قصيدة "الطين" إبداع أم انتحال ؟ !! شارك برأيك.
قصيدة "الطين" لأبي ماضي إبداع أم انتحال؟!! مقارنة مع النص (الشعبي البدوي) ـــ عبد الناصر الحمد
قد تشكل هذه المادة عن الشاعر إيليا أبي ماضي وقصيدة (الطين) الشهيرة، ما يشبه الصدمة لأول مرة... هل كان أبي ماضي منتحلاً حقاً؟ أم هي اقتباس وتأثّر؟...
هل يغفر للشاعر مثل هذه الزلات؟ أم أن مجرد تحويل القصيدة إلى الفصحى، وتوسيع دائرة شهرتها في العالمين، هو عمل مبرر.. بل ويحسب في حسنات الشاعر؟ ونترك الرأي للقراء...
المحرر
لو قيل لي إن شاعراً خليجياً (أو أي عربي) سرق معاني من شاعر (آخر) لصدقت، ولو قيل إن شاعراً شعبياً سرق قصيدة لشاعر شعبي آخر ما تعجبت من الأمر لأنه يحصل بشكل يومي، أما أن يسطو شاعر فصيح على شاعر شعبي فهذا لا يمكن تصديقه خاصة وأن الأول مهجري والثاني بدوي مات قبل قرن.
الأمر أبعد من أن يصدق بهذه السهولة، إلا أن ما يجب التذكير به هو أن الأرض العربية كانت قبل قرن من الزمن أرضاً لكل العرب، لكل منهم حرية التنقل والحركة، وكانت القبائل تتنقل طلباً للكلأ.. والماء حتى جاء مَنْ مَنّ علينا بمكرمته الفذة، وخط لنا على الرمال حدوداً لا يستطيع أن يتخطاها أحد إلا بأمر أو موافقة؛ فتفرق الشمل وتشتت الأخوة وحمل كل منهم (جنسية) و(هوية) مغايرة لأخيه.
في تلك الأثناء أي قبل المكرمة (الأنكلو فرنسية) كان العرب من أبناء المدن يمارسون مهنة التجارة مع البادية وطالما أن حديثنا عن الشعر فما يهمنا هنا هو الشعر والشعراء.
يقول (توفيق أبو الرب): إن كثيراً من (اللبنانيين) كانوا يتجرون مع البدو مطلع هذا القرن ومنهم على سبيل المثال والد (جبران خليل جبران) زعيم أدباء المهجر، وصديقة ميخائيل نعيمة) يذكر لنا في كتابه عن (جبران) أن والده كان يتاجر مع (البدو) وأنه كثيراً ما يصحب جبران وهو صغير.
كما ذكر أن جبران يحفظ بعض (الشعر البدوي) وأنه كان معجباً بمقطوعة بدوية كان كثيراً ما يتغنى بها.
ومطلعها (يا زين في درب الهوى ضعنا!!).
أما (روكس العزيزي) والذي كان أول من أثار هذه القضية فيقول: (ثبت لدينا أن والد (إيليا أبو ماضي) كان يتجر مع (البدو) أيضاً...) وقبل أن نتحدث عن موضوع السرقة لا بد لي من تقديم إضاءة صغيرة بخصوص علاقة (الشعر الفصيح) بالشعر الشعبي، ألا وهي اعتقاد البعض بصعوبة النقل من الفصيح إلى الشعبي أو العكس وهذا الكلام غير دقيق وإليكم هذا المثال قال الشاعر نزار قباني:
ماذا أقول له لو جاء يسألني...
إن كنت أكرهه أو كنت أهواه
ماذا أقول إذا راحت أنامله
تلملم الليل عن شعري وترعاه؟!
ويقول الشاعر الشعبي:
شرد أقل له لو إجا يسألني مره
إن جنت أحبه لو ما أحبه
شرد أقل له لو يلملم ليل شعري
مره بايدينه ويذبه
وأنا لا أرى بالأمر غضاضة عندما يقوم شاعر شعبي بتحويل قصيدة فصيحة إلى اللهجة بقصد الدعابة أو الفن.
لقد (شعبن) محمد بن لعبون ومجايلوه الكثير من الشعر الفصيح لأبناء عصرهم.
أما أن يقوم الشاعر أيا كان بالسطو على قصائد شاعر آخر مهما كان السبب دون الإشارة إليها فهذا من (المآسي)، والجرائم التي لا تغتفر، وإن كانت القصيدة الفصيحة ستجد آلاف المدافعين عنها لن تجد القصيدة الشعبية من يدافع عنها لأن الشعر الشعبي ما زال كنزاً مدفوناً لا يعرفه إلا أبناء حيزه، أما من تفصله عنهم حدود ولهجات ولغة فلا يعرفون ما هو الشعر الشعبي.
تقول القصة:
إن الشاعر (على الرميثي العنزي) والذي عاش في عام (1830) تقريباً على الرغم من شاعريته وروعة مظهره كان فقيراً معدماً فيما كان له ابن عم يدعى (سالم) من أثرياء عشيرته وزعمائها، وفي أحد الأيام (غزى) سالم الرميثي ومعه ابن عمه (علي) وفي أثناء المعركة (جرح) سالم وفرّ عنه رفاقه إلا ابن عمه (علي) حمله وهرب به وعالجه إلى أن شفي فأصبح سالم مديناً لعلي بحياته، وصادف أن أحب الرجلان (فتاة) وتنازعا عليها فاختارت الفتاة (علي) بالرغم من فقره ورحلت معه ثم ما لبثت أن ماتت.
