجوز نسبته إليه من تمثيل أو تعطيل ، أو كذب بأقداره فقد افترى على الله الكذب .
وقد قال الله عز وجل { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } . وقال سفيان : الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم .
فلهذا تغلظت عقوبة المبتدع على عقوبة العاصي لأن المبتدع مفتر على الله مخالف لأمر رسوله لأجل هواه .
فأما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ من غير عمد ، مع الاجتهاد على متابعته ، فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها ، ولا إثم فيه ، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده ، وخطأه موضوع عنه ، ومع هذا فلا يمنع ذلك من علم أمر الرسول ، نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين ، ولا يمنع ذلك من عظمة من خالف أمره خطأ ، وهب ان هذا المخالف عظيم له قدر وجلالة ، وهو محبوب للمؤمنين إلا أن حق الرسول مقدم على حقه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .

فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة ، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ .
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة ، وربما أغلظوا في الرد - لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم ، معظم في نفوسهم - لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم ، وأمره فوق كل أمر مخلوق . فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى ان يقدم ويتبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له ، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه ، بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه . كما أوصى الشافعي : إذا صح الحديث في خلاف قوله ؛ أن يتبع الحديث ويترك قوله . وكان يقول : " ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ ، وما ناظرت أحداً فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني " . لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا لظهور نفوسهم والانتصار لها .
وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق ؛ صغيراً كان أو كبيراً وينقادون لقوله .
وقيل لحاتم الأصم : أنت رجل عيي لا تفصح ، وما ناظرت أحداً إلا قطعته ، فبأي شيء تغلب خصمك ؟ قال : بثلاث : أفرح إذا أصاب خصمي ، وأحزن إذا أخطأ ، وأحفظ لساني عن أن أقول له ما يسوءه . فذكر ذلك للإمام أحمد فقال : ما كان أعقله من رجل .
وقد روي عن الإمام أحمد أنه قيل له : أن عبد الوهاب الوارق ينكر كذا وكذا ، فقال : لا نزال بخير ما دام فينا من ينكر . ومن هذا الباب قول عمر لمن قال له اتق الله يا أمير المؤمنين فقال : " لا خير فيكم إن لم تقولها لنا ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم " . وردت عليه امرأة قولته فرجع إليها وقال : " رجل أخطأ وامرأة أصابت " .
فلا يزال الناس بخير ما كان فيهم الحق وتبيين أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم التي يخطئ من خالفها وإن معذوراً مجتهداً مغفوراً له ، ولهذا مما خص الله به الأمة لحفظ دينها الذي بعث الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - أن لا تجتمع على ضلالة بخلاف الأمم السالفة .
فههنا أمران ( أحدهما ) : أن من خالف أمر الرسول في شيء خطأ مع اجتهاده في طاعته ومتابعة أوامره فإنه مغفور له لا ينقص درجته بذلك ، ( والثاني ) : أنه لا يمنعنا تعظيمه ومحبته من تبين مخالفة قوله لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونصيحة الأمة بتبيين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم . ونفس ذلك الرجل المحبوب المعظم لو علم ان قوله مخالف لأمر الرسول فإنه يجب من يبين للأمة ذلك ويرشدهم إلى أمر الرسول ، ويردهم عن قوله في نفسه ، وهذه النكتة تخفى على كثير من الجهال لأسباب .
وظنهم أن الرد على معظم من عالم وصالح تنقص به ، وليس كذلك ، وبسبب الغفلة عن ذلك تبدل دين أهل الكتاب فإنهم اتبعوا زلات علمائهم ، وأعرضوا عما جاءت به أنبياءهم ، حتى تبدل دينهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم إياهم . فكان كلما كان فيهم رئيس كبير معظم مطاع عند الملوك قبل منه كل ما قال ، وتحمل الملوك الناس على قوله . وليس فيهم من يرد قوله ، ولا يبين مخالفته للدين .
وهذه الأمة عصمها الله عن الاجتماع على ضلالة ، فلا بد أن يكون فيها من يبين أمر الله ورسوله ، ولو اجتهدت الملوك على جمع الأمة خلافه لم يتم لهم أمرهم . كما جرى مع المأمون والمعتصم والواثق ، حيث اجتهدوا على إظهار القول بخلق القرآن وقتلوا الناس وضربوهم وحبسوهم على ذلك ، وأجابهم العلماء تقية وخوفاً ، فأقام الله إمام المسلمين في وقتهم أحمد بم حنبل ، فرد باطلهم حتى اضمحل أمرهم ، وصار الحق هو الظاهر في جميع بلاد الإسلام والسنة ، ولم يكن الإمام أحمد يحابي أحداً في مخالفة شيء من أمر الرسول وإن دق . ولو عظم مخالفة في نفوس الخلق . فقد تكلم في بعض أعيان مشايخ العلم والدين لمسئلة أخطأها ، فحمل أمره حتى لما مات لم يصل عليه إلا نحو أربعة أنفس ، وكان كلما تكلم في أحد سقط ، لأن كلامه تعظيم لأمر الله ورسوله لا هوى نفسه .
