قراءة حذرة

" ويكيليكيس " قراءة حذرة

منذ أُّلقيت وثائق موقع " ويكيليكيس " في وجه شعوب الارض بمئات الآلاف وحالة الجدل تتقاذف المراقبين وحتى عامة الناس . البعض إعتقد أنها لعبة جديدة من ألاعيب الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل والحركة الصهيونية ، لإحداث إرباك في الاوساط السياسية المختلفة على مستوى الدنيا . والبعض إعتبرها شهادة إثبات براءة للقيادات السياسية الفلسطينية والعربية . وبعض آخر إفترض أنها بداية تشظي للنظام الاميركي وعشية أفوله ، وقارب بين نشر الوثائق الراهنة ، وما حصل في أعقاب سقوط نظام الشاة الايراني ، او ما حصل في ألمانيا في أعقاب إنهيار جدار برلين . والبعض ألآخر إعتقد ، أن الادارة الاميركية ليست مسؤلة عن نشر الوثائق ، لان عالم الولايات المتحدة ذات أبعاد متعددة ومتعولمة .
الموضوعية تحتم التأكيد أن عالم العولمة الجديد بقدر ما له أنظمته وأسيجته وضوابطه ، غير أنه عالم سهل الاختراق والوصول إلى أعمق أعماقه إذا إمتهن شخص او مؤسسة فن سبر أغوار أجهزة الحاسوب ونظام الانترنت . ومن يعود بالذاكرة للخلف ويحاول التذكر ، إن أسعفته ذاكرته ، فقد أعلنت مؤسسة البنتاغون أكثر من مرة عن تمكن شاب مراهق مولع بالنت من الدخول إلى مجاله الحيوي والاطلاع على وثائقه . والشىء نفسه حصل في إسرائيل وأكثر من دولة أوروبية .
بتعبير آخر إفتراض أن يكون القائمون على موقع " ويكي " تمكنوا من إختراق ملفات وأسرار الادارات الاميركية الحالية والسابقات ، هي إمكانية واردة . وقد يكون الدافع وراء نشر الوثائق فضح الانتهاكات الاميركية ، ونشر أسرار صناع القرار في دول العالم المختلفة على حبل غسيل العالم ليعرف الحقيقة . وقد يكون أيضا العكس صحيح ، بمعنى وجود إتفاق بين القائمين على الوثائق ، وخاصة الاجهزة الامنية وبين القائمين على الموقع ، لإيصال رسائل غير ، الرسائل التي وصلت .
لكن ما مصلحة الاجهزة الامنية الاميركية في نشر الوثائق الآن ؟ وما هي الفائدة المرجوة من ذلك ؟ ولماذا دائما إفتراض سوء النية ، والاصرار على وجود مؤامرة وراء ذلك ؟ ولماذا لا يفترض المراقب أن القائمين على موقع " ويكي " يرغبون بتسجيل سبق لموقعهم ، وتحقيق مصداقية لهم في اوساط المواقع المختلفة ؟ وفي حال صاحب أي موقع وصلت ليديه هذه الوثائق ماذا سيفعل بها ؟ ولماذا لا ينشرها ويضعها أمام العالم ليعرف حقيقة ما يجري ؟ وإذا جاءت بعض الوثائق مخيبة لآمال البعض فهل هذا يعني إنها مفتعلة ولا تحمل جديدا ؟ ولماذا دائما نغيب الوجه الايجابي من العولمة ؟ ألم تتيح لنا فضاءاتها الواسعة وثورتها الثالثة ( ثورة الاتصالات والمعلومات ) القدرة على إختراق المستور أو عضه من عالم العولمة المريب ؟ ولماذا لا يفترض المرء أن بعض القوى وخاصة الولايات المتحدة ، بحكم تقدير خبرائها ومهندسيها بالتعاون مع المسؤلين الامنين وحتى السياسيين ، اصحاب القرار ، دست في وثائقها بعض المعطيات غير الدقيقة كما ورد بالنسبة لعدد ضحايا الاحتلال الاميركي للعراق وأفغانستان وغيرهما للتغطية على جرائمها الحقيقية ؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها على المراقب الموضوعي ، لان ما حملتة الوثائق في طياتها كثير أيضا ، وتحتمل بز الاسئلة من كل حدب وصوب في محاولة لجلاء بعض الحقيقة . وأي كانت إتجاهات الاسئلة فإن المرء ، ينحاز إلى فرضية علمية ، تقول ، ان القائمين على موقع ويكيليكيس تمكنوا من إختراق ملفات الادارة الاميركية ، ولم يجدوا غضاضة في نشرها . أما لماذا هيئوا الرأي العام لنشرها ، فهذا من حقهم ، لتسليط الضوء على إنجازهم التقني ، ولإبراز دور موقعهم وإعطائه مصداقية في هذا الحقل ، الذي لا يعتبر إقتحامه مسألة معقدة لذوي الاختصاص . وبالتالي على الساسة وممثلي المجتمع المدني في فلسطين ودنيا العرب التعامل مع الوثائق كجزءمن الحقيقة . والدرس الاهم للقيادات السياسية ، أن تتنبه كثيرا لصراحتها وإنفعالاتها في اللقاءات مع ممثلي القوى الاخرى وخاصة الادارة الاميركية وإسرائيل ، لان العصر الذي نعيشه ، عصر العولمة يحتمل مفاجآت كل يوم من قبيل نشر وثائق موقع " ويكي " .