ومرت الأيام فزاد فقر علي ولجأ إلى ابن عمه في ليلة باردة مثلجة وجلس (بالشق) المكان المخصص لرجال الديوان غير أن ابن عمه كان حاقداً عليه فلم يلتفت إليه ولم يقم بأبسط واجبات الضيافة حسب الأعراف والتقاليد حتى أنه لم يقدم له طعاماً فأثر ذلك في نفس علي، وقال قصيدة رائعة هي موضوع كتابتنا هذا اليوم، ثم حدث أن قدم شاعر (مهجري) قصيدة تشبهها تماماً، إلا أنه قال أي الشاعر المهاجر (ينبغي أن يخلقها غير خالقها أي بادية الشاعر علي وفي غير مكانها حتى يصير أن تخرج منها قصيدة خالدة على الدهر مثل قصيدة (الطين) التي ليس لها أخت ولا ضرة في الشعر العربي كله قديماً وحديثاً) إنه الشاعر (إيليا أبو ماضي..) أليس هذا اعترافاً ضمنياً إذا ما ثبتت عملية السرقة بأن القصيدة الشعبية تحمل في داخلها مقومات خلودها ولولا ذلك لما اهتم بها الشاعر.
وهذه القصيدة بيت (لعلي الرميثي) يليه بيت (لإيليا أبو ماضي) ولكم الحكم:
يقول الرميثي:
يا أخوي ما ني فحمةٍ ما بها ضي
ولا إنت شمسٍ تلهب الدو بضياه
يقول أبو ماضي:
يا أخي لا تمل بوجهك عني
ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
يقول الرميثي:
لا صار ما تاكل ذهب يوم تبلى
يا أخوي وش نفع الذهب يوم تقناه
يقول أبو ماضي:
أنت لا تأكل النضار إذا جعت
ولا تشرب الجمان المنضد
يقول الرميثي:
ملبوسك من البز في يوم تبلى
مثل الأكفان لميتٍ طال مشحاه
يقول أبو ماضي:
أنت بالبرودة والموشاه مثلي
في كسائي الرديم تشقى وتسعد
يقول الرميثي:
المنوة اللي في ضميرك تلوي
لي مثلها يا شين بالقلب نهواه
أبو ماضي:
لك في عالم النهار أماني
ورؤى والظلام فوقك ممتد
الرميثي:
نحلم احلوم يوم من ثم نرضى
وتمر يوم السعد ما بان ماطاه
أبو ماضي:
ولقلبي كما لقلبك أحلام
حسان فإنه غير جلمد
الرميثي:
ودموعنا ويا الضحك فيه سلوى
متماثلة ياشين ليصار بتلاه
أبو ماضي:
لا فهذي وتلك تأتي وتمضي
كذويها فأي شيء يؤبد
الرميثي:
يوم الرياح تناوشك ليه تلوى
والترف يوم يفارقك ليه تشهاه
أبو ماضي:
أيها المزدهي إذا مسك السقم
ألا تشتكي ألا تتنهد
الرميثي:
كليتنا للترب نمشي ونحيا
ولا توهمك يا لضبع نفسك بمشهاه
أبو ماضي:
أنت مثلي من الثرى وإليه
فلماذا يا صاحبي التيه والصد
الرميثي:
هذا القمر والشمس والنجم
ونجومكم مثل الخرابيش تنصاه
أبو ماضي:
النجوم التي تراها أراها
حين تخفي وحين تتوقد
الرميثي:
الله يا قلب كنت للناس منصى
حتى العشا في مخومسك ما لقيناه
أبو ماضي:
بينما الكلب واجد فيه مأوى
وطعاماً والهر كالكلب يرفد
الرميثي:
الثلج يذري والسواعير تضوي
هبيت ننصي العبد والله ننساه
أبو ماضي:
ذدتني عنه والعواصف تعدو
في طلابي والجو أقتم أربد
الرميثي:
أنت وما ثمرت تسقط وتبلى
وتراب قبرك سافي الريح يسفاه
أبو ماضي:
إن قصراً سمكته سوف يندك
وثوباً حبكته سوف ينقد
غربلة الشعر الشعبي وبعد كل هذا يأتي (ميخائيل نعيمة) ليقول: إنني أعرف إيليا أبو ماضي وأعرف كيف ولدت قصيدة (الطين) من بدايتها وأؤكد أنه لا إيليا ولا أبوه ولا أنا نفهم شيئاً من هذا الشعر البدوي.
أما إيليا فيقول: نحن لا نستغرب أن تعرض لأي إنسان أفكار كالتي تعرض لنا فإن الحياة واحدة في كل مكان وإن اختلفت المظاهر ولكن الجو الذي خلق قصيدة (الطين) غير جو البادية.
والجدير بالذكر أن (أحمد زكي أبو شادي) أعلن ذات يوم أنه اكتشف أن أبا ماضي سرق قصيدة (هي) لشاعر إنجليزي يدعى (انتوني وونر).
أما أنتم فما رأيكم بما عرض هنا هل هو سرقة أم مجرد توارد خواطر كما قال أبو ماضي.
في الختام أقول بكل صراحة غربلوا الشعر الشعبي وستجدون مئات الأبيات وقد (تشعبنت) وغربلوا الشعر الفصيح ستجدون آلاف الأبيات الشعبية وقد (تفصحنت) وعزاءنا الوحيد أننا كمن يسرق نفسه فيضع في جيبه اليمنى ما سرقه من جيبه اليسرى وطالما أن ما سرق ظل بالجيب فلا بأس من تجول اللصوص بيننا لأنهم يجعلوننا أكثر يقظة وحذراً لكنوز الإبداع التي نجهل.
(منقول للفائدة).
|