ولقد كان بشر الحافي يقول لمن سأله عن مرضه : احمد الله إليكم ، بي كذا وكذا . فقيل للإمام أحمد ، وقالوا : هو يبدأ بالحمد قبل أن يصف مرضه ، فقال أحمد : سلوه عمن أخذ هذا ؟ - يعني إن كان هذا لم ينقل عن السلف فلا يقبل منه - فقال بشر : عندي فيه أثر ، ثم روى بإسناده عن بعض السلف قال : " من بدأ بالحمد قبل الشكوى لم تكتب عليه شكوى " . فبلغ الإمام أحمد فقبل قوله .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " . فأمر الله ورسوله بالرد على من خالف أمر الله ورسوله ، والرد على من خالف أمر الله ورسوله لا يتلقى إلا عمن عرف ما جاء به الرسول وخبره خبرة تامة . قال بعض الأئمة : لا يؤخذ العلم إلا عمن عرف بالطلب .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان : أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة والصيام والحج والجهاد ونحو ذلك . وأمر باطن تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا بقضائه والصبر على بلائه . فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عرف الكتاب والسنة ، ومن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في علمنا ، فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء على الرسول فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب ، وفيمن يقول الله على ما لا يعلم ، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفته ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل ينتقص به وقال : أنا وارث حال الرسول والعلماء وارثون علمه ، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب على الله ، والتكذيب بالحق لما جاء به { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } فإن هذا متكبر على الحق والانقياد له ، منقاد لهواه وجهله ، ضال مضل ، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله ، ثم اتبعه ، فإن من لا علم له بحاله فمن اين يكون وارثه ؟
ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد وإنما ظهر في زمن قل فيه العلم وكثر فيه الجهل ، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من يبين للأمة ضلاله ، وله نصيب من الذل والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
يا لله العجب ، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا - ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها - لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟ فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم ، يفسدها بدعواه الكاذبة ؟
إن كنت تنوح يا حمام البان للبين ، فأين شاهد الأحزان ؟
أجفانك للدموع أم أجفاني لا يقبل مدع بلا برهان
ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل . وقد سبق حديث : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال : " ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذل " . فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له من الذل فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟
* * *
قوله صلى الله عليه وسلم : " ومن تشبه بقوم فهو منهم " :
هذا يدل على أمرين :
( أحدهما ) التشبه بأهل الشر مثل أهل الكفر والفسوق والعصيان وقد وبخ الله من تشبه بهم في شيء من قبائحهم فقال تعالى : { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم وخضتم كالذي خاضوا } .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالمشركين وأهل الكتاب ، فنهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، وعلل بأنه : " حينئذ يسجد لها الكفار " . فيصير السجود في ذلك الوقت تشبها في الصورة الظاهرة ، . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم : " غيروا الشيب ولا تشبهوا اليهود " . وقال صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين ، اعفوا الشوارب واحفوا اللحى " وفي رواية : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس " . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في النعال مخالفة لأهل الكتاب . وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : " ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود والنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالكف " خرجه الترمذي . ونهى عن التشبه بهم في أعيادهم وقال عبد الله بن عمر : " من أقام بأرض المشركين يصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر يوم القيامة معهم " . وقال الإمام أحمد : " أكره حلق القفا ، وهو من فعل المجوس ، ومن تشبه بهم فهو منهم .
فالتشبه بالمشركين والمغضوب عليهم والضالين من أهل الكتاب منهي عنه ولا بد من وقوعه في هذه الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال : " لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن ؟ " .

قال ابن عيينة : كان يقال من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى .
ووجه هذا أن الله ذم علماء اليهود بأكل السحت ، واكل الأموال بالباطل والصد عن سبيل الله ، وبقتل النبيين بغير حق ، وبقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وبالتكبر عن الحق وتركه عمداً خوفاً من زوال المأكل والرياسات وبالحسد وبقسوة القلب ، وبكتمان الحق ، وتلبيس الحق بالباطل ، وكل هذه الخصال توجد في علماء السوء من أهل البدع ونحوهم . ولهذا تشبهت الرافضة باليهود في نحو من سبعين خصلة .
وأما النصارى فذمهم الله بالجهل والضلالة ، وباللغو في الدين بغير الحق ، ورفع المخلوق إلى درجة لا يستحقها ، حتى يدعى فيه الإلهية . واتباع الكبراء في التحليل والتحريم . وكل هذا يجد في جهال المسلمين المنتسبين إلى العبادة من هذه الأمة .
فمنهم من يعبد بالجهل بغير علم ، بل يذم العلم وأهله ، ومنهم من يغلو في بعض الشيوخ فيدعي فيه الحلول ، ومن يدعي الحلول المطلق والاتحاد ، ومنهم من يغلو فيمن يعتقده من الشيوخ كما يغلو النصارى في رهبانهم ويعتقدون ان لهم أن يغلو في الدين ما شاؤوا ، وأن من رضي عنه غفر له ، ولا يبالي بما عمل من عمل ، وأن محبتهم لا يضر معها ذنب .
وقد كان الشيوخ العارفون ينهون عن صحبة الأشرار ، وأن ينقطع العبد عن الله بصحبته الأخيار ، فمن صحب الأخيار بمجرد التعظيم لهم والغلو فيهم زائداً غلواً عن الحد وعلق قلبه بهم فقد انقطع عن الله بهم ، وإنما المراد من صحبة الأخيار أن يوصلوا من صحبهم إلى الله ويسلكوا طريقه ويعلموه دينه .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أهله وأصحابه على التمسك بالطاعة ويقول : " اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئاً " وقال لأهله : " إن أوليائي منكم المتقون يوم القيامة ، لا يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون : يا محمد . فأقول : قد بلغت " . ولما سأله ربيعة الأسلمي مرافقته في الجنة قال " فأعني على نفسك بكثرة السجود " .
فإنما يراد من صحبة الأخيار إصلاح الأعمال والأحوال والاقتداء بهم في ذلك ، والانتقال من الغفلة إلى اليقظة ، ومن البطالة إلى العمل ، ومن التخليط إلى التكسب والقول والفعل إلى الورع ، ومعرفة النفس وآفاتها واحتقارها ، فأما من صحبهم وافتخر بصحبتهم وادعى بذلك الدعاوى العريضة وهو مصر على غفلته وكسله وبطالته فهو منقطع عن الله من حيث ظن الوصول إليه ، كذلك المبالغة في تعظيم الشيوخ وتنزيلهم منزلة الأنبياء هو المنهي عنه .
وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يكرهون أن يطلب الدعاء منهم ويقولون " أ أنبياء نحن ؟ " فدل على أن هذه المنزلة لا تنبغي إلا للأنبياء عليهم السلام ، وكذلك التبرك بالآثار فإنما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض ولا يفعله التابعون مع الصحابة ، مع علو قدرهم .
فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه .
وفي الجملة فهذه الأشياء فتنة للمعظّم وللمعظّم لما يخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة ، وربما يترقى إلى نوع من الشرك . كل هذا إنما جاء من التشبه بأهل الكتاب والمشركين الذي نهيت عنه هذه الأمة . وفي الحديث الذي في السنن : " ان من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، والسلطان المقسط ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه " . فالغلو من صفات النصارى ، والجفاء من صفات اليهود ، والقصد هو المأمور به .
وقد كان السلف الصالح ينهون عن تعظيمهم غاية النهي كأنس الثوري وأحمد . وكان أحمد يقول : من أنا حتى تجيئون إلى ؟ اذهبوا اكتبوا الحديث ، وكان إذا سئل عن شيء ، يقول : سلوا العلماء . وإذا سئل عن شيء من الورع يقول : أنا لا يحل لي أن أتكلم في الورع ، لو كان بشر حياً تكلم في هذا .
وسئل مرة عن الإخلاص فقال : اذهب إلى الزهاد ، إي شيء نحن تجيء إلينا ؟ وجاء إليه رجل فمسح يده ثيابه ومسح بهما وجهه ، فغضب الإمام أحمد وأنكر ذلك أشد الإنكار وقال : عمن أخذتم هذا الأمر ؟
( الثاني ) التشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة فهذا حسن مندوب إليه ، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه . وذلك مقتضى المحبة الصحيحة ، فإن المرء مع من أحب ، ولا بد من مشاركته في أصل عمله وان قصر المحب عن درجته .

قال الحسن لا تغتر بقولك : المرء مع من أحب ، ان من أحب قوما اتبع آثارهم ، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم ، وتأخذ بهديهم ، وتقتدي بسنتهم ، وتمسي وتصبح وأنت على مناهجهم ، حريصاً أن تكون منهم ، وتسلك سبيلهم ، وتأخذ طريقتهم ، وإن كنت مقصراً في العمل . فإن ملاك الأمر أم تكون على استقامة . أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في القول والعمل وسلكوا غير طريقهم فصار موردهم النار ؟ نعوذ بالله من النار . كان يونس بن عبيد ينشد :
فإنك من يعجبك لا تك مثله إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع
وجاء في الحديث : " ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا " .
فمن أحب أهل الخير وتشبه بهم جهده فإنه يلحق بهم كما في الحديث المشهور : " من حفظ أربعين حديثا حشر يوم القيامة في زمرة العلماء " . ومن أحب أهل الطاعة والذكر - على وجه السنة - وجالسهم يغفر له معهم وإن لم يكن منهم " فإنهم القوم لا يشقى جليسهم " .
فأما التشبه بأهل الخير في الظاهر ، والباطن لا يشبههم فهو بعيد منهم ، وإنما القصد بالتشبيه أن يقال عن المتشبه بهم انه منهم وليس منهم من خصال النفاق كما قال بعض السلف : " استعيذوا بالله من خشوع النفاق ان يرى الجسد خاشعاً ، والقلب ليس بخاشع " .
كان السلف يجتهدون في أعمال الخير ويعدون أنفسهم من المقصرين المذنبين ، ونحن مع إساءتنا نعد أنفسنا من المحسنين .
كان مالك بن دينار يقول : إذا ذكر الصالحون " أف ، أف لي ، وتوقف " . وقال أيوب : " إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل " . وقال يونس بن عبيد : " أعد مائة خصلة من خصال الخير ليس منها فيَّ واحدة " . وقال محمد بن واسع : " لو ان للذنوب رائحة لم يستطع أحد أن يجلس معي " .
يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد ، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد ، يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد ، وقلبه أقسى من الجلامد ، يا من يرد قلبه عن التقوى ، كيف ينفع الضرب البارد في حديد بارد ؟
يا نفس أنى تؤفكينَ ؟ حتى متى لا ترعوينَ ؟
حتى متى ، لا تعقلينا وتسمعينا وتبصرينا ؟
يا نفس إن لم تصلحي فتشبهي بالصالحينا

مُقتطف من أرشيف أحد المواقع الإكترونية






رد مع اقتباس
قديم 11-05-2010, 08:40 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الطرف الخجول
ضيف
 
إحصائية العضو





اخر مواضيعي
 


افتراضي رد: بين العزة والذلة

بآرك آلله فيك وجعلها شهآده لك يوم آلعرض لآ عليك

فيض ودي

؛






رد مع اقتباس
قديم 11-05-2010, 08:53 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية أبوعبدالله العُميري
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

أبوعبدالله العُميري غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بين العزة والذلة

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطرف الخجول مشاهدة المشاركة
بآرك آلله فيك وجعلها شهآده لك يوم آلعرض لآ عليك

فيض ودي


؛




شكراً لكِ أُخيتي على مروركِ المُشرف وتعلقكِ الطيب .






رد مع اقتباس
قديم 11-05-2010, 10:15 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أبو خالد

 
الصورة الرمزية حامد السالمي
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

حامد السالمي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بين العزة والذلة

جزاك الله خيرا وفي ميزان حسناتك






رد مع اقتباس
قديم 11-06-2010, 08:56 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
غازي الهذلي

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

هذلي قديم غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بين العزة والذلة

ابو عبد الله العميري
جزاك الله خيراً
ماشاء الله حضور قوي ومشرف
نفع الله بك






التوقيع

[

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 02:47 AM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو

 
الصورة الرمزية أبوعبدالله العُميري
 

 

 
إحصائية العضو






اخر مواضيعي
 

أبوعبدالله العُميري غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بين العزة والذلة

حامد السالمي؛ هذلي قديم
شكرا لمروركما العطر وتعليقاتكما الموفقة, وفقني الله وإيّاكما لطاعته.






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة هذيل